هي

إلى
امرأة لا تعاد
تسمى . . مدينة حزني
إلى
من تسافر مثل السفينة في ماء عيني
وتدخل وقت الكتابة
ما بين صوتي وبيني
أقدم
موتي إليك .. على شكل شعر
فكيف تظنين أني أغني؟
أعلى

شاعر النساء
صحافتنا العربية لها ولع غريب باختراع ألقاب للشعراء.
وكلما فتحتُ صحيفةً يومية ورأيت اسمي مقرونا بلقب جديد، تساءلت بيني وبين نفسي إذا
كنت أنا الرجل المقصود..
أكثر هذه الألقاب
مطاردة لي هو لقب "شاعر المرأة"..
أنا بالطبع لا
أرفض مثل هذه النعمة.. وأي "قطّ يهربُ من عرس" كما يقول المثل الشامي. ولكنني أعترض
على هذه التسمية إذا كان يُقصد بها تحديدي ووضعي في دائرة مغلقة.
إن قدر الشاعر لا
يمكن أن يكون مستديرا أو مستطيلا كقالب الحلوى. فمثل هذه المواصفات الهندسية إذا
صحّت في الفن المعماري، فإنها لا تصحّ في الفن الشعري.
ظاهرة الألقاب هذه
لا توجد إلا لدينا، ولعلها من مخلفات عصور الإقطاع، وموروثات الإمبراطورية
العثمانية، حيث كانت النياشين، والفرمانات، والأوسمة التي يحملها الإنسان أهمّ من
الإنسان..
وهكذا صار للشعر
لدينا أمراء.. وللطرب ملوك.. وللنثر سلاطين.. بحيث لا يموت خليفة على الشعر، إلا
ونجتمع لنبايع خليفة آخر.. ولا نتخلص من ملك حتى ندق الطبول لملك جديد.. كأن قانون
السلالات الملكية ينسحب أيضا على السلالات الشعرية..
وأنا لا أفهم حتى
الآن كيف انطلت على أحمد شوقي كذبة (أمير الشعراء)، وعلى خليل مطران كذبة (شاعر
القطرين)، وعلى حافظ ابراهيم كذبة (شاعر النيل)، في حين ظل شكسبير في الأدب
الانكليزي محتفظا باسمه الحقيقي المسجّل في تذكرة ميلاده.
انني أعتقد أن
الشعرَ وحده هو ملك الملوك.. وأن الشاعر العظيم أكبر من كل النياشين التي تعلّق على
صدره وأعظم قدرا من كل الألقاب الشاهانيّة التي تُخلع عليه.
كانوا يسمّونني
إذن "شاعر المرأة". وفي الماضي كان اللقب يسلّيني، ثم أصبح لا يعنيني، وفي الفترة
الأخيرة أصبح يؤذيني.
تحوّل من نعمة إلى
تهمة، ومن وردة إلى رمح مرزوع في خاصرتي.
حين قال عني الناقد
الكبير مارون عبّود: انني عمر بن أبي ربيعة هذا العصر، شعرت بنفضة كبرياء.. ومع
تقادم السنين، ووفرة التجارب، ذهبت الإرتعاشة وانحسر الغرور، ولم يعد يهزّني أن
أكون واحدا من حاشية عمر بن أبي ربيعة.. أو سواه..
إنني لا أنكر وفرة
ما كتبتُ من شعر الحب، ولا أنكر همومي النسائية، ولكنني لا أريد أن يعتقد الناس أن
همومي النسائية هي كل همومي..
لقد كانت لي حياة
مليئة كما تكون حياة أكثر الرجال الطبيعيين الأسوياء. عرفتُ نساء كثيرات، وانتصرت
وانهزمت، وأحرقت واحترقت.. وقتلتُ وقُتلت..
وإذا كانت روائع
حبي تفوح بشكل أقوى وأعنف من روائح بقية العشاق، فلأنني رجل يمتهن الكتابة.. ويعض
حياته بكل تفاصيلها على الورق..
الفرق بيني وبين
بقية العشاق، أنهم يحبون في العتمة، وضمن جدران غرفة النوم المغلقة، أما أنا –
فلسوء حظي – أنني رسمت عشقي على الورق، وألصقته على كل الجدران..
هذه هي مأساة
الفنان. انه لا يستطيع أن يتصرف في الحياة بشكل، وعلى الورق بشكل آخر.. ولا يستطيع
أن يقيم جدارا بين سلوكه وكتابته..
انه لا يستطيع أن
يعيش حياته الخاصة، ويختلي بحبيبته في شاليه على البحر، كما يفعل بقية الرجال،
ويمارس الحب في جلسة سرية لا يدخلها الصحافيون وموظفو الإذاعة.
انه ملزم كشاعر، أن
ينقل سريره إلى الشارع، ويضع عواطفه تحت تصرف جميع المواطنين وفي خدمتهم،
كالتماثيل، والأرصفة، والحدائق العامة.
ولأنني لا أستطيع
ممارسة العشق في العتمة، ولا أستطيع أن أخبئ حبيبتي في سرداب من الحجر.. أصبحت
قصائدي وثائق اتهام موقّعة بإمضائي.. وصارت كتبي دلائل مادية على ارتكاب جريمة
الحب..
إنني لا أبرّئ
نفسي من جريمة الحب. على العكس أنا أعتقد أن أكبر جريمة يرتكبها إنسان ما.. هي أن
لا يعشق..
أنا – وأقولها بصوت
عال – عاشق مدمن ومزمن، وحين لا يكون ثمة معشوق في حياتي.. أتحوّل إلى ورقة نشّاف..
وأودّ أن أعترف أن
شعري قدّمني للناس تقديما خطرا، وصبغ سمعتي بالأحمر الفاقع.. وساعد على ترسيخ صورتي
(الشهريارية) في رؤوسهم.
لقد قدّمتُ – بكل
براءة – رأسي إلى الناس على صينية من فضة.. كيوحنا المعمدان..
وفي بلاد كبلادنا،
تذبحها الازدواجية، وتمارس الحب من خلف الكواليس، وتعتنق مبدأ التقيّة في سلوكها
العاطفي، لا يمكن لشاعر مثلي، يركب مع حبيبته على ظهر حصان، ويتجول نهارا في طرقات
المدينة، أن ينشد السلامة.
ان الناس في
بلادنا، لا يستطيعون أن يفصلوا الكتابة عن الكاتب، والصورة الشعرية عن شخص صاحبها..
فالتجريد، والتأمل
الذهني الصرف، أشياء لا نتعامل معها في هذه المنطقة من العالم.
ثم ان الحديث عن
الحب، في شرق يرفض الحب ويعتبره طفلا غير شرعي، ومادة كالمواد المخدرة ممنوعة من
التداول، يُعتبر بحد ذاته خروجا على قيم المجتمع ومؤسساته.
وفي مجتمع كهذا،
يصبح شاعر الحب مواطنا خارجا على القانون، وتصبح القصائد التي تتناول العلاقات
الحميمة بين الرجل والمرأة فضيحة علنية.
وهكذا يمشي شاعر
الحب في بلادنا على حد الخنجر، وتُلصق صوره على جدران المدن وجذوع الأشجار، وتحتها
عبارة (مطلوب حيا أو ميتا).
ولقد كنت أعرف
سلفا، أي منذ بدأت أشتغل بهذه المادة المتفجرة التي هي شعر الحب، أن أصابعي ستحترق،
وأن ثيابي ستحترق، وأن سمعتي ستحترق، وأنني سأطرد خارج المدن التي تمضع كالجمل
الصحراوي العطش والملح وأشواك الصبّار..
لقد كان الالتحام
مع مجتمع يضع الحب في قائمة المحرّمات والممنوعات أمرا حتميا، والذي زاد من ضراوة
الالتحام، أنني ظهرت على الورق بوجهي الطبيعي، ولم ألجأ إلى الأصباغ والمساحيق..
لم أكن أشعر أن
الجنس وحش يفترس كل من يقترب منه. على العكس كنت أعتقد أن الجنس قطّ منـزلي أليف،
وأننا نحن الذين روّعناه، وخوّفناه، وجعلناه يتسكّع في الأزقة الضيقة، وينام بين
الخرائب.
كنت أرى أن العيب
فينا، لا في الحب. وأن الحب حركة طبيعية تعبّر بها الحياة عن نفسه، وأننا نحن الذين
عقّدناه وصلبناه على صليب الخرافة..
لم أكن مقتنعا أن
الجنس مغارة ملعونة، كل من لامس بابها الحجري سقط ميتا.
في مجتمعات السحر
والتنجيم والتخلف وحدها تتضخم فكرة الجنس حتى تصبح زائدة دودية ملتهبة. أما في
المجتمعات التي تتنفس تنفسا طبيعيا، وتحيا حياة سويّة، فإن الجنس يصبح نشاطا عاديا
كارتشاف فنجان القهوة الصباحي.
ان شعراء الغزل
الحسي في أوروبا، وكتّاب الروايات والمسرحيات، لا يخوضون حربا صليبية مع مجتمعهم
كما يخوضها الكتّاب العرب. والسبب هو أن نظرة مجتمعاتهم إلى الحب والجنس أخذت حجمها
الطبيعي، ولم تعد ورما سرطانيا كما هي الحال عندنا.
ان د. هـ. لورنس،
وأوسكار وايلد، وهنري ميللر، وألبرتو مورافيا، ذهبوا في كتاباتهم إلى أبعد مما
ذهبنا إليه بمراحل. ولكنهم لم يدفعوا الثمن الذي دفعناه، ولم يُنفوا خارج أسوار
مدنهم كما نُفينا نحن.
ان شاعر الحب في
بلادنا، يقاتل فوق أرض وعرة، وفي مناخ عدائي رديء جدا، ويغنّي في غابة تسكنها
الأشباح والعفاريت.
وإذا استطعت أن
أقاوم عفاريت الغابة وخفافيشها ثلاثين عاما، فلأنني كنت مثل السنانير بسبعة أرواح..
أعلى

أحبك
حتى ترتفع السماء قليلاً
1
أريدُ أن أحبكِ , يا سيدتي
كي أستعيد عافيتي
وعافية َ كلماتي .
وأخْرُجَ من حزام التلوثِ
الذي يلفُّ قلبي .
فالأرضُ بدونكِ
كذبة ٌ كبيرهْ ..
وتفاحة ٌ فاسدة ْ ...
2
أريد أن أحبكِ
حتى أدخلَ في دين الياسمين
وأمارسَ طقوسَ الشعرْ ...
وزرقة البحرْ ...
واخضرار الغاباتْ ...
3
أريدُ أن أحبكِ
حتى أطمئن ..
أن غاباتِ النخيل في عينيكِ
لا تزال بخيرْ ..
وأعشاش العصافير بين نهديكِ
لا تزال بخيرْ ..
وأسماك الشعر التي تسبح في دمي
لا تزال بخيرْ ...
4
أريدُ أن أحبكِ ..
حتى أتخلص من يباسي ..
وملوحتي ..
وتكلس أصابعي ..
وأستعيد جداولي ,
وسنابلي ,
وفراشاتي الملونة
وأتأكد من قدرتي على الغناء
وقدرتي على البكاءْ ...
5
أريد أن أحبكِ
حتى أسترجع تفاصيل بيتنا الدمشقي
غرفة .. غرفة ...
بلاطة .. بلاطة ..
حمامة ً .. حمامة ..
وأتكلم مع خمسينَ صفيحة فلّ
كانت أمي تستعرضها كل صباح
كما يستعرض الصانع
ليراته الذهبية ْ ...
6
أريدُ أن أحبكِ , يا سيدتي
في زمن ٍ ..
أصبحَ فيه الحب معاقاً ..
واللغة ُ معاقة ْ ..
فلا الأشجار قادرة على الوقوف على قدميها
ولا العصافير قادرة على استعمال أجنحتها .
ولا النجوم قادة على التنقلْ
بدون تأشيرات دخولْ ....
7
أريد أن أحبكِ ..
قبل أن ينقرض آخر غزال ِ
من غزلان الحرية ..
وآخر رسالةٍ
من رسائل المحبينْ
وتشنقُ آخر قصيدة
مكتوبة باللغة العربية ْ ...
8
أريدُ أن أحيكِ ..
قبل أن يصدر مرسوم فاشستي
بإقفال حدائق الحب ..
وأريدُ أن أتناول فنجاناً من القهوة معك ..
قبل أن يصادروا البنَّ .. والفناجين
وأريد أن أجلس معك .. لدقيقتين
قبل أن تسحب الشرطة السرية من تحتنا الكراسي ..
وأريدُ أن أعانقكِ ..
قبل أن يلقوا القبض على فمي .. وذراعيّ
وأريدُ أن أبكي بين يديكِ
قبل أن يفرضوا ضريبة جمركية
على دموعي ...
9
أريدُ أن أحبكِ , يا سيدتي
حتى أمتطي عربة الوقت
وأغيرَ التقاويم
وأعيدَ تسمية الشهور والأيام
وأضبطَ ساعات العالم ..
على إيقاع خطواتك
ورائحة عطركِ ..
التي تدخل إلى المقهى ..
قبل دخولكْ ...
10
إني أحبك يا سيدتي
دفاعاً عن حق الفرس ..
في أن تصهل كما تشاء ..
وحق المرأة .. في أن تختار فارسها
كما تشاء ..
وحق السمكة .. في أن تسبح كما تشاء
وحق الشجرة في أن تغير أوراقها
كما تشاء ..
وحق الشعوب في أن تغير حكامها
متى تشاءْ ....
11
أريد أن أحبكِ ..
حتى أعيد إلى بيروتَ , رأسها المقطوع
وإلى بحرها , معطفه الأزرق
وإلى شعرائها .. دفاترهم المحترقة
أريد أن أعيد
لتشايكوفسكي .. بجعته البيضاء
ولبول ايلوار .. مفاتيح باريس
ولفان كوخ .. زهرة ( دوار الشمس )
ولأراغون .. ( عيون إلزا )
ولقيس بن الملوح ..
أمشاط ليلى العامريهْ ....
12
أريدك , أن تكوني حبيبتي
حتى تنتصر القصيدة .
على المسدس الكاتم للصوت .
وينتصر التلاميذْ
على الغازات المسيلة للدموع
وتنتصر الوردة ..
على هراوة رجل البوليس
وتنتصر المكتبات
على مصانع الأسلحة ْ...
13
أريدُ أن أحبكِ
حتى أستعيد الأشياء التي تشبهني
والأشجارَ التي كانت تتبعني
والقطط الشامية التي كانت تخرمشني
والكتابات .. التي كانت تكتبني ..
أريدُ .. أن أفتح كل الجواريرْ
التي كانت أمي تخبئ فيها
خاتم زواجها ..
وأساورها الذهبية المبرومة ..
وخصلة من شعري الذهبي .
بقيت تحتفظ بها ..
منذ يوم ولادتي ..
14
كل شيء يا سيدتي
دخل في ( الكوما )
فالأقمار الصناعية
إنتصرت على قمر الشعراء
والحاسبات الالكترونية
تفوقت على نشيد الإنشادْ ..
وقصائد لوركا .. وماياكوفسكي ..
وبابلو نيرودا ...
15
أريدُ أن أحبكِ , يا سيدتي ..
قبل أن يصبحَ قلبي ..
قطعة غيار تباعُ في الصيدليات
فأطباء القلوب في ( كليفلاندْ )
يصنعون القلوبَ بالجمله
كما تصنع الأحذية ....
16
السماءُ يا سيدتي , أصبحت واطئة ..
والغيوم العالية ..
أصبحت تتسكع على الأسفلت ..
وجمهورية أفلاطون .
وشريعة حامورابي .
ووصايا الأنبياء .
وكلام الشعراء .
صارت دون مستوى سطح البحر
لذلك نصحني السحرة , والمنجمون ,
ومشايخ الطرق الصوفية ..
أن أحبكِ ..
حتى ترتفع السماءُ قليلاً ....
أعلى

أحاولُ إنقاذَ
آخِرِ أُنْثَى قُبَيْلَ وُصُول التتارْ
1
أَعُدُّ فناجينَ
قهوتِنَا الفارغاتِ،
وأمضَغُ..
آخرَ
كَسْرَةِ شِعْرٍ لديَّ
وأضربُ جُمْجُمَتي بالجدارْ..
أعُدُّكِ.. جُزءاً
فجزءاً
قُبيلَ انسحابكِ منّي، وقَبْلَ رحيلِ القطارْ.
أعُدُّ.. أناملكِ
الناحلاتِ،
أعدُّ الخواتمَ فيها..
أعدُّ شوارعَ نَهْدَيكِ بيتاً فبيتاً
أعُدُّ الأرانبَ تحت غِطاءِ السريرِ
أعدُّ ضلوعَكِ، قبلَ العِناقِ.. وبعدَ العناقِ
أعُدُّ مسَاَمات جِلْدِكِ.. قبل دُخُولي، وبعد خُرُوجي
وقبلَ انتحاري
وبَعدَ انتحاري
.
2
أعُدُّ أصابعَ
رِجْلَيكِ..
كي
أتأكَّدَ أن الحريرَ بخيرٍ..
وأنَّ الحليبَ بخيرٍ..
وأنَّ بيانُو (مُوزارْتٍ) بخيرٍ..
وأنَّ الحَمَام الدمشقيَّ..
مازالَ يلعبُ في صحن داري.
أعُدُّ تفاصيلَ
جِسمِكِ..
شِبراً.. فشِبرا
وبَرَّاً.. وبَحْرا
وساقاً.. وخَصْرا
ووجهاً.. وظهرا..
أعُدُّ العصافيرَ..
تسرُقُ من بين نَهْدَيْكِ
قمْحاً، وزهْرَا..
3
أعُدُّ القصيدةَ،
بيتاً فبيْتاً
قُبيْلَ انفجار اللُّغاتِ،
وقبلَ انفجاري.
أحاولُ أن أتعلَقَ
في حَلْمَة الثدْيَ،
قبل سُقوط السَمَاء عليَّ،
وقبل سُقُوط السِتَارِ.
أُحاولُ إنقاذَ
آخرِ نهْدٍ جميلٍ
وآخرِ أُنثى
قُبيلَ وُصُولِ التَتَارِ..
4
أقيس مساحةَ
خَصْركِ
قبل سُقُوط
القذيفةِ فوق زجاج حُرُوفي
وقبلَ انْشِطاري.
أقيسُ مساحةَ
عِشقي، فأفشلُ
كيفَ بوسع شراعٍ
صغيرٍ
كقلبي،
اجتيازَ أعالي
البِحَارِ؟
أقيسُ الذي لا
يُقاسُ
فيا امرأةً من فضاء
النُبُوءَاتِ،
هل تقبلينَ
اعتذراي؟
5
أعُدُّ قناني
عُطُوركِ فوق الرُفُوفِ
فتجتاحُني نَوْبةٌ
من دُوار
وأُحصِي فساتينكِ
الرائعاتِ،
فأدخُلُ في غابةٍ
من نُحاسٍ ونارِ..
سَنَابلُ شَعرِكِ
تُشْبِهُ أبعادَ حُريتي
وألوانُ
عَيْنَيْكِ،
فيها انْفِتَاحُ
البَرَاري.
6
أيا امرأةً .. لا
أزالُ أعدُّ يديها
وأُخطئُ
بينَ شُرُوق
اليدينِ.. وبينَ شُرُوق النَهَارِ.
أيا ليتَني ألتقيكِ
لخَمْسِ دقائقَ
بين انْهِياري..
وبينَ انْهِياري.
هي الحَرْبُ..
تَمْضَغُ لحمي ولَحْمَكِ...
ماذا أقولُ؟
وأيُّ كلامٍ يليقُ
بهذا الدَمَارِ؟
أخافُ عليكِ. ولستُ
أخافُ عليَّ
فأنتِ جُنُوني
الأخيرُ..
وأنتِ احتراقي
الأخيرُ..
وأنتِ ضريحي..
وأنتِ مَزَاري..
7
أعُدُّكِ..
بدءاً من القُرْطِ،
حتَّى السِّوارِ..
ومن منبع
النَهْرِ.. حتى خليجِ المَحَارِ..
أعدُّ فناجينَ
شهوتنا
ثم أبدأُ في
عَدِّها من جديدٍ.
لعلّي نسيتُ
الحسابَ قليلاً
لعلّي نسيتُ
الحسابَ كثيراً
ولكنني ما نسيتُ
السلامَ
على شجر الخَوْخ في
شفتيكِ
ورائحةِ الوردِ،
والجلَّنارِ.
8
أُحبُّكِ..
يا امرأةً لا تزال
معي، في زمان الحصارِ
أُحبُّكِ..
يا امرأةً لا تزالُ
تقدِّمُ لي فَمَها وردةً
في زمانِ الغُبَارِ.
أحبُّكِ حتى
التقمُّصِ، حتى التوحُّدِ،
حتى فَنَائيَ فيكِ،
وحتى اندثاري.
أُحِبُّكِ
لا بُدَّ لي أن
أقولَ قليلاً من الشّعرِ
قبلَ قرارِ انتحاري.
أُحبُّكِ
لا بُدَّ لي أن
أحرِّرَ آخرَ أُنثى
قُبيلَ وصول
التَتَارِ..
أعلى

إنهـا تـُـثـلِجُ نساءً
..
إنها تـثـلـج نساءَ
..
أنزعُ معطف المطر
الذي أرتديه، وأقـفل مظلتي، وأتركهن يتساقـطن على جسدي
واحدة واحدة
ثمارا من النار
وعصافـير من الذهب.
.
إنها تـثـلج نساءً
..
أفتح جميع أزرار
قميصي
وأتركهن يتزحلقن
على هضابي ويغتسلن بمياهي ويرقصن في غاباتي
وينمن في آخر الليل
كالطيور فوق أشجاري
..
إنها تثلج نساءً
..
أخرج كالطفل إلى
الحديقة
وأتركهن يكرجن
كالـلآلئ على جبيني
إمرأة .. إمرأة
ولؤلؤة .. لؤلؤة
..
أحملهن كالثلج على
راحة يدي
وأخاف عليهن أن
يـذبن كالثلج بين أصابعي
من حرارة العشق
.
إنها تثلج نساءً
..
تخرج بلادُ العرب
عن بكرة أبيها
البوادي تخرجُ ..
والحواضرُ تخرج
الأغنياء يخرجون ..
والفقراءُ يخرجون
واحـدٌ يحمل بارودة
صيد
وواحد يحمل صنارة
سمك
وواحد يحمل قفصا
وواحد يحمل بطحة
عرق
وواحد يحمل مخدة
وسريرا
..
إنها تثلج نساءً
..
والوطن كله مستنفرٌ
للهجوم على اللون الأبيض
واحد يريد أن يقرقش
الثلج تحت أسنانه
وواحد يريد أن
يتزوج الثلج
..
وواحد يريد أن
يأكله
..
وواحد يريد أن
يأخذه لبيت الطاعة
..
وواحد يسحب دفتر
شيكاته من جيبه
ليشتري أي نهـدٍ
أشقر يسقط من السماء
كي يجعله ديكورا في
حجرة نومه
...
يسمع الثلج قرع
الطبول
وخشخشة السلاسل
ويرى بريق الخناجر،
والتماع الأنياب
يخاف الثلج على
عذريته
..
فيحزم حقيبته،
ويقرر أن يسقط في
بلاد أخرى
..
أعلى

عندما قررت أن أكتب عن تجربتي في الحب،
فكرت كثيرا..
ما الذي تجدي اعترافاتي؟
وقبلي كتب الناس عن الحب كثيرا..
صوروه فوق حيطان المغارات،
وفي أوعية الفخار والطين،
قديما نقشوه فوق عاج الفيل في الهند..
وفوق الورق البردي في مصر،
وفوق الرز في الصين..
وأهدوه القرابين، وأهدوه النذورا..
عندما قررت أن أنشر أفكاري عن العشق.
ترددت كثيرا..
فأنا لست بقسيس،
ولا مارست تعليم التلاميذ،
ولا أؤمن أن الورد..
مضطر لأن يشرح للناس العبيرا..
ما الذي أكتب يا سيدتي؟
إنها تجربتي وحدي..
وتعنيني أنا وحدي..
إنها السيف الذي يثقبني وحدي..
فأزداد مع الموت حضورا..
عندما سافرت في بحرك يا سيدتي..
لم أكن أنظر في خارطة البحر،
ولم أحمل معي زورق مطاط..
ولا طوق نجاة..
بل تقدمت إلى نارك كالبوذي..
واخترت المصيرا..
لذتي كانت بأن أكتب بالطبشور..
عنواني على الشمس..
وأبني فوق نهديك الجسورا..
حين أحببتك..
لاحظت بأن الكرز الأحمر في بستاننا
أصبح جمرا مستديرا..
وبأن السمك الخائف من صنارة الأولاد..
يأتي بالملايين ليلقي في شواطينا البذورا..
وبأن السرو قد زاد ارتفاعا..
وبأن العمر قد زاد اتساعا..
وبأن الله ..
قد عاد إلى الأرض أخيرا..
حين أحببتك ..
لاحظت بأن الصيف يأتي..
عشر مرات إلينا كل عام..
وبأن القمح ينمو..
عشر مرات لدينا كل يوم
وبأن القمر الهارب من بلدتنا..
جاء يستأجر بيتا وسريرا..
وبأن العرق الممزوج بالسكر والينسون..
قد طاب على العشق كثيرا..
حين أحببتك ..
صارت ضحكة الأطفال في العالم أحلى..
ومذاق الخبز أحلى..
وسقوط الثلج أحلى..
ومواء القطط السوداء في الشارع أحلى..
ولقاء الكف بالكف على أرصفة " الحمراء " أحلى ..
والرسومات الصغيرات التي نتركها في فوطة المطعم أحلى..
وارتشاف القهوة السوداء..
والتدخين..
والسهرة في المسح ليل السبت..
والرمل الذي يبقي على أجسادنا من عطلة الأسبوع،
واللون النحاسي على ظهرك، من بعد ارتحال الصيف،
أحلى..
والمجلات التي نمنا عليها ..
وتمددنا .. وثرثرنا لساعات عليها ..
أصبحت في أفق الذكرى طيورا..
حين أحببتك يا سيدتي
طوبوا لي ..
كل أشجار الأناناس بعينيك ..
وآلاف الفدادين على الشمس،
وأعطوني مفاتيح السماوات..
وأهدوني النياشين..
وأهدوني الحريرا
عندما حاولت أن أكتب عن حبي ..
تعذبت كثيرا..
إنني في داخل البحر ..
وإحساسي بضغط الماء لا يعرفه
غير من ضاعوا بأعماق المحيطات دهورا.
ما الذي أكتب عن حبك يا سيدتي؟
كل ما تذكره ذاكرتي..
أنني استيقظت من نومي صباحا..
لأرى نفسي أميرا ..
أعلى

كنت جالسا ذات صباح في مكتبي، حين دخل عليّ الشاعر السفير عمر أبو ريشة، وبعد
عناق حميم، تأمّل محتويات المكتب باستغراب، وعدم رضى.. وقال:
" ماذا فعلت بنفسك يا نزار؟.. هل تركت كل أمجاد السفارات، وامبراطورية السلك
الدبلوماسي، وثريات الكريستال، وسجاد الغوبلان والأوبوسون، لتقعد في هذا المكتب
الأصغر من خُرْم إبرة؟؟ "
وقَعَتْ عليّ كلمات عمر كالصاعقة، فقلت له بنبرة حادّة:
" عن أي أمجاد تتحدث يا عمر؟؟.
ان مجدي الحقيقي هو الشعر.. كما هو مجدك أيها الشاعر الكبير.. لقد كنت أنتظر
منك يا صديقي، أن تطلب مني أن أضع لك كرسيا ثانيا خلف المكتب الذي أجلس عليه..
على كلٍّ إذا قررت ذات يوم أن تخلع أقنعة الشمع.. وترمي بذلة السموكن، والفراك،
والقمصان السوداء، والقبعة العالية.. في الزبالة.. وتختار الشعر.. فإن هذا
المكتب يتّسع لكلينا.. وأهلاً بك.. في أية لحظة.."
نظر اليّ عمر بعينين يغسلهما القلق والدهشة، وقال وهو يودّعني:
" شكرا على دعوتك.. ولكنني لا أعتقد أنني سأختار يوما هذا المصير المجنون!!.."
وخرج عمر أبو ريشة بقامته المديدة كقامة الرمح من مكتبي، ولم نلتق مرة أخرى..
فإن دروبنا قد تباعدت.. وأحلامنا قد تباعدت..
هو كان على موعد مع الرئيس نهرو في دلهي.. لتقديم أوراق اعتماده سفيرا فوق
العادة..
وأنا كنت على موعد مع عمال مطبعة (دار الكتب) في بناية العازارية لتصحيح
مسودّات مجموعتي الشعرية الجديدة (الرسمُ بالكلمات)..
أعلى

يا سيِّدتي:
كنتِ أهم امرأةٍ في تاريخي قبل رحيل العامْ،.
أنتِ الآنَ.. أهمُّ امرأةٍ بعد ولادة هذا العامْ..
أنتِ امرأةٌ لا أحسبها بالساعاتِ وبالأيَّام،ْ.
أنتِ امرأةٌ.. صُنعَت من فاكهة الشِّعرِ.. و من ذهب الأحلامْ..
أنتِ امرأةٌ.. كانت تسكن جسدي قبل ملايين الأعوامْ..
يا سيِّدتي:
يا مغزولة من قطنٍ وغمامْ.
يا أمطاراً من ياقوتٍ.. يا أنهاراً من نهوندٍ.. يا غاباتِ رخام..
يا من تسبح كالأسماكِ بماءِ القلبِ..
و تسكنُ في العينينِ كسربِ حمامْ.
لن يتغيَّرَ شئ في عاطفتي..
في إحساسي..
في وجداني.. في إيماني..
فأنا سوف أَظَلُّ على دين الإسلامْ..
يا سيِّدتي:
لا تَهتّمي في إيقاع الوقتِ، وأسماء السنواتْ.
أنتِ امرأةً تبقى امرأةً.. في كلَِ الأوقاتْ.
سوف أحِبُّكِ..
عند دخول القرن الواحد والعشرينَ..
و عند دخول القرن الخامس والعشرينَ..
و عند دخول القرن التاسع والعشرينَ..
و سوفَ أحبُّكِ..
حين تجفُّ مياهُ البَحْرِ..
و تحترقُ الغاباتْ..
يا سيِّدتي:
أنتِ خلاصةُ كلِّ الشعرِ.. ووردةُ كلِّ الحريات،ْ.
يكفي أنت أتهجى اسمك..
حتى أصبحَ مَلكَ الشعرِ.. و فرعون الكلماتْ..
يكفي أن تعشقني امرأةٌ مثلكِ..
حتى أدخُلَ في كتب التاريخِ.. وترفعَ من أجلي الراياتْ..
يا سيِّدتي:
لا تَضطربي مثلَ الطائرِ في زَمَن الأعيادْ.
لَن يتغيَّرَ شيءٌ منّي.
لن يتوقّفَ نهرُ الحبِّ عن الجريانْ.
لن يتوقف نَبضُ القلبِ عن الخفقانْ.
لن يتوقف حَجَلُ الشعرِ عن الطيرانْ.
حين يكون الحبُ كبيراً .. و المحبوبة قمراً..
لن يتحول هذا الحُبُّ لحزمَة قَشٍّ تأكلها النيرانْ..
يا سيِّدتي:
ليس هنالكَ شئ يملأ عَيني
لا الأضواءُ..
و لا الزيناتُ..
و لا أجراس العيد..
و لا شَجَرُ الميلادْ.
لا يعني لي الشارعُ شيئاً.
لا تعني لي الحانةُ شيئاً.
لا يعنيني أي كلامٍ
يكتبُ فوق بطاقاتِ الأعيادْ.
يا سيِّدتي:
لا أتذكَّرُ إلا صوتَكِ
حين تدقُّ نواقيس الأعيادْ.
لا أتذكر إلا عطرَكِ
حين أنام على ورق الأعشابْ.
لا أتذكر إلا وجهكِ..
حين يهرهر فوق ثيابي الثلجُ..
و أسمع طَقْطَقَةَ الأحطابْ..
ما يُفرِحُني يا سيِّدتي
أن أتكوَّمَ كالعصفور الخائفِ
بين بساتينِ الأهدابْ..
ما يبهرني يا سيِّدتي
أن تهديني قلماً من أقلام الحبرِ.. أعانقُهُ..
و أنام سعيداً كالأولادْ..
يا سيِّدتي:
ما أسعدني في منفاي
أقطِّرُ ماء الشعرِ..
و أشرب من خمر الرهبانْ
ما أقواني..
حين أكونُ صديقاً
للحريةِ.. والإنسانْ..
يا سيِّدتي:
كم أتمنى لو أحببتُكِ في عصر التَنْويرِ..
وفي عصر التصويرِ..
وفي عصرِ الرُوَّادْ
كم أتمنى لو قابلتُكِ يوماً
في فلورنسَا
أو قرطبةٍ
أو في الكوفَةِ
أو في حَلَب
أو في بيتٍ من حاراتِ الشامْ..
يا سيِّدتي:
كم أتمنى لو سافرنا
نحو بلادٍ يحكمها الغيتار
حيث الحبُّ بلا أسوارْ
و الكلمات بلا أسوارْ
و الأحلامُ بلا أسوارْ
يا سيِّدتي:
لا تَنشَغِلي بالمستقبلِ، يا سيدتي
سوف يظلُّ حنيني أقوى مما كانَ..
وأعنفَ مما كانْ..
أنتِ امرأةٌ لا تتكرَّرُ..
في تاريخ الوَردِ..
وفي تاريخِ الشعْرِ..
وفي ذاكرةَ الزنبق والريحانْ..
يا سيِّدةَ العالَمِ:
لا يشغِلُني إلا حُبُّكِ في آتي الأيامْ
أنتِ امرأتي الأولى
أمي الأولى
رحمي الأول
شَغَفي الأول
شَبَقي الأوَّل
طوق نجاتي في زَمَن الطوفانْ..
يا سيِّدتي:
يا سيِّدة الشِعْرِ الأُولى
هاتي يَدَكِ اليُمْنَى كي أتخبَّأ فيها..
هاتي يَدَكِ اليُسْرَى.. كي أستوطنَ فيها..
قوُلي أيَّ عبارة حُبٍّ
حتى تبتدئَ الأعيادْ..
أعلى

يعيشُ بداخلي وحشٌ
جميلٌ اسمه الرجُلُ
له عينانِ دافئتانِ ..
يقطر منهما العَسَلُ
ألامسُ صدرَهُ العاري
أُلامِسُهُ . وأختجِلُ ..
قروناً .. وهوَ مخبوءٌ
بصدري .. ليس يرتحلُ
ينامُ وراءَ أثوابي ..
ينامُ كأنهُ الأجلً
أخاف. أخافُ أوقظهُ
فيشعلني .. ويشتعلُ
كمخلوقٍ خرافيٍّ
يعيشُ بذهننا الرجل
تصوّرناه تنيناً ..
له تسعون إصبعةً
وشِدْقٌ أحمرٌ ثَمِلُ ..
تصورناه خفَّاشاً ..
مع الظلمات ينتقلُ
تخيلناه ثعباناً
أمد يدي لأقتلهُ
أمدُّ يدي.. ولا أصِلُ
إلهٌ في معابدنا
نصلّيهِ ونبتهلُ
يغازلنا ..
وحين يجوعُ يأكلنا
ويملأ الكأسَ من دمنا ..
ويغتسلُ ..
إلهٌ لا نقاومهُ
يعذّبنا ونحتملُ ..
ويجذبنا نعاجاً من ضفائرنا
ونحتملُ
ويلهو في مشاعرنا
ويلهو في مصائرنا
ونحتمل
ويدمينا .. ويؤذينا
ويقتلنا .. ويحيينا
ويأمرنا فنمتثلُ
إلهٌ ما له عمرٌ
إلهٌ . إسمهُ الرجلُ ...
أعلى

في جو الإنكشارية الشعرية نشرتُ مجموعتي الشعرية الأولى
"قالت لي السمراء" في أيلول (سبتمبر) 1944.
نشرتُها من مصروف جيبي، وكانت الطبعة الأولى منها 300
نسخة فقط.. لأن ميزانيتي كطالب لم تكن تسمح بأكثر.
وبلحظة تحرّك التاريخ ضدي.. وتحرّك التاريخيون. رفضوا
الكتاب جملة وتفصيلا. رفضوا عنوانه، ورفضوا مضمونه، ورفضوا حتى لون
ورقه، وصورة غلافه..
هاجموني بشراسة وحش مطعون..
كان لحمي يومئذ طريا.. وسكاكينهم حادّة..
وابتدأت حفلة الرجم..
ففي عدد شهر مارس 1946 من مجلة (الرسالة) المصرية كتب
الشيخ علي الطنطاوي عنّي وعن كتابي الكلام الدموي التالي:
"طُبع في دمشق كتاب صغير زاهي الغلاف
ناعم، ملفوف بالورق الشفّاف الذي تلفُّ به علب "الشكولاته" في الأعراس،
معقود عليه شريط أحمر كالذي أوجب الفرنسيون أول العهد باحتلالهم الشام
وضعه في خصور (بعضهن) ليعرفن به. فيه كلام مطبوع على صفة الشعر، فيه
أشطار طولها واحد إذا قستها بالسنتيمترات..
يشتمل على وصف ما يكون بين الفاسق
والقارح والبغيّ المتمرّسة الوقحة وصفا واقعيا، لا خيال فيه، لأن صاحبه
ليس بالأديب الواسع الخيال، بل هو مدلّل غني، عزيز على أبويه، وهو طالب
في مدرسة. وقد قرأ كتابه الطلاب في مدارسهم والطالبات.
وفي الكتاب مع ذلك تجويد في بحور
العروض، يختلط فيه البحر البسيط، والبحر الأبيض المتوسط، وتجديد في
قواعد النحو لأن الناس قد ملّوا رفع الفاعل ونصب المفعول، ومضى عليهم
ثلاثة آلاف سنة وهم يقيمون عليه. فلم يكن بد عن هذا التجديد.."
هذا نموذج مصغّر لواحد من الخناجر التي استعملت
لقتلي.. وصوت واحد من أصوات القبيلة التي تحلقت حولي، ترقص رقصة الموت،
وتقرع الطبول، وتتلذذ بأكل لحمي نيئا..
وإذا كنت قد نجوت من هذا الاحتفال البربري بقدرة قادر،
فإن الحروق، والرضوض، والكدمات، جعلتني أكثر تمسكا بخشبة صليبـي، وأكثر
ادراكا للعلاقة العضوية التي تربط الإبداع بالموت.. والكتابة
بالإستشهاد.
نحن حين نكتب، نكسر شيئا. ومن طبيعة الشيء المكسور أن
يصرخ دفاعا عن نفسه.
و"قالت لي السمراء" حين صدوره عام 1944 أحدث وجعا عميقا
في جسد المدينة التي ترفض أن تعترف بجسدها.. أو بأحلامها..
كان دبّوسا في عصب المدينة الممدود منذ خمسمئة عام، على
طاولة التخدير.. تأكل في نومها، وتعشق في نومها، وتمارس الجنس في
نومها..
(قالت لي السمراء) كان كتابا ضد التاريخ وضد
التاريخيين. ومن سوء حظه – أو ربما من حسن حظه – أنه وُلد بين أضراس
التنين..
إنني أحترم التاريخ حين يكون شرارة تضيء المستقبل،
ولكننه أرفضه بعنف، حين يتحول إلى نصب تذكاري.. أو إلى برشامة كتب على
غلافها الخارجي: "ليس في الإمكان أبدع مما كان..".
و(قالت لي السمراء) كان محاولة طفولية صغيرة، لتجاوز
(ما كان) إلى ما (يمكن أن يكون).. ولنقل الشعر من مرحلة السكون
التاريخي، إلى مرحلة الحركة والتجاوز.
إذا كانت معلَّقة "عمرو بن كلثوم" محطة من محطات
التاريخ، فلا يصح أن نبقى محبوسين فيها إلى ما شاء الله، وإذا كانت
الربابة إرثا تاريخيا جميلا، فلا يجوز أن تبقى نهاية الطرب. وإذا كانت
(مقامات الحريري) إيقاعا لغويا على سطح من النحاس.. فإن مثل هذا
الإيقاع أصبح صداعا لا يحتمل بالنسبة للأذن العربية المعاصرة.
لقد كان "قالت لي السمراء" في الأربعينات زهرة من
(أزهار الشرّ). وإذا كانت باريس قد تسامحت مع بودلير حين أهداها أزهاره
السوداء، وسلّط الضوء على المغائر السفلية، والدهاليز الفرويدية في
داخل الانسان، فإن دمشق الأربعينات لم تكن مستعدة أن تتخلى عن حبة
واحدة من مسبحتها لأحد.
لذلك جاءت ردود الفعل جارحة.. وذابحة. وكلام الشيخ علي
الطنطاوي، عن شعري، لم يكن نقدا بالمعنى الحضاري للنقد. وإنما كان صراخ
رجل اشتعلت في ثيابه النار..
إن تحرك الدراويش، والطرابيش، والنرابيش ضدي كان تحركا
طبيعيا ومبررا.. فساكنو تكايا الشعر العربي يعرفون أن أي صوت شعري
جديد، سوف يقطع رزقهم ويحيلهم إلى المعاش.. لذلك فهم يتحصنون وراء
دروعهم التقليدية.. اللغة، والنحو، والصرف، والأمر بالمعروف، والنهي عن
المنكر..
في الجانب الآخر من المسرح، كان الجيل الدمشقي الجديد
يبحث عن معنى لوجوده، وعن حل للتناقض الكبير القائم بين فكره وبين
تفاصيل حياته اليومية.
كان يقرأ عن الحرية ولا يطبقها، ويسمع عن الوجودية،
والسريالية، والدادائية، والتكعيبية، فيذهل ذهول القروي الذي ينـزل إلى
المدينة للمرة الأولى.
كانت أفكار الحرب العالمية الثانية، وفلسفاتها،
ومذاهبها، وأيدولوجياتها.. تصدم جهازه العصبي فيشعر أنه أخف وزنا،
وأكثر قدرة على الدخول في حوار حضاري مع العالم.
وهكذا فتح (قالت لي السمراء) الضوء الأخضر.. أمام ألوف
من الشبان والشابات، ليعبروا إلى الرصيف الثاني.. حيث كانت الحرية
بانتظارهم.
كان في قصائد (قالت لي السمراء) لغة تشبه لغتهم، وأشواق
بحجم أشواقهم، وشعر بمساحة انفعالاتهم..
كان فيه حب، وشهوة، وعصيان، ووحشية، وجميع الأدوات التي
يستعملها المساجين عادة لكسر أقفال زنزاتهم..
إن تقييم (قالي لي السمراء) بعد ثلاثين عاما من صدوره،
قد يبدو لمن يجلسون الآن تحت شمس الحرية، تقييما خرافيا ودراماتيكيا.
ولكن الذين يردّون الفن إلى جذوره الاجتماعية، يعرفون أن هذا الكتاب
كسر لدى نشره كل الاحتكارات اللغوية، والبلاغية، والخطابية،
والببغائية، والأخلاقية، ومدّ لسانه كتلميذ شيطان لمجتمع الدراويش..
لعب (قالت لي السمراء) لعبة الحرية على قدر ما يستطيع
أن يلعبها تلميذ على مقعد الدراسية. وإذا كان الحب والشهوة في هذا
الكتاب، قد اتّسما بالتوتر والعصبية، فلأن الحب في تلك الأيام، كان حبا
مقهورا، ومحظورا، ومسروقا من ثقوب الأبواب.
أما الجنس فكان مادة محرّمة، لا تباع الا في السوق
السوداء.. وفي بيوت ممتهنات الهوى.
هكذا كنا نعشق في ظلال الرعب، ونسعى إلى مواعيدنا في
ظلال الرعب، ونفعل الحب في ظلال الرعب.. ونكتب في ظلال الرعب..
وحين يختلس الإنسان الحب اختلاسا، وتتحول المرأة إلى
شريحة لحم نتعاطاها بالأظافر.. ينتفي الوجه الحضاري للحب، وتنتفي أية
صيغة إنسانية للحوار.. ويصبح الغَزَل رقصة همجية حول ذبيحة ميتة.
إن المرأة في أكثر الشعر العربي مادة ميتة، وأعضاؤها
الجميلة مصفوفة على موائد الشعراء كأطباق المشهّيات.. فهي طرف كحيل، أو
عجز ثقيل، أو خصر نحيل (يكاد من ثقل الأرداف ينبترُ).
وأود أن أعترف، أنني في أعمالي الأولى، ورثت هذه النظرة
التجزيئية إلى الجنس الثاني.
وهذه النظرة التجزيئية إلى المرأة، لها جذورها القبلية،
والتاريخية، والاجتماعية، والدينية. فالعرب بحكم ارتحالهم وغزواتهم
وفتوحاتهم لم يستطيعوا أن يسكنوا إلى المرأة سكونا تاما يسمح لهم
باستبطانها واكتشافها روحيا.
إن العقل القبلي، وتقاليد البداوة ومؤسساتها لم تكن
تسمح – خارج نطاق الزواج، أو الغزو، أو اقتناء الجواري – بإقامة علاقات
حميمة بين الرجل والمرأة.. وحتى في الحالات التي ذكرت، يطغى عنصر
الامتلاك الجسدي – كما في حالة الجواري مثلا – على أي عنصر ذهني أو
نفسي أو تجريدي.
ان التجريد الذهني محصول حضاري، لا يصل إليه الانسان
الا في ظل العلاقات المطمئنّة. وعلاقات العربي بالجنس الثاني كانت
علاقات عصبية لاهثة ومستعجلة.
هذا هو اجتهادي، وبه أفسّر نظراتي الجغرافية القاصرة
إلى جسد المرأة في (قالت لي السمراء) و(طفولة نهد) و(أنت لي)، ودوراني
المستمر حول حدودها الخارجية.
إذن فقد كنت مخلصا لميراث القبيلة، في أشعاري الأولى،
ولم أتحرّر من هذا الميراث الا حين أُتيح لي أن أجلس عام 1952 على مقعد
من مقاعد الهايد بارك في لندن، وأقيم حوارا مع الجنس الثاني.. بعيدا عن
صداع الجنس، وانفعالات القبيلة..
الثلاثمائة نسخة التي طّبعت من (قالت لي السمراء) طارت
في شهر، وانتقلت قصائده كالحرائق الصغيرة من يد إلى يد.. ومن حجرة إلى
حجرة.
قصيدة "نهداكٍ" في هذه المجموعة، كانت الشرارة الأولى
التي أطلقتني، والمفتاح إلى شهرتي.
الطلبة العراقيون كانوا يسكرون عليها على ضفاف دجلة..
واللبنانيون كان يمزمزونها على موائد العَرَق في زحلة.. وفي المدارس
كان الطلاب يضعونها في داخل كتب الحساب والجغرافيا.. ويكتبون بعض
أبياتها على الألواح السوداء..
لقد كان الطلاب خلال تاريخي الشعري كله، جنودي وكتائبي
وراياتي، فيهم شددت أزري، وبهم أسرجت خيولي، وبهم أكملت فتوحاتي.
انهم صوتي، واستدارة فمي، وجواز سفري إلى العالم.
وما دام هذا الكتاب كتاب اعترافات، فانني أسجّل بدون
تردد أن الطلاب، الذين تشير كل الدلائل إلى أنهم سيكونون حكّام العالم
القادمين، هم الذين نثروني على كل الآفاق.. وهم الذين طوّبوني
وعمّدوني..
إذن فالطنطاوي لم يقتلني.. لأن جيل الأربعينات من
الشباب والشابات كان يرفض موتي المجاني، ويرفض أن أسقط تحت أقدام
الانكشاريين.. لأن سقوطي كان يعني سقوط أحلامهم.. واغتيال أول زهرة من
زهرات الحرية تفتّحت في مزهرياتهم..
وصمد (قالت لي السمراء) في وجه العاصفة، وتوالد..
وتناسل.. حتى صارت النسخ الثلاثمئة المطبوعة منه عام 1944 غابة لا
نهائية الأوراق عام 1972.
أعلى

لا الشعر، يرضي طموحاتي، ولا الوتر
إني لـعـيـنـيـك، باسم ِالشعر، أعتذر
حاولت وصفك، فاستعصى الخيال معي
يا من تدوخ على أقدامك الصور
يُـروّجُـون كلاما لا أصدقه
هل بين نهديك، حقا، يسكن القمر ؟؟
كم صعبة أنت .. تصويرا وتهجية
إذا لمستك، يبكي في يدي الحجر
من أنت ؟. من أنت ؟. لا الأسماء تسعفني
ولا البصيرة، تكفيني، ولا البصر
نهداك .. كان بودي لو رسمتهما
إذا فشلت ..فحسبي أنني بشر
أيا غمامة موسيقى .. تظللني
كذا يُـنـقـِّـط فـوق الجنة المطر
الحرف يـبدأ من عينيك رحلته
كل اللغات بلا عينيك .. تندثر
يا من أحبك، حتى يستحيل دمي
إلى نبيذٍ، بنار العشق يختمر
يسافر الحب مثل السيف في جسدي
ولم أخطط له .. لكنه القدر ..
هزائمي في الهوى تبدو معطرة
إني بحبك مهزوم .. ومنتصر
تركت خلفي أمجادي .. وها أنذا
بطول شعرك ـ حتى الخصر ـ أفتخر
ماذا يكون الهوى إلا مخاطرة
وأنت .. أجمل ما في حبك الخطر
يا من أحبك ..حتى يستحيل فمي
إلى حدائق فيها الماء والثمر ..
جزائر الكحل في عينيك مدهشة
ماذا سأفعل لو ناداني السفر ؟؟
سمراء .. إن حقول التبغ مقمرة
ولؤلؤ البحر شفاف .. ومبتكر
هل تذكرين بباريسٍ تسكعنا ؟
تمشين أنت .. فيمشي خلفك الشجر
خـُطاك في ساحة ( الفاندوم ) أغنية
وكحل عينيك في ( المادلين ) ينتشر
صديقة المطعم الصيني .. مقعدنا
ما زال في ركـنـنا الشعري، ينتظر
كل التماثيل في باريس تعرفـنا
وباعة الورد، والأكشاك، والمطر
حتى النوافير في ( الكونكورد ) تذكرنا
ما كنت أعرف أن الماء يفتكر ..
نبيذ بوردو .. الذي أحسوه يصرعني
ودفء صوتك ..لا يُـبقي ولا يَـذََر
ما دمت لي .. فحدود الشمس مملكتي
والبر، والبحر، والشطآن، والجزر
مادام حبك يعطيني عباءته
فكيف لا أفـتح الدنيا .. وأنتصر ؟
سأركب البحر .. مجنونا ومنتحرا ..
والعاشق الفذ .. يحيا حين ينتحر ..
أعلى

إذا ما صرختُ :
"أحبك جـدا "
" أحبك جـدا "
فلا تسكتيني .
إذا ما أضعت اتزاني
وطوقت خصرك فـوق الرصيف، فـلا تـنهريني ..
إذا ما ضربت شبابيك نهديك كالبرق، ذات مساءٍ
فلا تطفـئـيـني ..
إذا ما نزفت كديك جريح على ساعديك
فلا تسعفيني ..
إذا ما خرجت على كل عرف، وكل نظام
فلا تقمعيني ..
أنا الآن في لحظات الجنون العظيم
وسوف ُتضيعين فرصة عمرك
إن أنت لم تستغلي جنوني .
إذا ما تدفـقت كالبحر فـوق رمالك ..
لا توقـفيني..
إذا ما انكسرت فتافيـت ضوءٍ على قدميك،
فلا تسحقيني ..
إذا ما ارتكبت جريمة حبٍّ ..
وضَــيَّـع لون البرونز المعتق في كتفيك .. يقيني
إذا ما تصرفت مثل غلام شقي
وغطـّـست حَـلـْــمَـة َ نهدك بالخمر ..
لا تضربيني .
أنا الآن في لحظات الجنون الكبير
وسوف تضيعين فـرصة عمرك، إن أنت لم تستغلي جنوني .
إذا ما كتبت على ورق الورد، أني أحبك ..
أرجوك أن تقرأيني ..
إذا ما رقـدت كطفل، بغابات شعرك،
لا توقـظيني .
إذا ما حملت حليب العصافـير .. مهرا
فلا ترفـضيني ..
إذا ما بعثت بألف رسالة حب
إليك ..
فلا تحرقـيها . ولا تحرقـيني ..
إذا ما رأوك معي، في مقاهي المدينة يوما،
فلا تنكريني ..
فكل نساء المدينة يعرفن ضعفي أمام الجمال ..
ويعرفن ما مصدر الشعر والياسمين ..
فكيف التخفي ؟
وأنت مصورة في مياه عيوني .
أنا الآن في لحظات الجنون المضيء
وسوف تضيعين فرصة عمرك، إن لم تستغلي جنوني .
إذا ما النبيذ الفرنسي، فك دبابيس شعرك دون اعتذار
فحاصرني القمح من كل جانب
وحاصرني الليل من كل جانب
وأصبحت آكل مثل المجانين عشب البراري ..
وما عدت أعرف أين يميني ..
وما عدت أعرف أين يساري؟
إذا ما النبيذ الفرنسي، ألغى الفروق القديمة بين بقائي وبين انتحاري فأرجوك،
باسم جميع المجاذيب، أن تفهميني
وأرجوك، حين يقول النبيذ كلاماً عن الحب ..
فوق التوقع .. أن تعذريني .
أنا الآن في لحظات الجنون الــبَـهيّ
وسوف تضيعين فرصة عمرك
إن أنت لم تستغلي جنوني ..
إذا ما النبيذ الفرنسي، ألغى الوجوه،
وألغى الخطوط،
وألغى الزوايا .
ولم يبقى بين النساء سواك .
ولم يبقى بين الرجال سوايا .
وما عدت أعرف أين تكون يداك ..
وأين تكون يدايا
وما عدت أعرف كيف الفرق بين النبيذ، وبين دِمـايا ..
وما عدت أعرف كيف أميز بين كلام يديك وبين كلام المرايا ..
إذا ما تـناثرت في آخر الليل مثل الشظايا
وحاصرني العشق من كل جانب
وحاصرني الكحل من كل جانب
وضيعت اسمي .. وعنوان بيتي ..
وضيعت أسماء كل المراكب
فأرجوك، بعد التناثر، أن تجمعيني
وأرجوك، بعد انكساري، أن تـُـلصقيني
وأرجوك بعد مماتي، أن تبعثيني
أنا الآن في لحظات الجنون الكبير
وسوف تضيعين فـرصة عمرك
إن أنت لم تستغلي جنوني .
إذا ما النبيذ الفرنسي، شال الـكـيـمـونُـو عن الجسد الآسيوي
فأطلع منه بهاراً ..
وأطلع منه محاراً ..
وأطلع منه نحاساً، وشاياً، وعاجا
وأطلع أشياء أخرى ..
إذا ما النبيذ الفرنسي، ألغى اللغات جميعاً ،
وحول كل الثقافات صفراً ..
وحول ثغرك بستان ورد
وحول ثغري خمسين ثغراً ..
إذا ما النبيذ الفرنسي أعلن في آخر الليل، أنك أحلى النساء .. وأرشقهن قواما
وخصرا
وأعلن أن الجميلات في الكون نثـرٌ
ووحدك أنت التي صرت شعرا
فباسم السكارى جميعا
وباسم الحيارى جميعا
وباسم الذين يعانون من لعنة الحب، أرجوك لا تلعنيني ..
وباسم الذين يعانون من ذبحة القلب، أرجوك لا تذبحيني ..
أنا الآن في لحظات الجنون العظيم
وسوف تضيعين فرصة عمرك،
إن أنت لم تستغلي جنوني ..
أعلى

هل عندك شك أنك أحلى امرأةٍ في الدنيا ؟.
وأهم امرأة في الدنيا ؟.
هل عندك شك أني حين عثرت عليك ..
ملكت مفاتيح الدنيا ؟.
هل عندك شك أني حين لمست يديك
تغير تكوين الدنيا ؟
هل عندك شك أن دخولك في قلبي
هو أعظم يوم في التاريخ ..
وأجمل خبر في الدنيا ؟،
هل عندك شك في من أنت ؟
يا من تحتل عـينيها أجزاء الوقت
يا امرأة تكسر، حين تمر،
جدار الصوت
لا أدري ماذا يحدث لي ؟
فكأنك أنثاي الأولى
وكأني قبلك ما أحببت
وكأني ما مارست الحب ..
ولا قبلت لا قبلت ..
ميلادي أنت ..
وقبلك لا أتذكر أني كنت
وغطائي أنت ..
وقبل حنانك لا أتذكر أني عشت ..
وكأني أيتها الملكه ..
من بطنك كالعصفور خرجت ..
هل عندك شك أنك جزء من ذاتي
وبأني من عينيك سرقت النار ..
وقمت بأخطر ثوراتي
أيتها الوردة .. والياقوتة .. والريحانة ..
والسلطانة .. والشعبية ..
والشرعية بين جميع الملكات ..
يا سمكاً يسبح في ماء حياتي
يا قمرا يطلع كل مساء من نافـذة الكلمات ..
يا أعظم فـتح بين جميع فـتوحاتي
يا آخر وطن أولد فيه ..
وأدفن فـيـه ..
وأنشر فيه كتاباتي
يا امرأة الدهشة ..
يا امرأتي
لا أدري كيف مشيت إلي ..
وكيف مشيت إليك ..
يا من تـتزاحم كل طيور البحر ..
لكي تستوطن في نهديك ..
كم كان كبيرا حظي حين عثرت عليك ..
يا امرأة تدخل في تركيب الشعر ..
دافئة أنت كرمل البحر ..
رائعة أنت كليلة قدر..
من يوم طرقت الباب علي .. ابتدأ العمر ..
كم صار جميلا شِـعري ..
حين تـثـقـف بين يديك،،
كم صرت غنيا .. وقويا ..
لما أهداك الله إلي ..
هل عندك شك أنك قبسٌ من عيني
ويداك هما استمرارٌ ضوئيٌّ ليدي
هل عندك شك ..
إني فيك .. وأنك فيّ ؟؟
يا ناراً تجتاح كياني
يا ثمراً يملأ أغصاني
يا جسدا يقطع مثل السيف، ويضرب مثل البركان
يا نهداً .. يعبق مثل حقول التبغ
ويركض نحوي كحصان ..
قولي لي :
كيف سأنقذ نفسي من أمواج الطوفان ..
قولي لي :
ماذا أفعل فيك ؟،
أنا في حالة إدمان ..
قولي ما الحل ؟ فأشواقي
وصلت لحدود الهذيان ..
يا ذات الأنف الإغريقي ..
وذات الشعر الإسباني
يا امرأة لا تـتكرر في آلاف الأزمان ..
يا امرأة ترقص حافية القدمين بمدخل شرياني
من أين أتيت ؟ وكيف أتيت ؟
وكيف عصفت بوجداني ؟
يا إحدى نعم الله علي ..
وغيمة حب وحنان ..
يا أغلى لؤلؤة بيدي ..
آهٍ .. كم ربي أعطاني ..
أعلى

1
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي
أقولُها لكِ،
عندما تدقُّ السّاعةُ منتصفَ اللّيلْ
وتغرقُ السّنةُ الماضيةُ في مياهِ أحزاني
كسفينةٍ مصنوعةٍ من الورقْ ..
أقولُها لكِ على طريقتي ..
متجاوزاً كلَّ الطقوسِ الاحتفاليّهْ
التي يمارسُها العالمُ منذ 1975 سنة ..
وكاسراً كلَّ تقاليدِ الفرحِ الكاذب
التي يتمسّكُ بها الناسُ منذ 1975 سنة ..
ورافضاً ..
كلَّ العباراتِ الكلاسيكيّة ..
التي يردّدُها الرجالُ على مسامعِ النساءْ
منذ 1975 سنة ..
2
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي ..
أقولها لكِ بكلِّ بساطهْ ..
كما يقرأُ طفلٌ صلاتهُ قبل النومْ
وكما يقفُ عصفورٌ على سنبلةِ قمحْ ..
فتزدادُ الأزاهيرُ المشغولةُ على ثوبكِ الأبيض ..
زهرةً ..
وتزدادُ المراكبُ المنتظرةُ في ميناءِ عينيكِ ..
مركباً ..
أقولُها لكِ بحرارةٍ ونَزَقْ
كما يضربُ الراقصُ الإسبانيُّ قدمهُ بالأرضْ
فتتشكَّلُ آلافُ الدوائرْ
حولَ محيطِ الكرةِ الأرضيّهْ
3
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي
هذهِ هي الكلماتُ الأربعْ ..
التي سألفُّها بشريطٍ من القصبْ
وأرسلُها إليكِ ليلةَ رأسِ السنهْ
كلُّ البطاقاتِ التي يبيعونَها في المكتباتْ
لا تقولُ ما أريدُه ..
وكلُّ الرسومِ التي عليها ..
من شموعٍ .. وأجراسٍ .. وأشجارٍ .. وكُراتِ ثلجْ ..
وأطفالٍ .. وملائكهْ ..
لا تُناسبُني ..
إنني لا أرتاحُ للبطاقاتِ الجاهزهْ ..
ولا للقصائدِ الجاهزهْ ..
ولا للتمنّياتِ التي برسمِ التصديرْ
فهي كلُّها مطبوعةٌ في باريس، أو لندن، أو أمستردام ..
ومكتوبةٌ بالفرنسية أو الإنكليزية ..
لتصلحَ لكلِّ المناسباتْ
وأنت لستِ امرأة المناسباتْ ..
بل أنتِ المرأةُ التي أحبُّها ..
أنتِ هذا الوجعُ اليوميُّ ..
الذي لا يقالُ ببطاقاتِ المعايَدهْ ..
ولا يقالُ بالحروفِ اللاتينيّهْ ..
ولا يقالُ بالمراسلَهْ ..
وإنما يقالُ عندما تدقُّ السّاعةُ منتصفَ اللّيلْ ..
وتدخلينَ كالسمكةِ إلى مياهي الدافئهْ ..
وتستحمّينَ هناكْ ..
ويسافرُ فمي في غاباتِ شَعركِ الغجريّْ
ويستوطنُ هناكْ ..
4
لأنني أحبُّكِ ..
تدخُلُ السّنةُ الجديدةُ علينا ..
دخولَ المُلوكْ ..
ولأنني أحبُّكِ ..
أحملُ تصريحاً خاصاً من الله ..
بالتجوُّلِ بينَ ملايينِ النجومْ ..
5
لن نشتري هذا العيد شجرهْ
ستكونينَ أنتِ الشجرهْ
وسأعلّقُ عليكِ ..
أمنياتي .. وصلواتي ..
وقناديلَ دموعي ..
6
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي ..
أمنيةٌ أخافُ أن أتمنّاها
حتى لا أُتّهَمَ بالطمعِ أو بالغرور
فكرةٌ أخافُ أن أفكّرَ بها ..
حتى لا يسرقَها الناسُ منّي ..
ويزعموا أنهم أوّلُ من اخترعَ الشِعرْ ..
7
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي ..
كلَّ عامٍ وأنا حبيبُكِ ..
أنا أعرفُ أنني أتمنى أكثرَ مما ينبغي ..
وأحلمُ أكثرَ من الحدِّ المسموحِ به ..
ولكنْ ..
من لهُ الحقُّ أن يحاسبني على أحلامي؟
من يحاسبُ الفقراءْ ؟
إذا حلموا أنهم جلسوا على العرشْ
لمدّةِ خمسِ دقائقْ ؟
من يحاسبُ الصحراءَ إذا توحَّمَتْ على جدولِ ماءْ ؟
هناكَ ثلاثُ حالاتٍ يصبحُ فيها الحلمُ شرعياً :
حالةُ الجنونْ ..
وحالةُ الشِّعرْ ..
وحالةُ التعرُّفِ على امرأةٍ مدهشةٍ مثلكِ ..
وأنا أُعاني - لحسنِ الحظّ -
منَ الحالاتِ الثلاثْ ..
8
اتركي عشيرتكِ ..
واتبعيني إلى مغائري الداخليّهْ
اتركي قبّعةَ الورقْ ..
وموسيقى الجيركْ ..
والملابسَ التنكريّهْ ..
واجلسي معي تحتَ شجرِ البرقْ ..
وعباءةِ الشِّعرِ الزرقاءْ ..
سأغطّيكِ بمعطفي من مطرِ بيروتْ
وسأسقيكِ نبيذاً أحمر ..
من أقبيةِ الرُّهبانْ ..
وسأصنعُ لكِ طبقاً إسبانياً ..
من قواقعِ البحرْ ..
تبعيني - يا سيّدتي - إلى شوارعِ الحلمِ الخلفيّهْ ..
فلسوفَ أطلعُكِ على قصائدَ لم أقرأها لأحدْ ..
وأفتحُ لكِ حقائبَ دموعي ..
التي لم أفتحها لأحدْ ..
ولسوفَ أحبُّكِ ..
كما لا أحبَّكِ أحدْ ..
9
عندما تدقُّ السّاعةُ الثانيةَ عشرهْ
وتفقدُ الكرةُ الأرضيّةُ توازنَها
ويبدأُ الراقصونَ يفكّرونَ بأقدامهمْ ..
سأنسحبُ إلى داخلِ نفسي ..
وسأسحبكِ معي ..
فأنتِ امرأةٌ لا ترتبطُ بالفرحِ العامْ ..
ولا بالزمنِ العامْ ..
ولا بهذا السّيركِ الكبيرِ الذي يمرُّ أمامَنا ..
ولا بتلكَ الطبولِ الوثنيّةِ التي تُقرعُ حولنا ..
ولا بأقنعةِ الورقِ التي لا يبقى منها في آخرِ اللّيل
سوى رجالٌ من ورقْ ..
ونساءٌ من ورقْ ..
10
آهٍ .. يا سيّدتي
لو كانَ الأمرُ بيدي ..
إذنْ لصنعتُ سنةً لكِ وحدكِ
تفصّلينَ أيّامها كما تريدينْ
وتسندينَ ظهركِ على أسابيعها كما تريدينْ
وتتشمّسينْ ..
وتستحمّينْ ..
وتركضينَ على رمالِ شهورها ..
كما تريدينْ ..
آهٍ .. يا سيّدتي ..
لو كانَ الأمرُ بيدي ..
لأقمتُ عاصمةً لكِ في ضاحيةِ الوقتْ
لا تأخذُ بنظامِ السّاعاتِ الشمسيّةِ والرمليَّهْ
ولا يبدأُ فيها الزمنُ الحقيقيُّ
إلا ..
عندما تأخذُ يدكِ الصغيرةُ قيلولتَها ..
داخلَ يدي ..
11
كلَّ عامٍ .. وأنا متورّطٌ بكِ ..
ومُلاحقٌ بتهمةِ حبّكِ ..
كما السّماءُ مُتّهمةٌ بالزُرقهْ
والعصافيرُ متّهمةٌ بالسّفرْ
والشفةُ متّهمةٌ بالاستدارهْ ...
كلَّ عامٍ وأنا مضروبٌ بزلزالكْ ..
ومبلّلٌ بأمطاركْ ..
ومحفورٌ - كالإناء الصينيّ - بتضاريسِ جسمكْ
كلَّ عامٍ وأنتِ .. لا أدري ماذا أسمّيكِ ..
اختاري أنتِ أسماءكِ ..
كما تختارُ النقطةُ مكانَها على السطرْ
وكما يختارُ المشطُ مكانهُ في طيّاتِ الشِّعرْ ..
وإلى أن تختاري إسمكِ الجديد
إسمحي لي أن أناديكِ :
" يا حبيبتي " ...
أعلى

لا تحسبين جميلة جدا
إذا أُخِذت مقاييس الجمال
لا تحسبين مثيرة جدا
إذا دار الحديث عن الغواية والوصال
لا تحسبين خطيرة جدا
إذا كان الهوى
معناه أن تتحكم امرأة بأقدار الرجال
لكن شيئا فيك سريا
وصوفيا . . وجنسيا .. وشعريا
يحرضني .ويقلقني . ويأخذني
إلى ألف احتمال واحتمال
لا تحسبين جميلة جدا
لكن شيئا فيك يخترق الرجولة
مثل رائحة النبيذ، ومثل عطر البرتقال
شيئا يفاجئني
ويحرقني
ويغرقني
ويتركني بين الحقيقة والخيال
لا تحسبين جميلة
لكن شيئا فيك مائيا
طفوليا . . بدائيا . . حضاريا
عراقيا . . وشاميا
يكلمني
ويرفض أن يجيب على سؤالي
لا تحسبين جميلة
لكن شيئا فيك أقنعني
وعلمني القراءة، والكتابة والحروف الأبجدية
فإذا بسنبلة تمشط شعرها في راحتي
وإذا بعصفور صغير جاء يشرب من مياهي الداخلية
الله .. كم هو رائع
أن تصبح امرأة قضية
أعلى

أتحبني
أتحبني بعد الذي كانا
إني أحبك رغم ما كانا
ماضيك لا أنوي إثارته
حسبي بأنك هاهنا الآنا
تتبسمين وتمسكين يدي
فيعود شكي فيك إيمانا
عن أمس لا تتكلمي أبدا
وتألقي شعرا وأجفانا
أخطاؤك الصغرى .. أمر بها
وأحول الأشواك .. ريحانا
لولا المحبة في جوانحه
ما أصبح الإنسان إنسانا
عام مضى وبقيت غالية
لا هنت أنت ولا الهوى هانا
إني أحبك .. كيف يمكنني
أن أشعل التاريخ نيرانا
وبه معابدنا، جرائدنا
أقداح قهوتنا، زوايانا
طفلين كنا في تصرفنا
وغرورنا وضلال دعوانا
كلماتنا الرعناء .. مضحكة
ما كان أغباها .. وأغبانا
فلكم ذهبت وأنت غاضبة
ولكم قسوت عليك أحيانا
ولربما انقطعت رسائلنا
ولربما انقطعت هدايانا
مهما غلونا في عداوتنا
فالحب أكبر من خطايانا
عيناك نيسانتان.. كيف أنا
أغتال في عينيك نيسانا ؟
قدر علينا أن نكون معا
يا حلوتي رغم الذي كانا
إن الحديقة لا خيار لها
إن أطلعت ورقا وريحانا
هذا الهوى ضوء بداخلنا
ورفيقنا .. ورفيق نجوانا
طفل نداريه ونعـبـده
مهما بكى معنا .. وأبكانا
أحزاننا منه .. ونسأله
لو زادنا دمعا وأحزانا
هاتي يديك .. فأنت زنبقتي
وحبيبتي رغم الذي كانا
أعلى

كونى..
كونى امرأة خطرة..
كى اتأكد -حين اضمك
انك لست بقايا شجرة..
احكى شيئاً..
قولى شيئاً..
غنى.ابكى.عيشى.موتى.
كى لايروى يوماً عنى
ان حبيبة قلبى ..شجرة..
كونى السم..وكونى الافعى
كونى السحر..وكونى السحرة
لفى حولى
لفى حولى..
كى اتحسس دفء الجلد,
وعطر البشرة..
كى اتأكد -ياسيدتى-
ان فروعك ليست خشباً..
ان جذورك ليست حطباً..
سيلى عرقاً..
موتى غرقاً..
كى لايروى يوماً عنى
انى كنت اغازل شجرة..
كونى فرساً.ياسيدتى
كونى سيفاً يقطع..
كونى قبراً..
كونى حتفاً..
كونى شفة ليست تشبع
كونى صيفاً افريقياً..
كونى حقل بهار يلذع..
كونى الوجع الرائع..انى
اصبح رباًً..إذ أتوجع
غنى.ابكى.عيشى.موتى
كى لايروى يوماً عنى
انى كنت اعانق شجرة..
كونى امرأة..ياسيدتى..
تطحن فى نهديها الشهبا
كونى رعداً
كونى برقاً
كونى رفضاً
كونى غضباً
خلى شعرك يسقط فوقى..
ذهباً..ذهباً
خلى جسمك فوق فراشى
يكتب شعراً..
يكتب ادبا..
خلى نهدك فوق سريرى
يحفر قبره
كونى بشراً ياسيدتى..
كونى الارض, وكونى الثمرة..
كى لايروى يوماً عنى
..
انى كنت اضاجع.. شجرة..
أعلى

لا أريد في هذا
الفصل أن أستعرض مواهبي الدونجوانية، ولا أن أجعل منه دليلا كدليل التلفون،
ترون فيه أسماء حبيباتي مرتبة حسب الحروف الأبجدية.
ليس في نيّتي أن أرتكب هذه الحماقة. وليس من أهداف هذا الفصل أن يكون
مؤتمرا صحفيا أعلن فيه أسماء من أحببتهنَّ، وأعمارهنَّ، وألوان عيونهنَّ.
فمنهن من تزوج، ومنهن من أنجب، ومنهن من لاقى وجه حبيب جديد.. ومنهن من
ينتظر.
ولقد تردّدت كثيرا قبل كتابة هذا الفصل، لأنني أعرف طبيعة مجتمعنا، وأنه لا
يتقبّل بروح رياضية، مثل هذا البوح، فهو لا يزال رغم تظاهره بالتحضر
والانفتاح، مجتمعا محاصرا أو مغلقا، تسكره رائحة الفضيحة وتخدّره الإشاعات.
وسوف يمر وقت طويل على مجتمعنا، قبل أن تولد فيه امرأة مثل سيمون دي بوفوار
تكتب كتابا كاملا عن علاقتها بجان بول سارتر الخاصة والعامة دون أن تشعر
بأي حرج.
كما سيمر وقت طويل، قبل أن تأتي امرأة مثل جورج ساند تملك الشجاعة الكافية
لتسجّل على أوراقها أخبار لياليها ورحلاتها مع الموسيقار شوبان.. في جزيرة
بالما ده مايوركا دون أن يرفّ لها جفن.
هذا ممكن هناك.. أما هنا.. فحين حدث غرام – بالمراسلة – بين عباس محمود
العقاد والكاتبة اللبنانية مي، مضغوا سمعة الإثنين معا، فتعقّد العقاد،
ودخلت مي إلى مستشفى الأمراض العصبية.
وحين استعرضت التاريخ، قرّرت أن أصرف النظر عن كتابة هذا الفصل نظرا
لحساسيته الشديدة، ثم تبين لي بعد طول تفكير، أن غياب هذا الفصل سوف يترك
فجوة واسعة في هذه السيرة الذاتية، التي أحاول بكل اخلاص أن تكون شاملة
ومغطّية لكل الأحداث التي أثّرت في تكويني الشعري.
قليلات هن النساء اللواتي ضربن جهازي العصبي فكتبت فيهن شعرا.
ما كل امرأة عرفتها حرّكت رياح الشعر في داخلي، ولا كل علاقة نسائية فتحت
شهيتي إلى الكتابة.
كثيرات من النساء ذهبن من حياتي كما أتين.. ولم يتركن وراءهن حرفا.. ولا
فاصلة..
كان دائما في داخلي يتصارع الرجل والشاعر. كم وكم من امرأة صادفتها أقنعتْ
رجولتي ولم تقنع شاعريتي..
الجمال ليس شرطا أساسيا لحدوث القناعة الشعرية.. وملكات الجمال هن أسوأ
مصادر الشعر.
من هي المرأة – الشعر إذن؟ وكيف تأتي القناعة الشعرية؟
لست حكيما صينيا لأخبركم عن السر. ولكنني من خلال تجاربي، تعلمت أن المرأة
– الشعر هي التي تترك شرخا وارتجاجا في قشرة دماغي، هي التي تحدث خلخلة في
إيقاع أيامي، وفي نظام الأشياء من حولي. هي التي تلغي حركة الزمن، وتربطني
بزمنها هي..
وانني لأعترف هنا، أن النساء اللواتي أحدثن كسرا في زجاج حياتي، لا يتجاوز
عددهن أصابع اليد.. أما الباقيات فلم يتركن سوى خدوش بسيطة على سطح جلدي.
وأود هنا أن أرسم خطاً بين من أحببتهن فعلا من النساء، ومن توهّمت أنني
أحببتهن..
هذا التفريق بين الحب ووهمه، بين ضوء الشمعة وبين الشمعة، شيء أساسي. فالحب
عاطفة متداخلة ومشتبكة كألوان قوس قزح. ومن الصعب في بعض الحالات على
العاشق أن يكتشف في أي منطقة من مناطق اللون هو موجود.
في سن السابعة عشرة مثلا نكون على استعداد لحب أول امرأة نصافحها.. كما
تكون شبكيّة العين مستعدة لالتقاط أي شعاع من الضوء يلامسها، وكما يكون
التراب في زمن الصيف مستعدا لامتصاص أية قطرة ماء تسقط عليه..
هذا ليس حباً، وإن تصوّرنا أنه حبنا الأول والأخير.
وفي بعض الأحيان، نحب لنثبت قدرتنا على أن نكون معشوقين، ولنؤكّد أهميتنا
وفحولتنا. هذا أيضا ليس حباً وانما هو نرجسية واستقطاب لذواتنا..
وفي بعض الأحيان، نحب هربا من الفراغ والضجر. فنعشق أول امرأة نصادفها في
المصعد.. أو في القطار. هذا أيضا ليس حباً وانما هو العثور على محفظة في
الشارع بعد إفلاس..
وفي بعض الأحيان نحب المضيفة التي تبتسم لنا في الطائرة، أو الممرضة التي
تضع في فمنا ميزان الحرارة في المستشفى.. هذا أيضا ليس حباّ ولكنه هلوسة
مصدرها الضغط الجوي.. أو ارتفاع الحمّى..
والرجل عادة أكثر تعرضا لمثل هذه الاختلاطات الخطيرة من المرأة.. فالمرأة
لا تتوهّم أبدا. أن رؤيتها أوضح وبصيرتها أعمق.. وهي بحاسّتها السادسة
تستطيع أن تكشف أوراق الرجل الذي يطارحها الغرام، وتعرف على أي أرض تضع
قدميها..
ومن أكبر الأخطاء الشائعة القول إن المرأة اسهل سقوطا في الحب من الرجل،
وإنها أقل مقاومة أمام الانفعالات العاطفية.
وهذا غير صحيح أبدا. فالمرأة تبقى محتفظة بتوازنها ورباطة جأشها حتى في
أعنف ساعات الهوى. أما الرجل فهو يدخل مرحلة الهذيان منذ اللحظة الأولى..
وينكسر عشرين ألف قطعة.
حتى حين تضع المرأة رأسها، وتذهب مع الرجل إلى آخر الشوط، فإنها تفعل ذلك
وهي واعية ومدركة تماما لما تقدم عليه.
ومن خلال تجاربي تأكدت أن المرأة لا تُفاجأ بشيء. فعقلها وجسدها دائما في
حالة استنفار وتوقّع. ان في داخلها نوعا من (الكمبيوتر) يحسب بسرعة مذهلة
كل الاحتمالات.. ابتداءً من لحظة تعارفها مع الرجل.. إلى شكل ثوب العرس
الذي سوف ترتديه، إلى أسماء الأطفال الذين ستنجبهم.
ودعوني أعترف لكم أنني – بالرغم من سمعتي كشاعر حب – فانني نادرا ما وقعت
في الحب.
خمس مرات ربما، في مدى ثلاثين عاما..
قد يبدو الرقم متواضعا.. ولكنه حقيقي وصادق.
لا يعني هذا أن مطالبي من المرأة التي أريد أن تكون حبيبتي مبالغ فيها
ومستحيلة التنفيذ، لكنها مطالب شخصية جدا، وصغيرة جدا.
أولها أن تكون من أحبها تشبهني، وثانيها أن تكون أمي.. وثالثها أن يكون فني
جزءا من عمرها كما هو جزء من عمري.
أن تشبهني حبيبتي، معناها أن تكون هناك أرض مشتركة نقف عليها معا، وأن يكون
إيقاع روحينا وأفكارنا متجانسا، كما تضرب أجراس الكنائس كلها في وقت واحد
ليلة عيد الميلاد..
أعني به أن نهتز معا لآلاف الشؤون الصغيرة، وتكون لنا آلاف الاهتمامات
المشتركة، ونخترع معا آلاف الأشياء المفرحة..
ليس ممكنا في الحب أن تمشي الخيول باتجاه، وتمشي العربة في اتجاه آخر..
والا تفككت العربة. وبالنسبة لامرأة أحبها، ليس من المعقول أن تكون الأشياء
التي تسعدني مصدر عذاب لها.. والأشياء التي تحبها مصدر ضجر لي..
لا قدرة لي على حب امرأة تسير في الاتجاه المعاكس لاهتماماتي ونزواتي
الصغيرة..
لا قدرة لي على عشق امرأة، لا تقسم الفكرة بيني وبينها نصفين، ولفافة
الدخان نصفين، والدمعة نصفين، والكرة الأرضية نصفين..
لا قدرة لي على الارتباط بامرأة لا تنعجن بي ولا أنعجن بها. امرأة تبقى
منفصلة عني بمناخها، وحرارتها، وجبالها، وأنهارها، وأشجارها..
لهذا لم أدخل في علاقة عشق جدّية مع أية امرأة أجنبية. كنت أشعر أن عشق
الأجنبية أو الزواج منها، هو زواج من كتاب مكتوب بالهيروغليفية.. وأن زوج
الأجنبية يبقى طول عمره يُشغل وظيفة ترجمان..
أنا لا أستطيع بحكم تكويني، أن أحب امرأة لا أشم فيها رائحة النعناع،
والزعتر البري، والحَبَق، والوزَّال، والفل، والمنثور، والأضاليا.. التي
تملأ حقول بلادي.
أنا بهذا المعنى عربي جدا. فلا يمكن أن أقترب من امرأة لا يكون جسدها
مفصّلا تفصيلا يشبه خارطة وطني، بغاباته، وأمطاره، وخلجانه، ومآذنه،
ومواويله، وأقداح عرقه، وهديل حمائمه..
ان أي حب لا يحدث ضمن حركة التاريخ، يبقى دائما خارج التاريخ.. لذلك كان
حبي مرة دمشقيا، ومرة بيروتيا، ومرة بغداديا.. لأنني أريد أن أبقى هنا،
وأكتب شعرا هنا، وأعشق هنا.. وأموت هنا..
المطلب الثاني الذي أطلبه من حبيبتي، هو أن تكون أمي. لا أريدكم أن تتصوروا
أنني مصاب بعقدة أوديب.. وأن نزعة العشق تتجه غريزيا نحو أمي..
هذا غير وارد. ولكنني أريد أن أقول انني أعيش بحالة طفولة مستمرة، في
سلوكي، وفي تصرفاتي، وفي كتابتي.
الطفولة هي المفتاح إلى شخصيتي، وإلى أدبي، وكل محاولة لفهمي خارج دائرة
الطفولة، هي محاولة فاشلة..
إنني أحب بكل حماسة الأطفال، ونزقهم، وعنفهم، وبراءتهم، ومطالبي هي نفس
مطالبهم.
اني أطلب الرعاية والحماية والاهتمام.
لا تهمّني ضخامة الأشياء. ان امرأة تُخرج من حقيبتها ورقة كلينكس وتمسح بها
جبيني وأنا أسوق سيارتي، تمتلكني.. وان امرأة تتناول رماد سيجارتي براحتها
وأنا مستغرق في التدخين.. تذبحني من الوريد إلى الوريد.. وان امرأة تضع
يدها على كتفي وأنا أكتب.. تعطيني كنوز الملك سليمان..
حركات الاهتمام الصغيرة هذه تنفضني كعصفور.. انني أعتبرها كمداسات البيانو
تتوقف على مهارة العازفة..
قليلاتٌ.. قليلاتٌ.. من يعرفن العزف على أعصاب الرجل.
المرأة التي علّقت كلبا صغيرا أبيض في سيارتي، وتلك التي أعطتني مصحفا
ذهبيا قبل أن أسافر من مطار مدينتها، والثالثة التي أهدتني تلفونا أزرق
اللون، حتى يكون صوت الحب أزرق.. كما قالت لي، كن من أمهر العازفات.. وأعظم
العاشقات..
ومطلبي الثالث من المرأة التي أحبها، أن تعتبر فني جزءا منها، وتعتبر مجدي
بعض مجدها.
لا أستطيع أن أستريح لامرأة تبقى على هامش شعري، وتعتبر الأوراق التي أكتب
عليها مزاحمة لها..
لا أستطيع أن أرى امرأة إلى جانبي، تحاول أن تفصل ما بيني وبين أبجديتي،
وتحاول اغتيال شعري لتبقى هي..
مثل هذا النوع من النساء يموت فورا بين يديَّ. ذلك لأن شعري وأنا شيء
واحد.. وعلى التي تريد أن تكون حبيبتي أن تقبلنا معا.. أو ترفضنا معا..
أحب ممن أحبها أن تفهم أطواري الشعرية، فتقترب حين تحس أنني بحاجة إلى
قربها، وتبتعد حين تحس أن ابتعادها أفضل. وبكلمة واحدة أن تخلق لي المناخ
النفسي الذي أستطيع أن أعمل فيه، دون أن تجد أي تناقض بين حبي لفني وحبي
لها..
تلك هي الشروط التي تجعل عملية الحب ممكنة بالنسبة لي. انها شروط طفولية
كما ترون، ولكن يبدو أن القليلات من النساء يستطعن احتمال الأطفال والصبر
عليهم..
ولقد تحطّمت أكثر علاقاتي لغياب شرط من هذه الشروط، فمن كانت تشبهني لم
تقبل أن تكون أمي، ومن قبلت أن تكون أمي، لم تقبل أن تكون معي ومع الشعر في
غرفة واحدة..
وهكذا انتقلت من امرأة لأخرى، بحثا عن فدائية تقبل أن تموت على صدري وعلى
صدر الشعر كما فعلت (باندورا) في قصة (الهولندي الطائر)..
ومن هنا التصقت بي تهمة (الدونجوانية).
أعلى

أحبيني .. بلا عقد
وضيعي في خطوط يدي
أحبيني .. لأسبوع .. لأيام .. لساعات..
فلست أنا الذي يهتم بالأبد..
أنا تشرين .. شهر الريح،
والأمطار .. والبرد..
أنا تشرين فانسحقي
كصاعقة على جسدي..
أحبيني ..
بكل توحش التتر..
بكل حرارة الأدغال
كل شراسة المطر
ولا تبقي ولا تذري..
ولا تتحضري أبدا..
فقد سقطت على شفتيك
كل حضارة الحضر
أحبيني..
كزلزال .. كموت غير منتظر..
وخلي نهدك المعجون..
بالكبريت والشرر..
يهاجمني .. كذئب جائع خطر
وينهشني .. ويضربني ..
كما الأمطار تضرب ساحل الجزر..
أنا رجل بلا قدر
فكوني .. أنت لي قدري
وأبقيني .. على نهديك..
مثل النقش في الحجر..
أحبيني .. ولا تتساءلي كيفا..
ولا تتلعثمي خجلا
ولا تتساقطي خوفا
أحبيني .. بلا شكوى
أيشكو الغمد .. إذ يستقبل السيفا؟
وكوني البحر والميناء..
كوني الأرض والمنفى
وكوني الصحو والإعصار
كوني اللين والعنفا..
أحبيني .. بألف وألف أسلوب
ولا تتكرري كالصيف..
إني أكره الصيفا..
أحبيني .. وقوليها
لأرفض أن تحبيني بلا صوت
وأرفض أن أواري الحب
في قبر من الصمت
أحبيني .. بعيدا عن بلاد القهر والكبت
بعيدا عن مدينتنا التي شبعت من الموت..
بعيدا عن تعصبها..
بعيدا عن تخشبها..
أحبيني .. بعيدا عن مدينتنا
التي من يوم أن كانت
إليها الحب لا يأتي..
إليها الله .. لا يأتي ..
أحبيني .. ولا تخشي على قدميك
سيدتي - من الماء
فلن تتعمدي امرأة
وجسمك خارج الماء
وشعرك خارج الماء
فنهدك .. بطة بيضاء ..
لا تحيا بلا ماء ..
أحبيني .. بطهري .. أو بأخطائي
بصحوي .. أو بأنوائي
وغطيني ..
أيا سقفا من الأزهار ..
يا غابات حناء ..
تعري ..
واسقطي مطرا
على عطشي وصحرائي ..
وذوبي في فمي .. كالشمع
وانعجني بأجزائي
تعري .. واشطري شفتي
إلى نصفين .. يا موسى بسيناء..
أعلى

إلى
نهدَين مغرورين
عنـدي المزيد من الغـرورِ .. فلا
تـبـيـعيـني غـرورا
إن كـنـتُ أرضى أن أحبك
..
فاشكري المولى كـثـيرا
..
من حسن حـظك
..
أن غـدوتِ حـبـيـبـتي .. زمنا قـصــيرا
فـأنـا نـفخـت النـار فــيـك
..
وكـنت قـبلـي زمـهـريـرا
..
وأنا الـذي أنـقـذت نهـدك من
تسكعه لأجعله أميرا
..
وأدرته .. لـولا يـداي .. أكان
نهـدك مسـتـديرا ؟
وأنـا الـذي حرضـت حلـمـتك
الجــبـانـة كي تـثـورا
وأنا الذي
..
في أرضك الـعـذراء .. ألـقـيـت البـذورا
فـتـفـجـرت .. ذهـبا،
وأطـفـالا، ويـاقـوتـا مـثيـرا
من حسن حظك ..أن تحبـيـني
ولو كـذبـا وزورا
..
فـأنا بأشعاري فـتحت أمامك الباب
الكبـيرا
وأنا دَلَــلـت على أنـوثـتـك
..
المراكب والطـيورا
وجعلت منك ملـيكة
ومنحـتـك الـتاج الـمرصع،
والسريرا
حسبي غرورا أنـني علمت نهديـك
الغرورا
فـلـتـشـكري المولى
كـثيرا..
أني عشـقـتـك ذات يوم ٍ
..
اشكري المولى كثيرا
..
أعلى

انتقي أنت المكان..
أي مقهى، داخل كالسيف في البحر،
انتقي أي مكان..
إنني مستسلم للبجع البحري في عينيك،
يأتي من نهايات الزمان
عندما تمطر في بيروت..
أحتاج إلى بعض الحنان
فادخلي في معطفي المبتل بالماء..
ادخلي في كنزة الصوف ..
وفي جلدي .. وفي صوتي ..
كلي من عشب صدري كحصان..
هاجري كالسمك الأحمر .. من عيني إلى عيني
ومن كفي إلى كفي..
ارسمي وجهي على كرأسه الأمطار، والليل،
وبلور الحوانيت، وقشر السنديان..
طارحيني الحب .. تحت الرعد، والبرق ..
وإيقاع المزاريب .. امنحيني وطنا في معطف الفرو الرمادي..
اصلبيني بين نهديك مسيحا..
عمديني بمياه الورد .. والآس .. وعطر البيلسان
عانقيني في الميادين..
وفوق الورق المكسور، ضميني على مرأى من الناس..
ارفضي عصر السلاطين، ارفضي فتوى المجاذيب..
اصرخي كالذئب في منتصف الليل..
انزفي كالجرح في الثدي..
امنحيني روعة الإحساس بالموت..
ونعمى الهذيان..
عندما تمطر في بيروت..
تنمو لكآباتي غصون، ولأحزاني يدان
فادخلي في كنزة الصوف .. ونامي
نحن تحت الماء يا نخلة روحي .. نخلتان..
ليس في ذهني قرار واضح.
فخذيني حيثما شئت ..
اتركيني حيثما شئت..
اشتري لي صحف اليوم .. وأقلام رصاص
ونبيذا .. ودخان..
هذه كل المفاتيح .. فقودي أنت ..
سيري باتجاه الريح والصدفة..
سيري في الزواريب التي من غير أسماء..
أحبيني قليلا..
واكسري أنظمة السير قليلا..
واتركي لي يدك اليمنى قليلا..
فذراعاك هما بر الأمان..
ليس للحب ببيروت خرائط..
لا ولا للعشق في صدري خرائط..
فابحثي عن شقة يطمرها الرمل ..
ابحثي عن فندق لا يسأل العشاق عن أسمائهم..
سهريني في السراديب التي ليس بها ..
غير مغن وبيان..
قرري أنت إلى أين ..
فإن الحب في بيروت مثل الله في كل مكان
أعلى

في المدن المالحة،
الخائـفة،
المعقدة ..
يشعر أهل العشق بالعار ..وبالهوان ..
أما أنا ..
فحين أهوى امرأة ..
تأخذني هِــزّة عنفوان ِ !!
أعلى

لم أكن منتظرا ..
أن تـثـقبينـي مثل رمحٍ وثـني
لم أكن منـتظرا ..
أن تدخلي في لغتي .. وكلامي ..
وإشارات يدي
لم أكن منتظرا ..
أن أخسر التاج .. وحقي بالخلافة ..
فـلـقد كنت قـوياً .. وشهيراً
وجنودي يملأون البر والبحر ..
وراياتي تغطي المشرقـين
لم أكن منتظرا أن يحدث الزلزال ..
أن ينشطر البحر ..
وأن تكسرني عيناك، يوماً، قطعتيـن ..
لم أكن منتظراً ..
حين قـبـّـلتك أن أنسى لديك الشفـتين
لم أكن منتظراً ..
حين عانقتك .. أن أرجع من غير يدين ..
أعلى

قضينا العمر في المخدع
وجيش حريمنا معنا
وصكُّ زواجنا معنا
وصكُّ طلاقنا معنا
وقلنا: الله قد شرَّعْ
ليالينا موزَّعةٌ
على زوجاتنا الأربعْ .
هُنا شفةٌ ..
هنا ساقٌ ..
هنا ظفرٌ
..
هُنا إصبعْ
كأن الدينَ حانوت
فتحناه لكي نشبعْ ...
تمتَّعنا "بما أيماننا ملكتْ"
وعِشنا من غرائزنا بمستنقعْ
وزوَّرنا كلامَ الله بالشكل الذي ينفعْ
ولم نخجل بما نصنعْ
عبثنا في قداستهِ
نسينا نُبْلَ غايته ..
ولم نذكر سوى المضجَعْ
ولم نأخذ
سوى زوجاتنا الأربَعْ ...
أعلى

ليس هنـاك حل آخر
إلا الكلمة ..
ليس هناك ثـدي آخر قد أرضعني
إلا الكلمة ..
ليس هناك وطن آخر قد آواني
إلا الكلمة ..
ليس هناك في تاريخي .. امرأة أخرى
إلا الكلمة ..
أعلى

خلال خمسين سنة
عرفت ألف امرأة .. وامرأة ..
وألف جسم رائع ٍ
وألف نهد نافر ..
لكنـني ..
لم اخلط النساء بالدفاتـر
والحبر بالضفائـر
ورنة القوافي
برنة الأقراط والأساور
فَـثـمّ خط احمر رسمته
بين العشيـقات ..وبـين الشاعر ..
أعلى

ليس في وسعك، يا سيدتي، أن تصلحيـني ..
فلقد فات القطار ..
إنني قررت أن أدخل في حرب مع القبح
ولا رجعة عن هذا القرار.
فإذا لم استطع إيقاف جيش الروم
أو زحف التـتار .
وإذا لم استطع أن اقـتـل الوحش ..فحسبي
أنني أحدثت ثـقبا في الجدار ..
أعلى

إذا فرغنا من مناقشة قضية البناء الخارجي في القصيدة العربية كأن علينا أن
نناقش محتواها الداخلي. فهل هناك محتوى جديد للقصيدة العربية الحديثة وما
هي قيمة هذا المحتوى؟
مما لا شك فيه أن خريطة العالم تنكمش تضيق وحدود الدول تذوب وتسقط ككتل
الثلج. والعلم الحديث جعل سفر الأشخاص والأفكار بين قارة وقارة وكوكب وكوكب
روتينا يوميا لا يثير الدهشة.
والأدب
هو أكثر الكائنات قدرة على السفر والرحيل فهو روح سريع التبخر، سريع
الاشتعال.
لذلك لم يعد بوسع أي أدب أن ينعزل بين جدران إقليمية ضيقة ويدفن رأسه في
رمال اللامبالاة والأصنف في عداد الآداب الميتة.
في وسط هذه الحضارة المنتحرة يبحث الشعر العربي الحديث عن نفسه، ومن حسنات
هذا الشعر أنه مفتوح العينين على الأبعاد الإنسانية الرحبة، وشديد الحساسة
بتموجات الفكر العالمي وذبذباته.
فكل بذور الفكر التي حملتها أمواج البحر المتوسط إلينا أخصبت في ترابنا
وأعطت ورقا.
كل الفلسفات، وكل النزعات، وكل المدارس، سواء منها الغربية أو الشرقية،
البورجوازية أو الماركسية تصادمت في منطقتنا، ثم انسحبت تاركة على أرضنا
مزقا من راياتها.
طاغور، وغوته، وشكسبير، وده موسه، ومالارميه، وفاليري، وأراغون، ورامبو
ولوركا، وبول إلوار، وآخر العنقود ت.س.إليوت، كل هؤلاء مروا من هنا، ورحلوا
عن هنا.. بعد أن خلفوا على فجر شعرنا شيئا من أنفاسهم.
الإلتزام، ابن الماركسية المدلل، مر برؤوسنا في أوائل الخمسينات مرور
الدوار المباغت فحول شعرنا إلى "مانيفستو عقائدي" وأستنبت القصائد من مخيلة
الشعراء الملتزمين كما تستنبت البطاطس في أحد الكولخوزات.. ثم انكفأ
الالتزام عن شواطئنا تاركا وراءه طروحا شعريا عن ديان بيان فو وفيت مين..
وكوريا.. ولدت بدون عظام وبدون ملامح.
ثم دقت الوجودية السارترية أبواب أدبنا بعنف.. واستطاع سارتر وكامو وكافكا
وكولن ويلسن أن ينقلوا عوارض "الغثيان" والسرطان إلينا .. وحمل شعراؤنا
المحدثون (صخرة سيزيف) على أكتافهم فتعبوا بها وأتعبونا معهم. وأصبح
(اللامنتمي) بجنونه، وضياعه، وبلاهته، وشعره المنكوش البطل الرئيسي في كل
عمل أدبي نصنعه.. وملح الطعام على مائدة شعرائنا. وفي رأيي أن أزمة العبث
والعدم واللاجدوى هي أزمة نفسية مستوردة لها ما يفسرها في الحضارة
الأوروبية المتعبة. أما نحن فقد نقلناها بدون تحفظ ودون أن يكون في حياتنا
ما يبررها. (فالقرف) الذي يطغى على آثارنا الأدبية ليس (قرفا عربيا) وإنما
هو قرف صنع في فرنسا.. وانتقلت إلينا جراثيمه بالعدوى..
أنني لا أنكر أن الإنسانية كلها تعاني أزمة مصير وأن جيلنا هو جيل الغبار
الذري، والهواء الملوث، والعقد الفرويدية المميتة. الجيل المصلوب بلا صلب،
المشوه من داخله منذ ولادته.
أنني أعرف هذا، ولكنني أعرف أيضا أن للإنسان العربي أزماته الخاصة. أزمات
واقعية تتصل بالرغيف، وبالدواء، وبالعلم، وبسرطان إسرائيل، أكثر مما تتصل
بالمجردات الفلسفية التي لا تلتفت إليها الشعوب إلا وهي في قمة شبعها
وبطرها الفكري. ولا يمكننا ونحن نستعرض رياح الفكر العالمي التي هبت علينا،
أن نهمل التجرية (الإليوتية) نسبة إلى الشاعر الأمريكي الأصل ت.س.إليوت
الذي ترك على نتاج أكثر شعرائنا المعاصرين، ولا سيما شعراء العراق ومصر،
بصمات أصابعه واضحة. فقد نقلوا عنه وعن معلمه إزرا باوند طريقتهما في كتابة
الشعر الحر وفي استعمال الأساطير والرموز الدينية والتاريخية والاعتماد على
طريقة التداعي بالصور (أيماجيسم(
يقتضينا الإنصاف أن نقرر أن نتائج التجربة الإليوتية في شعرنا كانت حسنة
بمجملها. فقد حقق بعض الموهوبين بقصائدهم الحرة نجاحات ملحوظة حين منحوا
القصيدة العربية المعاصرة ما كان ينقصها، أي وحدة الشكل ووحدة الموضوع.
وأصبحت القصيدة العربية على أيديهم كيانا عضويا ملحتم النسيج يتغذى بموسيقى
داخلية، مركبة الإيقاعات متعددة النغمات. كما أصبح للقصيدة نواة أساسية
ومحور تتحرك عليه من بدايتها إلى نهايتها. وهذا في نظري أكبر نصر يسجل
للقصيدة العربية الحديثة. وإذا كانت السهولة الظاهرية لطريقة الشعر الحر قد
شجعت كثيرا من الدخلاء على الإدلاء بدلوهم في هذه البئر، وعلى ظهور كثير من
النماذج الرديئة أساءت إلى سمعة الشعر الحر وإلى شعرائه، فإن هذا يجب أن لا
يتخذ ذريعة لمهاجمة الشعر الحديث بمجموعة، ففي كل فن يوجد موهوبون، ويوجد
مزيفون. وفي الشعر الحديث التقليدي نفسه يوجد نسور تغطي أجنحتها وجه
الشمس.. ويوجد هوام أجبن من أن يطير في وجه الشمس.
الشعر العربي الحديث، يخوض بكل طاقاته وخلاياه وأعصابه تجربة كبرى في
التجديد. فلنمنحه الفرصة لإثبات وجوده.
أعلى

إذا كان عصري ليس جميلا ..
فكيف تريدينـني أن أجمّل عصري ؟
وان كنـت اجلس فوق الخراب
واعشق فوق الخراب
فكيف سأهديـك باقة زهر
وكيف أحبك
حين تكون الكتابة رقصا ..
على طبق من نحاس وجمر ..؟
وان كانـت الأرض مسرح قهر
فكيف تريديـنـني أن أصالح قهري ؟
يريد المماليـك أن يملكوني ..
وان يشربوا من دمائي وحبري
يريدون رأس القصيدة كي يستـريحوا ..
وللشعر .. والحب .. فوضت أمري .
احبك .. برقـاً يضيء حياتي
وقـنـديل زيـت، بداخل صدري
فكوني صديـقة حريتي ..
وكوني ورائي بكل حروبي
وسيري معي، تحت أقواس نصري ..
إذا كان شعري لا يتصدى
لمن يسلخون جلود الشعوبِ
فلا كان شِعري ..
أعلى

مازلت برغم صراع الأخوة
أختـرع الأحلام
وأقول بأن الله ..
سيجمع يوما ما بـين الأرحام
جسدي يشتـاق إلى بغداد
وقلبي عند نساء الشام ..
أعلى

اضطجعي دقيقة واحدة ..
كي أكمل التصوير ..
اضـطجعي مثل كتاب الشعر في السرير
أريد أن أصور الغابات في ألوانها
أريد أن أصور الشامات في اطمئنانها
أريد أن أفاجئ الحلمة في مكانها
والناهد الأحمق ـ يا سيدتي ـ
قبيل أن يطير ..
فساعديني ..
ـ إن تكرمت ـ لكي أصالح الحرير
وساعديني ..
ـإن تكرمت ـ لكي أفوز في صداقة الكشمير .
لعله يسمح لي برسم هذا الكوكب المثير ..
ولتقبلي تحيتي ..
مقرونة بالحب والتقدير .
أعلى

وجهُك .. مثل مطلع القصيدة
يسحبني ..
يسحبني ..
كأنني شراع
ليلا، إلى شواطئِ الإيقاع .
يفتح لي أفقا من العقـيـق
ولحظة الإبداع
وجهك .. وجه مدهش
ولوحة مائـيـة
ورحلة من أبدع الرحلات
بين الآسِ .. والنـعـناع ..
وجهُك
هذا الدفـتـر المـفتـوح، ما أجمله
حين أراه ساعة الصباح
يحمل لي القهوةَ في بسمتـهِ
وحمرة التـفاح ..
وجهك .. يستـدرجُني
لآخر الشعر الذي أعرفه
وآخر الكلام ..
وآخر الورد الدمشقيّ الذي أحـبـه
وآخـرِ الحمام ..
وجهك يا سيدتي
بحر من الرموز، والأسئـلـة الجديدة
فهل أعود سالما ؟
والريح تستـفـزني
والموج يستـفـزني
والعشق يستـفزني
ورحلتي بعيده ..
وجهك يا سيدتي
رسالة رائعة
قد كُتـبـت ..
ولم تصل، بَعدُ، إلى السماء ..
أعلى

مطرٌ .. مطرٌ .. وصديقـتها معها
ولتـشرين نواحُ
والباب تـئـنُّ مـفاصله
ويعربد فـيه الـمـفـتاح
شيءٌ بـيـنهما .. يـعـرفـه
إثـنان .. أنـا والمصـباح
وحكايـة حـب لا تــُحكى
في الحـب يـموت الإيــضـاح ..
الحجرة فـوضى .. فـحُـلي
تــُـرمَى، وحـرير يـنـزاح
ويغــادر زَرٌّ عـروتـه
بـفـُـتــُور، فـالـليـل صـبـاح
الـذئـبة تــُـرضع ذئـبـتـها
ويـد تـجـتاح .. وتجـتاح
ودثـارٌ فـَـرَّ .. فــواحــدة
تــُـدنـيهِ، وأخـرى تــرتـاح
وحـوار نـهـودٍ أربـعة
تـتهامـس .. والهـمـس مـبـاح
كطـيـور بـيـض .. في روض
تـتـنافـر .. والريـش سـلاح
حبات العِـقـديـن .. انـفـرطت
مـن لـهـوٍ، وانهـدّ وشـاح
فـالـلـحـم الطـفـل، يُـمزقـه
في العـتـمة، ظـفرٌ سفـاح
وجُزازة شعرٍ .. وانقطعت
فالصـوت المهـمـوسُ نِـبـاح
ويُكَـسِّـر نـهـدٌ واقـعـه
ويـثور .. فـلـلجرح جـراح
ويـموت المـوت .. ويســتـلـقي
مـما عـانـاه الـمصـباح
يا أخـتي لا تـضـطـربي
إني لـك صـدر وجـناح
أتراني كـونـت امـرأة
كي تمـضـغ نـهـدي الأشـباح ؟
أشـُــذوذ ٌ، أخـتـاه،إذا ما
لـثـم الـتــفاحَ الـتــفاحُ ؟
نحـن امـرأتـان .. لـنا قـمـمٌ
ولـنا أنـواء وريـاح ..
مـطـر .. مـطـر .. وصديـقـتها
معها .. ولـتـشريـن نـواح
والـبـاب تـئـن مفاصـلـه
ويـعـربـد فـيـه الـمـفـتـــاح ..
أعلى

شكرا لحبك..
فهو معجزتي الأخيره..
بعدما ولى زمان المعجزات.
شكرا لحبك..
فهو علمني القراءة، والكتابة،
وهو زودني بأروع مفرداتي..
وهو الذي شطب النساء جميعهن .. بلحظة
واغتال أجمل ذكرياتي..
شكرا من الأعماق.
يا من جئت من كتب العبادة والصلاة
شكرا لخصرك، كيف جاء بحجم أحلامي،
وحجم تصوراتي
ولوجهك المندس كالعصفور،
بين دفاتري ومذكراتي..
شكرا لأنك تسكنين قصائدي..
شكرا..
لأنك تجلسين على جميع أصابعي
شكرا لأنك في حياتي..
شكرا لحبك..
فهو أعطاني البشارة قبل كل المؤمنين
واختارني ملكا..
وتوجني..
وعمدني بماء الياسمين..
شكرا لحبك..
فهو أكرمني، وأدبني، وعلمني علوم الأولين
واختصني، بسعادة الفردوس، دون العالمين
شكرا.. لأيام التسكع تحت أقواس الغمام
وماء تشرين الحزين
ولكل ساعات الضلال
وكل ساعات اليقين
شكرا لعينيك المسافرتين وحدهما..
إلى جزر البنفسج، والحنين..
شكرا..
على كل السنين الذاهبات..
فإنها أحلى السنين..
شكرا لحبك..
فهو من أغلى وأوفى الأصدقاء
وهو الذي يبكي على صدري..
إذا بكت السماء
شكرا لحبك فهو مروحة..
وطاووس .. ونعناع .. وماء
وغمامة وردية مرت مصادفة بخط الاستواء..
وهو المفاجأة التي قد حار فيها الأنبياء..
شكرا لشعرك .. شاغل الدنيا ..
وسارق كل غابات النخيل
شكرا لكل دقيقة..
سمحت بها عيناك في العمر البخيل
شكرا لساعات التهور، والتحدي،
واقتطاف المستحيل..
شكرا على سنوات حبك كلها..
بخريفها، وشتائها
وبغيمها، وبصحوها،
وتناقضات سمائها..
شكرا على زمن البكاء، ومواسم السهر الطويل
شكرا على الحزن الجميل ..
شكرا على الحزن الجميل ..
أعلى

منذ ثلاثين سنة
أحلم بالتغيـير
وأكتب القصيدة الثورة .. والقصيدة الأزمة ..
والقصيدة الحرير ..
منذ ثلاثين سنة
ألعب باللغات مثلما أشاء
وأكتب التاريخ بالشكل الذي أشاء ..
وأجعل النقاط، والحروف، والأسماء، والأفعال، تحت سلطة النساء
وأدعي بأنني الأول في فـن الهوى ..
وأنني الأخير ..
وعندما دخلـتُ .. يا سيدتي
إلى بلاط حبك الكبير ..
انكسرت فـوق يدي قارورة العبير
وانكسر الكلام ـ يا سيدتي ـ على فمي
وانكسر التعبير ..
ولا أزال كلما سافـرت في عينيك .. يا حبيـبتي
أشعر بالتـقصير ..
وكلما حدقت في يديك يا حبـيـبـتي
أشعر بالتـقصير ..
وكلما اقتربت من جمالك الوحشي يا حبـيـبتي
أشعر بالتقصير ..
وكلما راجعت أعمالي التي كتبتها ..
قبيل أن أراك يا حبيبتي ..
أشعر بالتقصير ..
أشعر بالتقصير ..
أشعر بالتقصير ..
أعلى

كنت أعدو في غابة اللوز .. لما
قال عني، أماه، إني حلوة
وعلى سالفي .. غفا زر ورد
وقميص تفلتت منه عروة
قال ما قال .. فالقميص جحيم
فوق صدري، والثوب يقطر نشوة
قال لي : مبسمي وريقة توت
ولقد قال إن صدري ثروة
وروى لي عن ناهدي حكايا..
فهما جدولا نبيذ وقهوة
وهما دورقا رحيق ونور
وهما ربوة تعانق ربوة..
أأنا حلوة؟ وأيقظ أنثى
في عروقي، وشق للنور كوه
إن في صوته قرارا رخيما
وبأحداقه .. بريق النبوة
جبهة حرة .. كما انسرح النور
وثغر فيه اعتداد وقسوة
يغصب القبلة اغتصابا .. وأرضى
وجميل أن يؤخذ الثغر عنوة
ورددت الجفون عنه .. حياء
وحياء النساء للحب دعوة
تستحي مقلتي .. ويسأل طهري
عن شذاه .. كأن للطهر شهوة
أنت .. لن تنكري علي احتراقي
كلنا .. في مجامر النار نسوه
أعلى

كنت من أول القائلين بوجوب التحرر من القافية.. هذه "العبودية الملحنة" ..
التي تقول للبيت العربي.. قف.. فيقف وتقطع خيوط الخيال العربي في روعة
قفزته… فيقع منقطع الأنفاس.. أما الآن فقد جئت أعترف بفشلي، لأنني أيقنت أن
التحرر من القافية العربية مغامرة… مغامرة قد تؤدي بطابع القصيدة العربية
وتقضي على إرنانها..
التحرر من القافية.. كالتحرر من غرائزنا يحتاج إلى أجيال.. فلنقبل هذه
العبودية الملحنة.. كما نقبل أن نعقد رباط العنق في رقابنا.. ونجعل الخواتم
في أصابعنا.. عبودية جميلة من جملة هذه العبوديات الجميلة..
سر استعصاء القافية علينا… ودلالها.. إنها مرتبطة بسر النغم.. ولما كان
النغم هو سر القصيدة.. فلك أن تتصور أية مغامرة مجنونة يقدم عليها من يحاول
فك وتر العود عن العود.. لن يبقى من القصيدة العربية حينئذ سوى وعاء من
الخشب الأجوف.. كل نافخ فيه يستطيع أن يحدث صوتا.
هل هذه رجعية مني؟ ربما كان الأمر كذلك.. ولكن طبيعتي الشعرية وطبيعة أي
فرد عربي، لا تستطيع أن تفترض وجود بيت لا ينتهي بقافية.. أي لا ينتهي بهذا
القرار الرخيم الذي ينزل على أضلاعنا… كما تنزل ريشة العواد على أضلاع
العود..
لفتة واحدة منا إلى الشعر المنثور ترينا أن هذا اللون من التعبير- رغم غناه
بالنغم- لم يستطع أن يتجاوب مع الذوق العربي.. لماذا؟.. الجواب عند
القافية..
على أنه إذا استحال الاستغناء عن القافية.. فلا يستحيل ترويضها وجعلها أكثر
مرونة واستجابة لأفكارنا.. وجموح خيالاتنا.. وواقع عصرنا.. فاستعمال
القوافي المتعددة في القصيدة الواحدة على طريقة الموشحات، أو فصل البيوت
المنتهية بقواف معينة بأبيات أخرى تنتهي بقواف مختلفة عن الأولى على نحو ما
نرى في شعر بعض الشعراء المحدثين، وما رأيناه في شعر بعض شعراء المهجر. كل
هذا يدل على أن تطويع القافية ممكن.. وسهل.. ولكنني أشترط له الجرأة..
والأصالة معا.
أما أوزاننا.. فهي طريفة، وملونة، وذات هدير موسيقي متعدد الجوانب مما لا
نراه في الشعر الغربي الذي يعتمد على الوحدة الصوتية المعادة.. بالإضافة
إلى أن استعمال مجزوء البحور.. والتصرف بتفاعليها زيادة أو نقصانا.. يرفدنا
بثروة جديدة من الأنغام.
وبعد.. فإنني لا أقف في وجه أي (خليل) جديد.. يتحفنا ببحور أخرى.. وأنغام
رائعة مبتكرة.. ولكنني لم أعثر على هذا "الخليل" بعد. وكل ما في الأمر أن
أحد الأدباء حاول النظم على بحر جديد.. ابتدعه.. فجاءت القصيدة.. والبحر
جميعا "نشازا" بحيث ترحمنا على تراب الخليل.. إن مشكلة الشعر العربي ليست
مشكلة أشكال.. وأوزان.. وإنما هي مشكلة وجدان.. وجدان فني يهيب بنا أن
نتدفق من داخلنا.. ونسفح زيت ذاتنا.. أما الكتابة بحبر الآخرين.. والبكاء
بدموعهم.. والغناء بشفاههم.. فأسوأ ما ابتلى به الشعر العربي في هذه
الأيام.
أعلى

(كتاب الحب) محاولة لكتابة القصيدة العربية بشكل جديد، وإلباسها ثوباً
عصرياً ومريحاً وعملياً، بعد أن أرهق جسد القصيدة العربية طوال عصور
بأثوابٍ مفرطة في طولها واتساعها ورداءة قصّهِا.
والواقع أن القطاع الأكبر من شعرنا العربي التقليدي استهلك من القماش
اللغوي ما يكفي لكساء كل سكان الصين ..
هذا التبذير في استعمال اللغة إلى درجة الإنهاك، جعل قصائدنا – كعباءاتنا –
لا يسكن فيها جسد صاحبها فحسب، وإنما جسد القبيلة كلها.
ويا طالما بحثتُ منذ أن بدأت في كتابة الشعر، عن معادلة شعرية يكون فيها
اللابس والملبوس قطعة واحدة ليس فيها نُتوءات، ولا حواشي، ولا زوائد بلاغية
متهدلة.
كنت دائما أحلم بشعر عربي تكون فيه مساحة الكلمة بمساحة الانفعال، وحجم
الصوت الشعري بحجم فم الشاعر .. وبحجم هواجسه.
كنتُ أؤمن أن الشعر هو خلاصة الخلاصة .. وأن أي محاولة من الشاعر لمطِّ
صوته بطريقة مسرحية، ومَـدِّ انفعاله على سطح أوسع يخرجه من حديقة الشعر ..
ويدخله في سراديب الثرثرة الشعرية.
الثرثرة الشعرية هي فجيعة شعرنا العربي .. ونظرة واحدة إلى أهرامات القصائد
العربية القديمة توضح لنا أننا تكلمنا أكثر من اللازم..
الشعر هو خلاصة الخلاصة .. كما قلت.
لذلك كان أعظم الشعراء هم أولئك الذين كتبوا بيت شعر واحدا .. وماتوا بعد
كتابته مباشرة ..
ليس من وظيفة الشعر أن يشرح كل شئ .. وبكلمة أدق .. أن يقتل كل شئ ..
الشرح الطويل عمل من أعمال الببغاوات، والعجائز، ونشرات الأخبار..
وظيفة الشعر هي أن يعطيك بطاقة السفر .. دون أن يتدخل في تفاصيل الرحلة،
ومواعيد القطارات التي ستركبها، وأسماء الفنادق التي ستنـزل فيها ..
وظيفة الشعر .. هي أن يضع أمامك الزجاجة والكأس .. ويتركك تسكر على طريقتك
..
وظيفة الشعر أن يضع في إصبعك خاتم سليمان .. وعليك أن تستحضر المارد ..
وتطلب منه ما تريد من لبنٍ وعَسَل وحوريات ..
اللعبة الشعرية .. لعبة إشارات ضوئية. واللاعب الكبير فيها هو الذي يحتفظ
بالقدرة على الصمت .. ويعرف متى يُلقي ورقة الدهشة.
الكلام الكثير على طاولة الشعر .. كالكلام الكثير على طاولة القمار .. لا
يجلب سوى الخراب.
الكلام الكثير فيه مقتلنا .. هذا شئ معروف. ومعروف أيضا، أن القصائد الأكثر
فشلاً في تاريخنا الشعري هي القصائد التي تحولت إلى نوع من الجرائد اليومية
.. إلى نوع من أجهزة الإعلام. هي القصائد التي تعطّل جهاز الرقابة الداخلية
فيها.
في هذا الكتاب تؤدي اللفظة الشعرية عمل جهاز الإضاءة الـ
Flash
في كاميرا التصوير .. ويصبح الشعر إضاءة سريعة عُمرها ثانية أو جزء من
أجزاء الثانية.
اللفظة الشعرية هنا .. برق .. ورفّة جفن .. والتماعة سيف. إنها طيران عصفور
..
ربما لم يتعوّد القارئ العربي المرتبط تاريخياً ووراثياً بالألفيّات،
والمعلّقات .. على طيران العصافير .. هذا لا يهم. إنه سيتعود عليه ..
ومثلما قَبِل الذوق العربي تلك الثورة المدهشة التي قام بها الشعر العربي
على نفسه، خلال العشرين عاما الأخيرة وغيّر فيها جِلده وثيابه .. فإنه
سيرحب حتماً بكل حركة شعرية تزيد ارتباطه بالعصر.
من ذا الذي يرفض وثوب الخيل، وطيران العصافير؟
والحب في قصائد هذا الكتاب ليس الحب القديم الذي يقف أمام خيمة الحبيبـة،
أو تحت شُباكها عشر ساعات .. حتى تملّ الحبيبـة .. ويملّ الشُباك ..
الحب هنا، يحمل كل ملامح عصرنا من سرعة وإيجاز .. وتوتر .. وكثافة ..
الحب هنا، ليس لديه الوقت لكتابة المكاتيب .. وفتح الفناجين .. إنه يستعمل
الأسلوب البرقي في مخاطبة الحبيبـة ..
لغة العشق في هذا الكتاب مكثّفة ومضغوطة كما لم يحدث في تاريخ العشق وتاريخ
البوح ..
وربما قصدتُ من كتابة هذا الكتاب، أن يكون قاموساً موجزاً وعصرياً للعشق،
يرجعُ اليه العشّاق المعاصرون ليتعلموا منه كيف يقولون بكلمة واحدة .. ما
كانوا يقولونه لحبيبـاتهم بكلمات ..
"قاموس العشق".
قد أكون طموحا أكثر من اللازم، ومغرورا أكثر من اللازم ..
ولكنني لا أتراجع عن أحلامي بسهولة. فأنا منذ طفولتي أحلم بكتابة (نشيد
إنشاد) يحمل توقيعي .. وقد ظللت أطارد هذا الحلم حتى حوّلته إلى حقيقة ..
من الحبر والورق ..
وبعدُ، فهذا هو (نشيد إنشادي) ..
وأقول لكم، بكل صدق وصفاء، إنه أتعبني واستهلكني. لقد اشتغلتُ عليه كما لم
أشتغل على أي كتاب صدر لي من قبل.
مزّقتُ عشرات المسودات، ورميت عشرات التصاميم التي لم تكن على درجة من
التركيز والكثافة تسمح لها بدخول هذا الكتاب المسكون بالغرابة.
إن قصيدة تتألف من بيتيـن .. كانت تأخذ مني شهرين من العمل. ومن خلال عملية
الشطب، والقَصّ، والتمزيق .. عرفت وجعاً جديداً لم أعرفه في كل تاريخي
الشعري. إنه وجعُ الإيجاز .. وجعُ إدخال الحياة كلها في خُرْم إبرة ..
هذا هو "نشيد إنشادي" أتركه على وسائد المحبين .. وأطفئ القنديل .. وأنسحب.
نــزار
أعلى

ما دمت يا عصفورتي الخضراء
حبيبتي
إذن .. فإن الله في السماء
تسألني حبيبتي
ما الفرق ما بيني وما بين السما ؟
الفرق ما بينكما
أنك إن ضحكت يا حبيبتي
أنسى السما
الحب يا حبيبتي
قصيدة جميلة مكتوبة على القمر
الحب مرسوم على جميع أوراق الشجر
الحب منقوش على
ريش العصافير، وحبات المطر
لكن أي امرأة في بلدي
إذا أحبت رجلا
ترمى بخمسين حجر
حين أنا سقطت في الحب
تغيرت مملكة الرب
صار الدجى ينام في معطفي
وتشرق الشمس من الغرب
يا رب قلبي لم يعد كافيا
لأن من أحبها .. تعادل الدنيا
فضع بصدري واحدا غيره
يكون في مساحة الدنيا
ما زلت تسألني عن عيد ميلادي
سجل لديك إذن .. ما أنت تجهله
تاريخ حبك لي .. تاريخ ميلادي
لو خرج المارد من قمقمه
وقال لي : لبيك
دقيقة واحدة لديك
تختار فيها كل ما تريده
من قطع الياقوت والزمرد
لاخترت عينَيْكِ .. بلا تردد
ذات العينين السوداوين
ذات العينين الصاحيتين الممطرتين
لا أطلب أبدا من ربي
إلا شيئين
أن يحفظ هاتين العينين
ويزيد بأيامي يومين
كي أكتب شعرا
في هاتين اللؤلؤتين
لو كنت يا صديقتي
بمستوى جنوني
رميت ما عليك من جواهر
وبعت ما لديك من أساور
و نمت في عيوني
أشكوك للسماء
أشكوك للسماء
كيف استطعتِ، كيف، أن تختصري
جميع ما في الكون من نساء
لأن كلام القواميس مات
لأن كلام المكاتيب مات
لأن كلام الروايات مات
أريد اكتشاف طريقة عشق
أحبك فيها .. بلا كلمات
أنا عنك ما أخبرتهم .. لكنهم
لمحوك تغتسلين في أحداقي
أنا عنك ما كلمتهم .. لكنهم
قرأوك في حبري وفي أوراقي
للحب رائحة .. وليس بوسعها
أن لا تفوح .. مزارع الدراق
أكره أن أحب مثل الناس
أكره أن أكتب مثل الناس
أود لو كان فمي كنيسة
وأحرفي أجراس
عدي على أصابع اليدين، ما يأتي
فأولا : حبيبتي أنت
وثانيا : حبيبتي أنت
وثالثا : حبيبتي أنت
ورابعا وخامسا
وسادسا وسابعا
وثامنا وتاسعا
وعاشرا . . حبيبتي أنت
ذوبت في غرامك الأقلام
من أزرق .. وأحمر .. وأخضر
حتى انتهى الكلام
علقت حبي لك في أساور الحمام
ولم أكن أعرف يا حبيبتي
أن الهوى يطير كالحمام
حبك يا عميقة العينين
تطرف
تصوف
عبادة
حبك مثل الموت والولادة
صعب بأن يعاد مرتين
عشرين ألف امرأة أحببت
عشرين ألف امرأة جربت
وعندما التقيت فيك يا حبيبتي
شعرت أني الآن قد بدأت
لقد حجزت غرفة لاثنين في بيت القمر
نقضي بها نهاية الأسبوع يا حبيبتي
فنادق العالم لا تعجبني
الفندق الذي أحب أن أسكنه هو القمر
لكنهم هنالك يا حبيبتي
لا يقبلون زائرا يأتي بغير امرأة
فهل تجيئين معي
يا قمري . . إلى القمر
لن تهربي مني فإني رجل مقدر عليك
لن تخلصي مني . . فإن الله قد أرسلني إليك
فمرة .. أطلع من أرنبتي أذنيك
ومرة أطلع من أساور الفيروز في يديك
وحين يأتي الصيف يا حبيبتي
أسبح كالأسماك في بُحْرَتَيْ عينيك
لو كنت تذكرين كل كلمة
لفظتها في فترة العامين
لو أفتح الرسائل الألف .. التي
كتبت في عامين كاملين
كنا بآفاق الهوى
طرنا حمامتين
وأصبح الخاتم في
إصبعكِ الأيسر . . خاتمين
لماذا .. لماذا .. منذ صرت حبيبتي
يضيء مدادي .. والدفاتر تعشب
تغيرت الأشياء منذ عشقتني
وأصبحت كالأطفال .. بالشمس ألعب
محفورة أنت على وجه يدي
كأٍطر كوفية على جدار مسجد
محفورة في خشب الكرسي.. يا حبيبتي
وفي ذراع المقعد
وكلما حاولت أن تبتعدي
دقيقة واحدة
أراك في جوف يدي
لا تحزني
إن هبط الرواد في أرض القمر
فسوف تبقين بعيني دائما
أحلى قمر
حين أكون عاشقا
أشعر أني ملك الزمان
أمتلك الأرض وما عليها
وأدخل الشمس على حصاني
حين أكون عاشقا
أجعل شاه الفرس من رعيتي
وأخضع الصين لصولجاني
وأنقل البحار من مكانها
ولو أردت أوقف الثواني
حين أكون عاشقا
أصبح ضوءا سائلا
لا تستطيع العين أن تراني
وتصبح الأشعار في دفاتري
حقول ميموزا وأقحوان
حين أكون عاشقا
تنفجر المياه من أصابعي
وينبت العشب على لساني
حين أكون عاشقا
أغدو زمانا خارج الزمان
إني أحبك عندما تبكينا
وأحب وجهك غائما وحزينا
الحزن يصهرنا معا ويذيبنا
من حيث لا أدري ولا تدرينا
تلك الدموع الهاميات أحبها
وأحب خلف سقوطها تشرينا
بعض النساء وجوههن جميلة
وتصير أجمل .. عندما يبكينا
أخطأت يا صديقتي بفهمي
فما أعاني عقدة
ولا أنا أوديب في غرائزي وحلمي
لكن كل امرأة أحببتها
أردت أن تكون لي
حبيبتي وأمي
من كل قلبي أشتهي
لو تصبحين أمي
جميع ما قالوه عني صحيح
جميع ماقالوه عن سمعتي
في العشق والنساء قول صحيح
لكنهم لم يعرفوا أنني
أنزف في حبك مثل المسيح
يحدث أحيانا أن أبكي
مثل الأطفال بلا سبب
يحدث أن أسأم من عينيك الطيبتين
بلا سبب
يحدث أن أتعب من كلماتي
من أوراقي من كتبي
يحدث أن أتعب من تعبي
عيناك مثل الليلة الماطرة
مراكبي غارقة فيها
كتابتي منسية فيها
إن المرايا ما لها ذاكره
كتبت فوق الريح
إسم التي أحبها
كتبت فوق الماء
لم أدر أن الريح
لا تحسن الإصغاء
لم أدر أن الماء
لا يحفظ الأسماء
ما زلتِ يا مسافرة
مازلت بعد السنة العاشرة
مزروعة
كالرمح في الخاصرة
كرمال هذا الوجه والعينين
قد زارنا الربيع هذا العام مرتين
أهطل في عينيك كالسحابة
أحمل في حقائبي إليهما
كنزا من الأحزان والكآبة
أحمل ألف جدول
وألف ألف غابة
وأحمل التاريخ تحت معطفي
وأحرف الكتابة
أروع ما في حبنا أنه
ليس له عقل ولا منطق
أجمل ما في حبنا أنه
يمشي على الماء ولا يغرق
لا تقلقي . يا حلوة الحلوات
ما دمت في شعري وفي كلماتي
قد تكبرين مع السنين .. وإنما
لن تكبرين أبدا .. على صفحاتي
ليس يكفيك أن تكوني جميلة
كان لابد من مرورك يوما
بذراعيَّ
كي تصيري جميلة
وكلما سافرت في عينيك يا حبيبتي
أحس أني راكب سجادة سحرية
فغيمة وردية ترفعني
وبعدها .. تأتي البنفسجية
أدور في عينيك يا حبيبتي
أدور مثل الكرة الأرضية
كم تشبهين السمكة
سريعة في الحب .. مثل السمكة
قتلتِ ألف امرأة .. في داخلي
وصرت أنت الملكة
إني رسول الحب
أحمل للنساء مفاجآتي
لو أنني بالخمر .. لم أغسلهما
نهداك.. ما كانا على قيد الحياة
فإذا استدارت حلمتاك
فتلك أصغر معجزاتي
أجمل ما فيك هو الجنون
أجمل ما فيك، إذا سمحت
خروج نهديك على القانون
تعري فمنذ زمان طويل
على الأرض لم تسقط المعجزات
تعري .. تعري
أنا أخرس
وجسمك يعرف كل اللغات
كان نهداك .. في العصور الخوالي
ينشدان السلام مثل الحمامة
كيف ما بين ليلة وضحاها
صار نهداك .. مثل يوم القيامة ؟
ضعي أظافرك الحمراء ..في عنقي
ولا تكوني معي شاة .. ولا حملا
وقاوميني بما أوتيت من حيل
إذا أتيتك كالبركان مشتعلا
أحلى الشفاه التي تعصي .. وأسوأها
تلك الشفاه التي دوما تقول : بلى
كم تغيرت بين عام وعام
كان همي أن تخلعي كل شيء
وتظلي كغابة من رخام
وأنا اليوم لا أريدك إلا
أن تكوني .. إشارة استفهام
وكلما انفصلتُ عن واحدة
أقول في سذاجة
سوف تكون المرأة الأخيرة
والمرة الأخيرة
وبعدها سقطت في الغرام ألف مرة
ومت ألف مرة
ولم أزل أقول
تلك المرة الأخيرة
عبثا ما أكتب سيدتي
إحساسي أكبر من لغتي
وشعوري نحوك
يتخطى صوتي .. يتخطى حنجرتي
عبثا ما أكتب .. ما دامت
كلماتي .. أوسع من شفتي
أكرهها كل كتاباتي
مشكلتي أنكِ مشكلتي
لأن حبي لك فوق مستوى الكلام
قررت أن أسكت
والسلام
أعلى

أول ما شغل بالي حين بدأت أكتب، هو اللغة التي أكتب بها. وبالطبع، كانت
هناك لغة، بل لغة عظيمة ذات امكانيات وقدرات هائلة. لكن اللغويين فرضوا
عليها احتكارا رهيبا وأقفلوا عليها الأبواب ومنعوها من الإختلاط والخروج
إلى الشارع.
كانت اللغة (أملاكا خصوصية)، واللغويون (جمعية منتفعين)، وكانت الفتوى
بشرعية كلمة أو تعريب مصطلح علمي أو تقني، تستغرق المجامع اللغوية ثلاث
سنوات من التنجيم والاستخبارات.. والألوف من كؤوس الشاي ومحلول البابونج..
إلى جانب هذه اللغة المتعجرفة التي لم تكن تسمح لأحد أن يرفع الكلفة معها،
كانت اللغة العامية تقف في الطرف الآخر، نشيطة، متحركة، مشتبكة بأعصاب
الناس وتفاصيل حياتهم اليومية.
بين هاتين اللغتين كانت الجسور مقطوعة تماما. لا هذه تتنازل عن كبريائها
لتلك، ولا تلك تجرؤ على طرق باب الأولى والدخول في حوار معها.
ومن هنا كنا نشعر بغربة لغوية عجيبة، بين لغة نتكلمها في البيت، وفي
الشارع، وفي المقهى، ولغة نكتب بها فروضنا المدرسية، ونستمع بها إلى
محاضرات أساتذتنا.. ونقدم بها امتحاناتنا..
فالعربي يقرأ ويكتب ويؤلف ويحاضر بلغة، ويغني، ويروي النكات، ويتشاجر،
ويداعب أطفاله، ويتغزّل بعيني حبيبته بلغة ثانية..
هذه الازدواجية اللغوية التي لم تكن تعانيها بقية اللغات، كانت تشطر
أفكارنا وأحاسيسنا وحياتنا نصفين..
لذلك كان لا بد من فعل شيء لإنهاء حالة الغربة التي كنا نعانيها. وكان الحل
هو اعتماد (لغة ثالثة) تأخذ من اللغة الأكاديمية منطقها وحكمتها، ورصانتها،
ومن اللغة العامية حرارتها، وشجاعتها وفتوحاتها الجريئة.
بهذه (اللغة الثالثة) نحن نكتب اليوم. وعلى هذه اللغة الثالثة يعتمد الشعر
العربي الحديث في التعبير عن نفسه، دون أن يكون خارجا على التاريخ.. ولا
سجينا في زنزانة التاريخ..
إن (اللغة الثالثة) تحاول أن تجعل القاموس في خدمة الحياة والإنسان، وتبذل
ما بوسعها، لتجعل درس اللغة العربية في مدارسنا مكان نزهة.. لا ساحة تعذيب.
تحاول أن تعيد الثقة المفقودة بين كلامنا الملفوظ، وكلامنا المكتوب، وتنهي
حالة التناقض بين أصواتنا وبين حناجرنا.
ان لغتي الشعرية تنتمي إلى هذه (اللغة الثالثة)، التي تحدثت عنها.
ولعل أخطر شهادة قيلت في لغتي الشعرية هي التالية:
"لو سقطت ورقة
من نزار قباني في الأتوبيس، وعليها كتابة موقّعة منه، لحملها أول راكب
يلتقطها إلى منـزله.."
قيمة هذه الشهادة تنبع من كونها صادرة عن أستاذ في فقه اللغة العربية
بجامعة دمشق، عُرف بكلاسيكيته المتطرفة، وتعصبه للقديم، ورفضه المطلق
للجديد والمجددين.
ولأن هذا الرجل لا يحب شعري، ولا يستريح له، أعتز بما قاله عني، وأعتبر هذه
الوثيقة الثمينة شهادة الشهادات.
ما هي هذه (اللغة الثالثة) التي أصبحت من (علاماتي المميّزة) كامتداد
قامتي، وانحناء أنفي، ولون عينيّ.. والتي أصبحتُ أُعرف بها وتُعرف بي.
ما هي هذه اللغة التي أصبحت من فرط التشابه بيني وبينها جواز سفر يردّه
الناس إليّ كلما ضاع مني في أحد الشوارع المزدحمة..
لن يصل بي الغرور إلى الحد الذي أزعم به أنني (اخترعتُ) لغة.. فاللغة ليست
أرنبا يخرج من قبعة الحاوي، ولكنني أسمح لنفسي بأن أقول أنني طرحت في
التداول لغة موجودة على شفاه الناس، ولكنهم كانوا يخفون التعامل بها..
كانت لغة الشعر متعالية، بيروقراطية، بروتوكولية، لا تصافح الناس إلا
بالقفازات البيضاء، ولا تستقبلهم إلا بالقبة المنشّاة وربطة العنق
الداكنة..
وكل ما فعلته أنني أقنعت الشعر أن يتخلى عن أرستقراطيته ليلعب مع أولاد
الحارة.. ويضحك معهم، ويبكي معهم..
وبكلمة واحدة، رفعت الكلفة بيني وبين لغة (لسان العرب) و(محيط المحيط)
وأقنعتها أن تجلس مع الناس في المقاهي، والحدائق العامة، وتتصادق مع
الأطفال، والتلاميذ، والعمال، والفلاحين.. وتقرأ الصحف اليومية.. حتى لا
تنسى الكلام..
أعلى

لا أنت، يا حبـيـبـتي، معقولة ٌ
ولا أنا معقول ..
هل من صفات الحب ..
أن يحطم العادي، والمألوف، والمعقول ؟
هل من شروط الحب ..
أن نجهل، يا حبـيـبتي، أسماءنا ؟
هل من شروط الحب، يا حبيـبتي
أن لا نرى أمامنا ..
ولا نرى وراءنا ..؟
هل من شروط الحب يا حبـيبتي
بأن أسمى قاتلاً حين أنا المقـتول ..؟
لا أنت يا حبـيبتي معقولة ٌ..
ولا أنا معقول
فـشـطـّـبي ـ حين أكون غاضباً من كلماتي، نصف ما أقـول ..
وهـذبي مشاعـري ..
وقــلـّمـي أظافـري ..
ولملمي جميع ما أرميه من شوك ومن وحول
وصدقـيني دائما ..
حين أجيء حاملا يا حبـيبتي
الأزهار ..والأقـمار ..والفصول ..
لا أنت يا حبيـبتي معقولة
ولا أنا معقول ..
ورغم هذا ..
يستمر الرفض والقبول
ورغم هذا ..
يستمر الضحك، والصراخ، والشروق، والأفول
فما الذي نخسر يا حبيبتي ؟
لو أنت قد أعطيتني يديك
وسافرت يداي فـوق الذهب المشغول
وما الذي نخسر يا مليكتي
لو انطلقـنا مثل عصفورين في الحقول
وما الذي نخسر يا أميرتي ؟
إذا طبعت قـبلة في الأحمر الخجول ..
وما الذي نخسر يا سبيكتي ؟
إذا ارتفعنا مثل صوفيّ إلى مرتبة الفناء والحُـلـُـول
وما الذي نخسر يا حبيبتي ؟
لو نحن صلينا على الرسول ..
أعلى

شكراً لطوق الياسمين
وضحكت لي
وظننت أنك تعرفين
معنى سوار الياسمين
يأتي به رجل إليك
ظننت أنك تدركين
وجلست في ركن ركين تتمشطين
وتنقطين العطر من قارورة وتدندنين
لحناً فرنسي الرنين
لحناً كأيامي حزين
قدماك في الخف المقصب جدولان من الحنين
وقصدت دولاب الملابس تقلعين وترتدين
وطلبت أن أختار ماذا تلبسين
أفلي إذن ؟ أفلي أنا تتجملين!!
ووقفت في دوامة الألوان ملتهب الجبين
الأسود المكشوف من كتفيه..
هل تترددين?
لكنه لون حزين
لون كأيامي حزين
ولبسته، وربطت طوق الياسمين
وظننت أنك تعرفين معنى سوار الياسمين
يأتي به رجل إليك ظننت أنك تدركين
هذا المساء: في حانة صغرى رأيتك ترقصين
تتكسرين على زنود المعجبين
تتكسرين وتدمدمين
في أذن فارسك الأمين
لحناً فرنسي الرنين
لحناً كأيامي حزين
وبدأت أكتشف اليقين
وعرفت أنك للسوى تتجملين
وله ترشين العطور وتقلعين وترتدين
ولمحت طوق الياسمين
في الأرض مكتوم الأنين
كالجثة البيضاء تدفعه جموع الراقصين
ويهم فارسك الأمين بأخذه
فتمانعين، وتقهقهين:
"لاشي يستدعي انحناءك
ذاك طوق الياسمين"
أعلى

بين أوراقي اللبنانية التي أحتفظ بها أوراق مثيرة للخيال والدهشة. أوراق
استثنائية لا أسمح لنفسي بحرقها ولا بتقطيعها. لأن إحراقها يعني إحراق نصف
تاريخي.
ولقد فكرت في هذه الأوراق كثيرا، وتساءلت إذا كان نشرها يضيء أي مساحة من
مساحات المعرفة، أو يقدم أية مادة لناقدي الأدب.
فثمة أحداث جرت خلال الأمسيات الشعرية التي قدّمتها في لبنان، تدخل في باب
(صدِّق أو لا تصدِّق).. لأنها أقرب إلى عالم الفانتازيا والخرافات.. منها
إلى عالم الواقع.
وبما أنني أعتقد أن أية حادثة تحدث لشاعر من الشعراء، يجب أن لا تُهمل، بل
يجب أن تُدرَس سوسيولوجيا، ونقديا، وعلى أضواء علم النفس، فلقد قررت أن
أستعمل شجاعتي، وأضع هذه التجارب بكل جنونها وغرابتها أمام عدسات الناقدين
ودارسي الشعر، علّها تؤدي إلى المزيد من الكشوف واستبطان التجربة الشعرية.
ان علاقة الجمهور بشاعره، قد تأخذ أشكالا مرَضية، وهيستيرية، ومتطرفة، لا
يمكن لأحد أن يقمعها أو يسيطر عليها.
وأنا حين أسمح لنفسي بنشر هذه الأحداث السريالية بكل زخمها وحرارتها
وانفجاراتها العصبية، فلأنني حريص على إضاءة كل الزوايا والوجود على مسرح
الشعر.
انني بعملي هذا أتصرف مثل أي طفل يقول لأمه كل ما لديه من اسرار دون أي
تحريف.. أو رتوش.. أو مونتاج..
فأرجو أن تثقوا بما أرويه لكم.. لأن الأطفال لا يكذبون..
التوقيع على دفاتر الأوتوغرافات ضريبة جميلة يسدد فيها الشعراء فواتير الحب
التي يقدمها لهم القرّاء والمعجبون.
بعض هذه الفواتير معقولة، وسهلة الدفع.
وبعضها مرهق،
ومستحيل التسديد.
المؤلف الأوروبي لا يعاني أية مشكلة لدى توقيع كتابه الجديد، فهو يكتفي
بالتوقيع على كتابه، دون إضافة أية عبارة عاطفية، أو تزويق رومانسي.
أما في الوطن العربي، فإن المعجبين يملون عليك النص الذي يريدونه. فإذا كان
الفتى عاشقا طلب منك أن تكتب اسم حبيبته، وعنوانها.. ورقم تليفونها..
وبيتين من الشعر يتغزلان بعينيها..
وإذا كانت الفتاة طالبة التوقيع واقعة في بحر الهوى، طلبت إليك، أن تكتب
لحبيبها، أن أمواج الحنين تتقاذفها.. (وأنها تتنفس تحت الماء..) وأنها
بحاجة إلى ذراعيه القويتين قبل (أن تغرق.. تغرق.. تغرق..).
وعبثا أحاول أن أقنع حاملي الأوتوغرافات، أنني لست ساعي بريد، ولا قاضي
غرام، ولكن كلماتي لم تكن تقنع أحدا.. لأنهم مقتنعون بمعجزات الشاعر
وكراماته، وقدرته على تحويل التراب إلى ذهب، وفك المربوط.. وإعادة المحبوب
إلى بيت الحب.. ليغني تحت شرفة الحبيبة: (ما أحلى الرجوع اليه..)..
انني أفهم جيدا هذه المطالب الانسانية، وأتعاطف معها. كما أفهم أن شعر الحب
الذي كتبته على مدى خمسين عاما، كرّسني في خيال الشباب العربي، معلّما من
معلّمي الحب، وإماما من أئمته، وفقيها من فقهائه..
لذلك أشعر في كثير من الأحيان بمسؤوليتي عن تشكيل هذه الصورة فوق الواقعية
للشاعر، وجعل الشعر أقرب إلى السحر، والتصوّف، والكهانة.
لقد ورّطتني أعمالي الشعرية في مواقف دراماتيكية لها أول وليس لها آخر..
بحيث صار من الصعب عليّ، أن أتراجع، أو أن أرمي قصائدي إلى النار.. أو
أغيّر اسمي..
الحادثة التي جرت لي في طرابلس عروسة الشمال اللبنانية عام 1973 لا تشبه
الحوادث، فهي أشبه بصاعقة ضربتني، وحوّلت أعصابي إلى أسلاك من الرماد، ودمي
إلى سائل بنفسجي..
حادثة أفقدتني توازني خلال لحظات. وأدخلتني في امتحان صعب، لا أعرف كيف
أجيب على أسئلته.. كأن ذاكرتي توقفت نهائيا عن العمل.
فبعد الأمسية الشعرية الحاشدة التي قدّمتها بدعوة من نادي الجامعيين في
الشمال، في حديقة الرابطة الثقافية في طرابلس، التفّ الجمهور الطرابلسي
حولي طالبا التوقيع على مجموعاتي الشعرية أو على دفاتر الأوتوغراف التي
يحملونها..
وقد بدأ كل شيء هادئا وطبيعيا، في هذه المدينة التي عُرفت بتراثها الثقافي
المحافظ، وعاداتها الشامية الأصيلة..
ثم جاء الزلزال على صورة سيدة مديدة القامة، سوداء العينين، بدوية الملامح،
تقدمت من خلال الحشد الكبير إلى حيث كنت أجلس، وسألتني بصوت عميق وواثق من
نفسه:
هل تسمح بأن توقّع لي؟
قلت: تكرمي.. هاتي أوتوغرافك..
قالت: ليس عندي أوتوغراف!
قلت: هاتي ورقة كلينكس..
قالت: لا أستعمل مناديل الكلينكس..
قلت: هاتي تذكرة هويتك..
قالت: ليس عندي تذكرة هوية..
قلت: هاتي ورقة من أوراق العملة اللبنانية..
قالت: ليس عندي فلوس.
قلت: إذن.. أين تريدينني أن أوقّع؟؟
قالت: على فخذي.. إذا سمحت!!
ورفعت تنورتها على الأعلى، أمام جمع غفير من الناس، دون أن يرف لها جفن..
أو يرتجف لها عَصَب..
تمالكت نفسي، وبلعت ريقي من هول المفاجأة التي أذهلتني، كما أذهلت الناس
الذين كانوا يملأون الحديقة.
كان لا بد من اتخاذ قرار سريع لمواجهة هذا التحدي الكبير، وهذا الامتحان
الذي أدخلتني فيه هذه السيدة الشجاعة والمجنونة..
فإما أن أوقّع.. وأكسب المعركة..
وإما أن أرفض، فأخون تاريخي كشاعر أعطى المرأة أجمل شعره على مدى خمسين
عاما..
وقفت ذاهلا أمام الأفق الحريري المفتوح أمامي..
وبدأت أحفر توقيعي على البرونز المشتعل، كنحّات محترف يشتغل بإتقان على
تمثال جميل، والناس من حولي ذاهلون أمام الحوار الذي يدور بين الشعر.. وبين
البرونز..
انتهت حفلة التوقيع الخرافية..
وغابت (ساندريللا الطرابلسية) بين أشجار الحديقة، دون أن أعرف من هي.. وما
هو اسمها.. وما هي مؤهلاتها الثقافية؟
كل ما أتذكر أنها سيدة جميلة، بدوية الملامح، وخارجة على القانون.
أعلى

هذا الهوى ما عاد يغريني
فلتستريحي . . ولتريحيني
إن كان حبك . . في تقلبه
ما قد رأيت .. فلا تحبيني
حبي . . هو الدنيا بأجمعها
أما هواك فليس يعنيني
أحزاني الصغرى تعانقني
وتزورني إن لم تزوريني
ما همني ما تشعرين به
إن افتكاري فيك يكفيني
فالحب عطر في خواطرنا
كالعطر في بال البساتين
عيناك . . من حزني خلقتهما
ما أنت ؟ ما عيناك ؟ من دوني
فمك الصغير أدرته بيدي
وزرعته أزهار ليمون
حتى جمالك ليس يذهلني
إن غاب من حين إلى حين
فالشوق يفتح ألف نافذة
خضراء عن عينيك تغنيني
لا فرق عندي يا معذبتي
أحببتني أم لم تحبيني
أنت استريحي من هواي أنا
لكن . . سألتك لا تريحيني
أعلى

1
توقفي .. أرجوك .. عن قراءة الفنجان حين تكونين معي ..
لأنني أرفض هذا العبث السخيف، في مشاعر الإنسان .
فما الذي تبغين، يا سيدتي، أن تعرفي ؟
وما الذي تبغين أن تكتشفي ؟.
أنت التي كنت على رمال صدري .. تطلبين الدفء والأمان ..
وتصهلين في براري الحب كحصان
ألم تقولي ذات يوم .. إن حبي لك من عجائب الزمان ؟
ألم تقولي إنني ..
بحر من الرقة والحنان ؟
فكيف تسألين، يا سيدتي،
عني .. ملوك الجان ؟
حين أكون حاضراً ..
وكيف لا تصدقين ما أنا أقوله ؟
وتطلبين الرأي من صديقك الفنجان ..
2
توقفي .. أرجوك .. عن قراءة الغيوب ..
إن كان من بشارة سعيدةٍ ..
أو خبر ..
أو كان من حمامة تحمل في منقارها مكتوب ..
فإنني الشخص الذي سيطلق الحمامه ..
وإنني الشخص الذي سيكتب المكتوب ..
أو كان يا حبيبتي من سفرٍ..
فإنني أعرف من طفولتي .. خرائط الشمال والجنوب ..
وأعرف المدائن التي تبيع للنساء أروع الطيوب ..
وأعرف الشمس التي تنام تحت شرشف المحبوب ..
وأعرف المطعم الصغير الذي تشتبك الأيدي به ..
وتهمس القلوب للقلوب ..
وأعرف الخمر التي تفتح يا حبيبتي نوافذ الغروب
وأعرف الفنادق الصغرى التي تعفو عن الذنوب
فكيف يا سيدتي ؟
لا تقبلين دعوتي
إلى بلادٍ هربتْ من معجم البلدان
قصائد الشعر بها ..
تنبت كالعشب على الحيطان ..
وبحرها ..
يخرج منه القمح .. والنساء .. والمرجان ..
فكيف يا سيدتي ..
تركتـني .. منكسر القلب على الإيوان
وكيف يا أميرة الزمان ؟ .
سافرت في الفنجان ..
3
تـوقـفـي فورا ..
فإني لست مهتما بكشف الفال ..
ولست مهتما بأن أقيم أحلامي على رمالْ
ولا أرى معنى لكل هذه الرسوم، والخطوط، والظلال ..
مادام حبي لك يا حبيبتي ..
يضربني كالبرق والزلزال ..
فما الذي يفيدك الإسراف في الخيال ؟
ما دام حبي لك يا حبيبتي
يُـطْـلِـعك كل لحظة سنابلا من ذهبٍ ..
وأنهرا من عسل .. وعطر برتقال ..
فما الذي يفيدك السؤال ؟
عن كل ما يأتيك من رسائـلٍ
وكل ما يأتيك من أطفال ..
وكيف، يا سيدتي،يفكر الرجال ..
توقـفي فـورا ..
فإني أرفض التزيـيف في مشاعر الإنسان
توقفي .. توقفي ..
من قبل أن أحطم الفنجان..
أعلى

أيا امرأةً..
من زجاج وقطن.
سأرمي بنفسي من الطابق المئتين
اكتئاباً.. وغربة
فماذا سأفعل فيك؟
ايا امرأة وضعوها بعلبة..
صحيح ..بأن ثيابك أثواب لعبة..
و مكياج وجهك مكياج لعبة..
و لكنني لست أخلط بين أمور الفراش..
و بين أمور المحبة.
أيا امرأة
وصلتني بكيس البريد..
أحاول تحريض عقلك..
من دون جدوى،
و كيف أحاول تثقيف لعبة؟؟
أيا امرأة..
صنعوها بطوكيو
لأعرف أنك وحش جميل..
و كنز جميل..
و صيد جميل..
و لكنني لا أحس بأية رغبة...
أنا آسف..
إن جرحت شعورك
لكنني..
لا أحس بأي رغبة..
فعودي إلى علبة المخمل القرمزي
فإن شروطي في الحب صعبة..
أعلى

أخاطب عقلك من غير
طائل..
أخاطب فكرك من غير طائل..
أخاطب فيك الثقافة..
من غير طائل..
و لكنني، لا أرى غير جسم مثيرٍ
و أسمع في قدميك
رنين الخلاخل
أعلى

إذا كانت الـقطة تـنام قرب المدفأه .
والحمامة تـنام إلى جانب أولادها .
والتلميذ ة تـنام فوق حقيـبتها المدرسية
والقصيدة تـنام على أي رصيف
في شوارع الحرية
فلماذا تـشدين الغطاء عن جسدي
وتـنامين وحد ك !؟؟
إذا كان إفطار الصباح
في فنادق باريس
يأتي من أجل شخصين
وجرائد الصباح
توضع تحت الباب، من أجل قارئين
فلماذا تُـفطرين وحدك ؟
لماذا تجلسين على الطرف الآخر
من الكرة الأرضية ؟
وتمارسين الحب مع الملا ئكه ..؟
إذا كانت مظلة المطر تـكفي لرأسين ..
ومقاهي (سان جرمان) تكفي لمتسكعين ..
وقطعة (الروكفور) تكفي لعصفورين
إذا كان بإمكاننا
أن نقسم رغيف (الباغيت) إلى نصفين
وزجاجة النبـيذ إلى نصفين ..
فلماذا تحتـكرين الخبز ..والجبنة .. والنبيذ..
وتأكلين شفتيك .
إذا كانت العصافير
تطير في تشكيلات جماعيه ..
والبط يسبح في تشكيلات جماعيه ..
وراقصات الباليه
يتحركن في تـشكيلات جماعيه ..
فلماذا ترقصين وحد ك ؟
وتأخذين حمامك الصباحي وحد ك ؟
وتعزفين عزفا منـفردا
على رخام جسدك الإغريقي ؟؟
إذا كان دمي أصبح من فصيلة دمك
وفمي أخذ شكل فمـك ..
وكلماتي تطـلع كالسنابل من بـين أصابعـك
إذا كانـت لغتي مفصلة على مقايـيس أنوثـتـك
وأحلامي تتطابق مع ألـوان سريـرك
فلماذا تـنامين وحد ك ؟
إذا كانت عباءة الليل
تتسع لعاشقين ..
ودفاتر الشعر تتسع لخربشات مجنونين ..
وثديُ الحرية يكفي لإرضاع طفلين ..
إذا كانت كافتـريات العالم
أصبحت الوطن القومي لعرب (الـدياسـبورا ) ..
فلماذا تجلسين في المقهى وحيد ه ؟
وتطـلبيـن فنجـانـا من القهوة
يأتيك في القرن الواحد والعشرين
فلماذا تضطهدين عصافير العالم الثالث ؟
وتخالـفين شريعة حقوق الإنسان
وتـنامين وحد ك ؟؟
إذا كانت القصيدة هي امرأة ..
واللغة هي امرأة ..
الثـقـافــة،
والحضارة،
والموسيقى
هي امرأة ..
والـقـمـر لايتـكور إلا في أحشاء امرأة ..
فـماذا سوف يحدث ؟
إذا رفعت يديـك عن العـالم ؟
وقطعت عنه مياه أنوثـتـك ..
ورطوبة بساتـيـنـك ..
وتركته يـتخبـط كثـور هـائـج
فوق رمـال ذكـورتـه ؟؟
في هذه الـبلاد الشمالية
يـتجمـد الكلام قبل أن أقـولـه
وتـتجمـد الكـتـابة قـبل أن أكـتـبها
وتـتجمد شفتاك قبل أن أصل إليهما
فأضطر إلى كسر الصقـيع عن لـغـتي
حتى تـفهمـيـني ..
وأقوم بجـرف الـثـلوج عن نهـديـك
حتى أعرف أيـن هما ؟؟
إنـني لـم أسـافـر أبـدا إلى سـيـبـيريا
ولاجـربـت عـشق السيـبـيـريـات ..
إنني بـد وي مئـة بالمئـة ..
جنـوبي مئـة بالمئـة ..
دمشقي مئـة بالمـئة ..
فإذا كنـت تعـرفـيـن تـراثي،
وجـذوري،
وسـلالاتي،
فلماذا تـنـامـين وحـد ك !؟؟
إذا كـنـت أول الـنـساء ..
وآخـرهـن ..
وكان الـشعـر يـبـتـدىء من بروكار خصـرك ..
ويـنتهي عـند سـيرامـيك قـدميـك .
إذا كانت مئـات العصافـيـر
تطلب اللجوء السياسي
إلى سرتك المرسومة بالحبر الصيني
ومئات الأسماك
تطلب الهجرة إلى مياهـك الـدافئـة ..
وإذا كنت مهتـمةً
بتـاريخ الـفتوحات الأمـويـة
فلمـاذا تـنـاميـن وحـدك !!؟؟؟؟
أعلى

أحبك جداً
و أعرف أني تورطت جداً
و أحرقت خلفي جميع المراكب ..
و أعرف أني سأهزم جداً
برغم ألوف النساء ..
و رغم ألوف التجارب ..
أحبك جداً
و أعرف أني بغابات عينيك ..
وحدي أحارب
و أني .. ككل المجانين..
حاولت صيد الكواكب ..
و أبقى أحبك .. رغم اقتناعي ..
بأن بقائي إلى الآن حياً ..
أقاوم ( عينيكِ ) .. إحدى العجائب ..
أحبك جداً ..
و أعرف اني أقامر ..
برأسي .. وأن حصاني خاسر
و ان الطريق لبيت أبيكِ ..
محاصرةٌ بألوف العساكر ..
و أبقى أحبكِ .. رغم يقيني
بأن التلفظ بأسمك كفرٌ
و أني أحارب .. فوق الدفاتر ..
أحبك جداً ..
و أعرف أن هواكِ إنتحار
و أني حين سأكمل دوري
سيرخى علي الستار ..
و ألقي برأسي على ساعديك ِ
و اعرف أن لن يجئ النهار
و أقنع نفسي بأن سقوطي ..
قتيلاً على شفتيك .. انتصار
أحبك جداً ..
و أعرف منذ البداية ..
بأني سأفشل
و أني خلال فصول الرواية
سأُقتل
و يحمل رأسي إليك
و أني سأبقى ثلاثين يوماً
مسجى كالطفل على ركبتيك ..
و أفرح جداً .. بروعة تلك النهاية ..
أعلى

إذا أتى الشتاء..
وحركت رياحه ستائري
أحس يا صديقتي
بحاجة إلى البكاء
على ذراعيك..
على دفاتري..
إذا أتى الشتاء
وانقطعت عندلة العنادل
وأصبحت ..
كل العصافير بلا منازل
يبتدئ النزيف في قلبي .. وفي أناملي
كأنما الأمطار في السماء
تهطل يا صديقتي في داخلي..
عندئذ .. يغمرني
شوق طفولي إلى البكاء ..
على حرير شعرك الطويل كالسنابل..
كمركب أرهقه العياء
كطائر مهاجر..
يبحث عن نافذة تضاء
يبحث عن سقف له ..
في عتمة الجدائل ..
إذا أتى الشتاء..
واغتال ما في الحقل من طيوب..
وخبأ النجوم في ردائه الكئيب
يأتي إلى الحزن من مغارة المساء
يأتي كطفل شاحب غريب
مبلل الخدين والرداء..
وأفتح الباب لهذا الزائر الحبيب
أمنحه السرير .. والغطاء
أمنحه .. جميع ما يشاء
من أين جاء الحزن يا صديقتي ؟
وكيف جاء؟
يحمل لي في يده..
زنابقا رائعة الشحوب
يحمل لي ..
حقائب الدموع والبكاء..
أعلى

فشلت جميع محاولاتي
في أن أفسر موقفي
فشلت جميع محاولاتي
مازلت تتهمينني
كأني هوائي المزاج، ونرجسي
في جميع تصرفاتي
مازلت تعتبرينني
كقطار نصف الليل .. أنسى دائما
أسماء ركابي، ووجه زائراتي
فهواي غيب
والنساء لدي محض مصادفات
مازلت تعتقدين .. أن رسائلي
عمل روائي .. وأشعاري
شريط مغامرات
وبأنني أستعمل أجمل صاحباتي
جسراً إلى مجدي .. ومجد مؤلفاتي
مازلت تحتجين أني لا احبك
كالنساء الأخريات
وعلى سرير العشق لم أسعدك مثل الأخريات
آه من طمع النساء
وكيدهن
ومن عتاب معاتباتي
كم أنت رومانسية التفكير، ساذجة
التجارب
تتصورين الحب صندوقاً مليئاً
بالعجائب
وحقول جاردينيا
وليلا لا زوردي الكواكب
مازلت تتشرطين
أن نبقى إلى يوم القيامة عاشقين
وتطالبين بأن نظل على الفراش ممددين
نرمي سجائرنا ونشعلها
وننقر بعضنا كحمامتين
ونظل أياما .. وأياما
نحاور بعضنا بالركبتين
هذا كلام مضحك
أنا لست أضمن طقسي النفسي بعد دقيقتين
ولربما يتغير التاريخ بعد دقيقتين ونعود
في خفي حنين
من عالم الجنس المثير
نعود في خفي حنين
فشلت جميع محاولاتي
في أن أفسر موقفي
فشلت جميع محاولاتي
فتقبلي عشقي على علاته
وتقبلي مللي .. وذبذبتي .. وسوء تصرفاتي
فأنا كماء البحر في مدي وفي جزري
وعمق تحولاتي
إن التناقض في دمي وأنا أحب
تناقضاتي
ماذا سأفعل يا صديقة
هكذا رسمت حياتي
منذ الخليقة .. هكذا رسمت حياتي
أعلى

زارني في مكتب في بداية السبعينات، ثلاث راهبات من احدى مدارس الأشرفية
في بيروت.
وأخبرتني رئيسة القسم الثقافي، أن تلميذات المدرسة يتابعن شعري في صف
اللغة العربية، باهتمام كبير. ويأملن أن أقبل دعوتهن كي ألقي شعري على
طالبات الصفوف العالية، بحيث يستمعن إلى الشاعر عن قرب، ويتحدثن اليه،
ويطرحن عليه ما يدور ببالهن من أسئلة.
وتحمست حماسا كبيرا للدعوة، لأنها تدخلني إلى عالم من النقاء والطهارة
كنت أظن أنه يرفضني، ويعترض على جرأة قصائدي.
وذهبت في الموعد المقرر إلى الأمسية، وقلبي يضرب في صدري كعصفور خائف،
بعد أن قضيت أياما أنخلُ فيها قصائدي بيتا بيتا.. وأراقب حروفي مراقبة
صارمة، حتى أكون على مستوى المكان المقدس الذي دعاني، وحتى لا أجرح
نقاء القوارير.
ومرّت الأمسية على أحسن وجه، وشعرت أنني استطعت أن أشد (الفرامل) بقوة،
وأن اختياري للقصائد كان اختيارا دبلوماسيا ومتوازنا..
وعندما انتهت الأمسية، ودخلت إلى غرفة المديرة لتناول الشاي، قالت لي
مديرة القسم الثقافي على استحياء:
لقد أسعدتنا يا أستاذ بقصائدك الرائعة، ولكننا كنا نتمنى – تلميذاتي
وأنا – أن تُسمعنا قصيدتك المؤثّرة (حُبْلى)..
تصبّب العرق البارد من جبيني، حين سمعت ما قالته الراهبة المحترمة،
وسألتها وفي عينيَّ تلتمع بروق الدهشة:
حُبْلى.. حُبْلى.. حُبْلى!! هذه قصيدة قديمة جدا.. ولكن هل تعتقدين يا
حضرة الراهبة أن هذا المكان يحتمل قراءة مثل هذه القصيدة الجريئة؟؟.
شعرت الراهبة باضطرابي، فأجابتني بكل هدوء وثقة:
ولماذا لا.. يا حضرة الشاعر؟ ان قصيدتك (حُبْلى) هي واحدة من أكثر
قصائدك أخلاقية، وسموا. وهي عبرة شعرية لكل فراشة مهددة بالسحق.. ولكل
وردة مهددة بالاغتصاب..
وعلى فكرة، سوف يسعدك أن تعلم أن أكثر تلميذاتنا يحفظن قصيدتك عن ظهر
قلب.. وكم كان يسعدهن لو استمعن إلى القصيدة بصوتك!!.
وغادرت مدرسة الراهبات، وأنا مأخوذ بهذا التفسير العميق الذي قدمته
الراهبة المسؤولة عن القسم الثقافي لقصيدتي.
وفي السيارة التي أعادتني إلى منـزلي، بدأت أدمدم بغبطة عامرة أبيات
القصيدة التي كتبتها في الخمسينات، وتُرجمت إلى اللغة الروسية، لأنها
من أكثر قصائدي التزاما بالإنسان، ودفاعا عن المعذّبات في الأرض..

لا تمتقع !
هي كلمة عجلى
إني لا أشعر أنـني حُبلى ..
وصرخت كالملسوع بي ..
"كلا"..
سنُـمَـزِّقُ الطفلا ..
وأخذت تشتـمـني ..
وأردت تطردني ..
لا شيء يـدهـشني ..
فلقد عرفتك دائما نذلا ..
وبعثـت بالخدام يدفعني ..
في وحشة الـدربِ
يا من زرعت العار في صُلبي
وكسرت لي قلبي ..
ليقول لي :
" مولاي ليس هـنا .."
مولاه ألف هـنا ..
لكنه جبنا ..
لمّا تأكـدَ أنـني حبلى ..
ماذا .. أتبصقني ؟
والقيءُ في حلـقي يـدمـرني
وأصابع الغــثــَيان تخــنـقــني ..
ووريـثـك المشؤوم في بـدني
والعار يسحقـني ..
وحقـيقة سوداء .. تملـؤني
هي أنني حبلى ..
ليراتك الخمسون ..تضحكني ..
لمن الـنقود .. لمن ؟
لِـتـُجـهِـضَـني ؟
لِـتخيط لي كفني ؟
هذا إذن ثمني ؟
ثمن الوفا يا بـؤرة العـفـن ..
أنا لم أجِئك لمالك الـنـتـنِ ..
"شكرا .."
سأسقـط ذلك الحَـمْـلا
أنا لا أريد له أبا نـذلا ..
أعلى

أتريدين إذ وجدت العشيقا...
أتريدين أن أكون صديقا...
وتقولينها بكل غبــاء
بؤبؤا جامدا ووجها صفيقا
موقفي تعرفينه .. فتواري
عن طريقي يا من أضعتي الطريقا
مضحك ما اقترحت .. يا بهلوانا
يستحق الرثاء .. لا التصفيقا
أصديق .. وبعد خمس سنين...
كنت فيها الشذا وكنت الرحيقا
ياله من منطق النساء .. أمثلي
يقبل الآن أن يكون صديقــا
إسألي ناهديك عن بصماتي
كل نهد ،أشعلت فيه حريقا
هكذا بين ليلة وضحاهـــا
نتلاقى شقيقة .. وشقيقـــا
فكأني لم أملأ الصدر لوزا
وعلى الثغر ما سكبت العقيقا
إطمئني .. فلن ازور نفسي
قدر النسر أن يظل طليقــا
ابدا .. لن أكون قطا أليفا
تستضيفينه .. وثوبا عتيقا
سيدا كنت .. في مقاصير حبي
ومن الصعب أن أصير رقيقا
أعلى

في جواري اتخذت مقعدها
كوعاء الورد في اطمئنانها
وكتاب ضارع في يدها
يحصد الفضلة من إيمانها
يثب الفنجان من لهفته
في يدي، شوقا إلى فنجانها
آه من قبعة الشمس التي
يلهث الصيف على خيطانها
جولة الضوء على ركبتها
زلزلت روحي من أركانها
هي من فنجانها شاربة
وأنا أشرب من أجفانها
قصة العينين .. تستعبدني
من رأى الأنجم في طوفانها
كلما حدقت فيها ضحكت
وتعرى الثلج في أسنانها
شاركيني قهوة الصبح .. ول
تدفني نفسك في أشجانها
إنني جارك يا سيدتي
والربى تسأل عن جيرانها
من أنا .. خلي السؤالات أنا
لوحة تبحث عن ألوانها
موعدا .. سيدتي! وابتسمت
وأشارت لي إلى عنوانها..
وتطلعت فلم ألمح سوى
طبعة الحمرة في فنجانها
أعلى

بديوان (الرسمُ بالكلمات) دخلت مغامرة النشر في بيروت.
كان الديون يحمل نكهة اسبانية حارقة..
فقد كتبت هذا الديوان خلال اقامتي في اسبانيا، وكانت كلماته مشتعلة
ومتوترة كلعبة مصارعة الثيران الاسبانية بكل ما فيها من عنف، وقسوة،
ودماء، ورمال.. وكمشهد الراقصة الاسبانية وهي تضرب الأرض بكعب حذائها،
فيتطاير الشرر الأحمر ليُحرق الصالة والمشاهدين..
وكان فيه أيضا إيقاعات أوبرا (كارمن) للموسيقار بيزيه بكل دراماتيكيتها
وتطرّفها وروحها الغجرية..
ولأن بعض قصائد الديوان كانت معجونة بالشطّة الحمراء.. وتوابل الجنوب
الاسباني، وشراسة الثيران المقاتلة، فقد أثار لدى صدوره ضجةّ نقدية
عنيفة، وقرع أجراس الفضيحة الشعرية.. ولا سيما القصيدة الأولى في
الكتاب الذي حملت اسمه، واستعملها نقّاد السوق السوداء ليؤكدوا ساديّتي
ونظرتي الجاهلية إلى المرأة.. باعتبارها شيئا من الأشياء، ودميةً من
الخَزَف أتسلى بها لبعض الوقت.. ثم أكسرها..
(فصّلتُ من جِلد النساء عباءةً
وبنيتُ أهراماً من الحَلَمات..)
هذا البيت من القصيدة، أصبح وثيقة جنائية في ملفي الأدبي والاجتماعي،
يستعملها أنصاف النقاد وأنصاف الصحافيين للتشهير بي، فما أن أدخل إلى
مكان عام، حتى يشيروا اليّ قائلين: (هذا الذي فصّلَ من جلد النساء
عباءةً..)، وما أن أجلس في أي مقهى، حتى تتردد الأغنية نفسها.
وبما أنه لا يصح في النهاية سوى الصحيح، فقد خسر الانكشاريون وبائعو
النقد المتجوّلون قضيتهم.. ونفد ديوان (الرسمُ بالكلمات) من الأسواق
خلال أيام معدودات.
قصيدة (الرسمُ بالكلمات) من أجمل قصائدي صياغة، وأكثرها جرأة واقتحاما.
بل هي قصيدة أخلاقية، ولم يكن الجنس فيها سوى قناع خارجي للتشويق.
انها وحدة إبداعية لا تتجزأ على طريقة (لا تقربوا الصلاة..) بل تُقرأ
كعمل درامي بكل فصوله ومواقفه.
انها مسرحية بثلاثة فصول تتداخل مع بعضها تداخلا عضويا ولغويا وشعريا.
أما المتفرجون الذين شاهدوا الفصل الأول من المسرحية، وذهبوا إلى
المقهى ليمارسوا الثرثرة والنقد العشوائي، فانهم بشهادتهم أشبه
(بالشاهد اللي ما شفش حاجة..).
انني لا أريد هنا أن أنفيَ شيئا.. أو أن أُثبتَ شيئا.. فليس من مهمة
الشاعر أن يلبس ثوب المحامين، للدفاع عن قصيدته. فالقصيدة تعرف دائما
كيف تدافع عن نفسها..
وخلاصة القول، إن كل قصيدة يكتبها شاعر، يمكن استعمالها ضده.. وضد
الشعر.. وضد الحقيقة..
إن الناقد المتطفّل على المهنة، كالصيدلي الدجّال الذي يركّب الدواء
دون أن يعرف شيئا في علم الكيمياء وطبيعة وخصائص المواد التي يستعملها،
فينسف المختبر.. ويقتل مرضاه.. ويقتل نفسه..
وكم في مختبرات النقد العربي من كُتَّاب بالسخرة.. أو بالقطعة.. لا
يحملون شهادة أو ترخيصا بمزاولة العمل، حوّلوا مهنة النقد إلى مهنة
تُشبه مهنة حفّاري القبور!!.
أعلى

لا تـطـلبي مني حساب حيـاتي
إن الحديث يطول يا مـولاتي ..
كل العصور أنا بها .. فكأنما
عمري ملايـيـنٌ من السنوات
تـَعـِبَت من السفر الطويل حقـائـبي
وتعبـتُ من خيـلي ومـن غزواتي
لم يـبق نـهـدٌ أبـيـضٌ .. أو أسـودٌ
إلا زرعتُ بأرضه راياتي ..
لم تـبق زاوية بجسم جميـلةٍ
إلا ومَرّتْ فـوقها عرباتي
فَـصّـلـتُ من جلد النساء عباءةً
وبـنـيـت أهراما من الحلمات ..
وكتـبت شعرا لا يشابهُ سحرهُ
إلا كلام الله في التوراةِ
واليوم أجلس فوق سطح سفينـتي
كاللص، أبحث عن طريق نجاةِ
وأدير مفتاح الحريم .. فلا أرى
في الظلّ، غير جماجم الأموات
أين السبايا ؟ أين ما ملكت يدي؟
أين الـبخور يـضُوع من حجراتي؟
اليوم .. تـنـتـقم النـهود لنفسها
وترد لي الطعنات بالطعنات ِ
مأساة هارون الرشيد مريرة ٌ
لو تـُدركين مرارة المأساةِ
إني كمصباح الطريق .. صديـقـتي
أبكي، ولا أحدٌ يرى دمعاتي
الجنسُ .. كان مسكّـنا جرّبـتـُه
لم يُـنـهِ أحزاني، ولا أزماتي
والحب .. أصبح كله مـتـشابها
كتـشابه الأوراق في الغابات
أنا عاجـزٌ عن عشق أيّـة نمـلـةٍ
أو غيمةٍ، عن عشق أيّ حصاة
مارستُ ألـف عبادةٍ وعبادة
فـوجدت أفـضلها عبادة ذاتي !
فمك المـطّيب ..لا يحل قـضيتي
فـقـضـيـتي في دفـتري ودَواتي
كل الدروب أمامنا مسدودة ٌ
وخلاصُـنا في الرسم بالكلمات..
أعلى

فَرَشتُ أهدابي.. فلن تتعَبي
نُزْهتنا على دمِ المغربِ
في غيمةٍ ورديّـةٍ.. بيتـُنــا
نَسْبَحُ في بريقها المُذْهَبِ
يسوقُنا العطرُ كما يشتهي
فحيثُما يذهبْ بنا.. نَذْهَبِ..
خذي ذراعي.. دربُنا فضّهٌ
ووعدُنا في مخدعِ الكوكبِ
أرجوكِ.. إنْ تمسّحتْ نجمةٌ
بذيلِ فستانكِ.. لا تغضبي
فإنها صديقةٌ .. حاولتْ
تقبيلَ رِجليكِ، فلا تعتبي
ثِقي بحُبّي .. فهو أقصوصةٌ
بِأَدْمُعِ النجومِ لم تُكْتَبِ
حُبِّي بِلَونِ النار.. إنْ مرةً
وَشْوَشْتُ عنه الحبَّ، يَسْتَغْرِب
لا تَسأَليني..كيفَ أَحْبَبْتَني؟
يَدفعني إليكِ شوقٌ نــبي..
و اللهِ إنْ سَأَلتِني نجمةً
قَلَعْتُها من أُفْقِها .. فاطلبي
هل كان ينمو الوردُ في قمّتي؟
لو لم تهلّي أنتِ في ملعبي
و مطلبي لَديكِ ما يطلبُ
العصفورُ عند الجدولِ المعشبِ
و أنتِ لي، ما العطرُ للوردة
الحمراء، لا أكونُ إنْ تذهبي ..
أعلى

عامان .. مرا عليها يا مقبلتي
وعطرها لم يزل يجري على شفتي
كأنها الآن .. لم تذهب حلاوتها
ولا يزال شذاها ملء صومعتي
إذ كان شعرك في كفي زوبعة
وكان ثغرك أحطابي .. وموقدتي
قولي. أأفرغت في ثغري الجحيم وهل
من الهوى أن تكوني أنت محرقتي
لما تصالب ثغرانا بدافئة
لمحت في شفتيها طيف مقبرتي
تروي الحكايات أن الثغر معصية
حمراء .. إنك قد حببت معصيتي
ويزعم الناس أن الثغر ملعبها
فما لها التهمت عظمي وأوردتي؟
يا طيب قبلتك الأولى .. يرف بها
شذا جبالي .. وغاباتي .. وأوديتي
ويا نبيذية الثغر الصبي .. إذا
ذكرته غرقت بالماء حنجرتي..
ماذا على شفتي السفلى تركت .. وهل
طبعتها في فمي الملهوب .. أم رئتي؟
لم يبق لي منك .. إلا خيط رائحة
يدعوك أن ترجعي للوكر .. سيدتي
ذهبت أنت لغيري .. وهي باقية
نبعا من الوهج .. لم ينشف .. ولم يمت
تركتني جائع الأعصاب .. منفردا
أنا على نهم الميعاد .. فالتفتي.
أعلى

مزقيها..
كتبي الفارغة الجوفاء إن تستلميها..
والعنيني .. والعنيها
كاذبا كنت .. وحبي لك دعوى أدعيها
إنني أكتب للهو.. فلا تعتقدي ما جاء فيها
فأنا - كاتبها المهووس - لا أذكر ما جاء فيها ..
اقذفيها ..
اقذفي تلك الرسالات .. بسل المهملات
واحذري..
أن تقعي في الشرك المخبوء بين الكلمات
فأنا نفسي لا أدرك معنى كلماتي
فكري تغلي..
ولا بد لطوفان ظنوني من قناة
أرسم الحرف
كما يمشي مريض في سبات
فإذا سودت في الليل تلال الصفحات
فلأن الحرف، هذا الحرف جزء من حياتي
ولأني رحلة سوداء في موج الدواة
أتلفيها ..
وادفني كل رسالاتي بأحشاء الوقود
واحذري أن تخطئي..
أن تقرئي يوما بريدي
فأنا نفسي لا أذكر ما يحوي بريدي!..
وكتاباتي،
وأفكاري،
وزعمي،
ووعودي،
لم تكن شيئا، فحبي لك جزء من شرودي
فأنا أكتب كالسكران
لا أدري اتجاهي وحدودي
أتلهي بك، بالكلمة، تمتص وريدي
فحياتي كلها..
شوق إلى حرف جديد
ووجود الحرف من أبسط حاجات وجودي
هل عرفت الآن ما معنى بريدي؟
أعلى

صار عمري خمس عشرة
صرت أحلى ألف مرة
صار حبي لك أكبر
ألف مرة..
ربما من سنتين
لم تكن تهتم في وجهي المدور
كان حسني بين بين ..
وفساتيني تغطي الركبتين
كنت آتيك بثوبي المدرسي
وشريطي القرمزي
كان يكفيني بأن تهدي إلي
دمية .. قطعة سكر ..
لم أكن أطلب أكثر
وتطور..
بعد هذا كل شيء
لم أعد أقنع في قطعة سكر
ودمي .. تطرحها بين يدي
صارت اللعبة أخطر
ألف مرة..
صرت أنت اللعبة الكبرى لدي
صرت أحلى لعبة بين يدي
صار عمري خمس عشره..
صار عمري خمس عشره
كل ما في داخلي .. غنى وأزهر
كل شيء .. صار أخضر
شفتي خوح .. وياقوت مكسر
وبصدري ضحكت قبة مرمر
وينابيع .. وشمس .. وصنوبر
صارت المرآة لو تلمس نهدي تتخدر
والذي كان سويا قبل عامين تدور
فتصور ..
طفلة الأمس التي كانت على بابك تلعب
والتي كانت على حضنك تغفو حين تتعب
أصبحت قطعة جوهر..
لا تقدر ..
صار عمري خمس عشره
صرت أجمل ..
وستدعوني إلى الرقص .. وأقبل
سوف ألتف بشال قصبي
وسأبدو كالأميرات ببهو عربي..
أنت بعد اليوم لن تخجل في
فلقد أصبحت أطول ..
آه كم صليت كي أصبح أطول..
إصبعا .. أو إصبعين..
آه .. كم حاولت أن أظهر أكبر
سنة أو سنتين ..
آه .. كم ثرت على وجهي المدور
وذؤاباتي .. وثوبي المدرسي
وعلى الحب .. بشكل أبوي
لا تعاملني بشكل أبوي
فلقد أصبح عمري خمس عشرة.
أعلى

كفي عن الكلام يا ثرثارة
كفي عن المشي على أعصابي المنهارة
ماذا اسمي كل ما فعلته
سادية .. نفعية
قرصنة .. حقارة
ماذا اسمي كل ما فعلته ؟
يا من مزجت الحب بالتجارة
والطهر بالدعارة
ماذا اسمي كل ما فعلته ؟
فإنني لا أجد العبارة
أحرقت روما كلها
لتشعلي سيجارة
أعلى

إن كنتَ صديقي.. ساعِدني
كَي أرحَلَ عَنك..
أو كُنتَ حبيبي.. ساعِدني
كَي أُشفى منك
لو أنِّي أعرِفُ أنَّ الحُبَّ خطيرٌ جِدَّاً
ما أحببت
لو أنِّي أعرفُ أنَّ البَحرَ عميقٌ جِداً
ما أبحرت..
لو أنِّي أعرفُ خاتمتي
ما كنتُ بَدأت..
إشتقتُ إليكَ.. فعلِّمني
أن لا أشتاق
علِّمني كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق
علِّمني كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداق
علِّمني كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق
إن كنتَ قويَّاً.. أخرجني
من هذا اليَمّ..
فأنا لا أعرفُ فنَّ العوم
الموجُ الأزرقُ في عينيك.. يُجرجِرُني نحوَ الأعمق
وأنا ما عندي تجربةٌ
في الحُبِّ .. ولا عندي زَورَق
إن كُنتُ أعزُّ عليكَ فَخُذ بيديّ
فأنا عاشِقَةٌ من رأسي حتَّى قَدَمَيّ
إني أتنفَّسُ تحتَ الماء..
إنّي أغرق..
أغرق..
أغرق..
أعلى

حبيبتي، إن يسألوكِ عني
يوماً، فلا تفكري كثيرا
قولي لهم بكل كبرياء
" يحبني .. يحبني كثيرا "
صغيرتي إن عاتبوكِ يوماً
كيف قصصتِ شعركِ الحريرا
وكيف حطمتِ إناء طيب
من بعدما ربيتِـه شهوراً
وكان مثلَ الصيفِ في بلادي
يوزع الظلالَ والعبيرا
قولي لهم : " أنا قصصتُ شعري
" لأن من أحبّهُ .. يحبهُ قصيرا ..
أميرتي، إذا معــاً رقصـنا
على الشموع لحنَنَا الأثيرا
وحـولَ البيبانُ في ثواني
وجودَنـا .. أشعهً ونورا
وظنكِ الجميعُ في ذراعي
فراشةً تهمُ أن تطيرا
فواصلي رقصكِ في هدوءٍ
وأتخذي من أضلعي سريرا
وتمتمي بكل كبـريــاء
" يُحبُني .. يُحبُني كثيرا .. "
حبيبتي.. إن أخبروكِ أني
لا أملكُ العبيـدَ والقصورا
وليس في يدي عقد ماس
به أحيط جيدكِ الصغيرا
قولي لهم بكل عنفوان
ياحبي الأول والأخيرا
قولي لهم : كفــاني
بأنه يُحبُني كثيـرا
حبي لعينيك أنا كبيرٌ
وسوفَ يبقى دائماً كبيـرا
أعلى

الإقامة الطويلة في المكان الواحد تجفف ماء القلب. والشعر هو أكثر
الفنون ضجرا من نفسه، ومن العادات التي يكتسبها م مرور الزمن. إن تمثال
الغرانيت يبقى خمسين عاما مرتاحا على قاعدته.. ومقتنعا بتناسق أعضائه
وكمال تكوينه. إنه لا يفكر بفعل شيء للخروج من مرحلة الثبات المفروضة
عليه، ولا يفكر في الانقلاب على حالته الحجرية.
وابتسامة (الجوكندا) هي الأخرى.. ظلت بنفس الحجم الذي أراده لها
ليوناردو دا فينتشي.. فلم تكبر سنتمترا.. ولم تصغر سنتمترا..
هذا الضجر الشعري ينتابني كلما فرغت من إصدار مجموعة شعرية جديدة. وحين
أخرج من باب المطبعة أشعر أنني أنهيت دورة شعرية، وأبدأ بالبحث عن مدار
آخر..كي لا اضطر للدوران حول نفسي.
كل مجموعة شعرية هي مجموعة من العادات المكتسبة. ولذا كلما انتهيت من
نشر ديوان جديد.. أحاول أن أتخلص من عاداتي القديمة لأكتسب عادات
جديدة..
إنني إنسان ملول.. غير أنني أعتقد أن الملل الفني ظاهرة صحية ومرغوب
فيها، لأنها تنقذ الفنان من تكرار نفسه، ومن تراكم الصدأ على دفاتره..
كلما طلع نهار جديد علي، أشعر أن فني بحاجة إلى تهوية، وأبدأ بالعمل
على هذا الأساس.
هذا التململ الشعري بدأ يطاردني بعد أن أصدرت مجموعتي (الرسم بالكلمات)
عام 1966. ومنذ ذلك التاريخ بدأت أسأل نفسي: ثم ماذا؟
إن صورة الحب كما رسمتها للناس في (طفولة نهد) و(حبيبتي) و(أنت لي)..
قد تهزهزت.. وغامت ألوانها.. وأصبحت غير قادرة على استيعاب الصورة
العصرية المتطورة للحب.
فالحب يأخذ في كل يوم شكلا جديدا.. وحجما جديدا.. والمرأة العربية تكسر
في كل يوم حلقة من الحلقات الحديدية التي تكبل قدميها.. والرجل العربي
يخسر في كل يوم موقعا من مواقعه، وقلعة من قلاع إقطاعه.. ويضطر إلى
التراجع أمام حرية المرأة التي تكبر.. وامتيازاته التي تصغر..
إذن فالحب مادة سريعة التحول. وعشقنا اليوم لا يشبه عشقنا البارحة.
والكلام عن الحب، هو الآخر يتحول، فالعشق على طريقة المنفلوطي،
والمغازلة على طريقته، نكتة قديمة لا تثير مخيلة أية امرأة تلبس
البلوجين.. وتضع عشرات الخواتم في أصابعها.. وتقود سيارتها المكشوفة
بسرعة فهد إفريقي يطارد فريسة..
هاجمني الملل من أشكالي القديمة عام 1968، وبدأت كالسجناء أحفر الأنفاق
تحت الأرض للخروج إلى برية أكثر اتساعا.. وبحار أكثر انفتاحا على
الحرية.
وكانت التجربة الأولى (كتاب الحب) الصادر عام 1970.
و(كتاب الحب) هو محاولة لكتابة القصيدة العربية بشكل جديد، وإلباسها
ثوبا عصريا ومريحا وعمليا، بعد أن أرهق جسد القصيدة العربية طوال
العصور بأثواب مفرطة في طولها واتساعها ورداءة قصها.
والواقع أن القطاع الأكبر من شعرنا العربي التقليدي، استهلك من القماش
اللغوي ما يكفي لكساء كل سكان الصين..
هذا التبذير في استعمال اللغة إلى درجة الإنهاك، جعل قصائدنا –
كعباءاتنا – لا يسكن فيها جسد صاحبها فحسب، وإنما جسد القبيلة كلها.
ويا طالما بحثت منذ أن بدأت في كتابة الشعر عن معادلة شعرية، يكون فيها
اللابس والملبوس قطعة واحدة، ليس فيها نتوءات، ولا حواشي، ولا زوائد
بلاغية متهدلة.
كنت دائما أحلم بشعر عربي، تكون فيها مساحة الكلمة بمساحة الانفعال،
وحجم الصوت الشعري بحجم فم الشاعر.. وبحجم هواجسه.
كنت أؤمن أن الشعر هو خلاصة الخلاصة، وأن أي محاولة من الشاعر لمط صوته
بطريقة مسرحية، يخرجه من حديقة الشعر، ويدخله في سراديب الثرثرة
الشعرية.
الثرثرة الشعرية هي فجيعة شعرنا العربي، ونظرة واحدة إلى أهرامات
القصائد العربية العصماء، توضح لنا أننا تكلمنا أكثر من اللازم..
الشعر هو خلاصة الخلاصة، كما قلت. لذلك كان أعظم الشعراء هم أولئك
الذين كتبوا بيت شعر واحدا.. وماتوا بعده مباشرة..
ليس من وظيفة الشعر أن يشرح كل شيء. وبكلمة أدق.. أن يقتل كل شيء..
الشرح الطويل عمل من أعمال الببغاوات، والعجائز، ونشرات الأخبار.
اللعبة الشعرية لعبة إشارات ضوئية. واللاعب الكبير فيها هو الذي يحتفظ
بالقدرة على الصمت.. ويعرف متى يلقي ورقة الدهشة.
في (كتاب الشعر) تؤدي اللفظة الشعرية عمل جهاز الإضاءة (الفلاش) في
كاميرا التصوير. ويصبح الشعر إضاءة سريعة عمرها ثانية أو جزء من أجزاء
الثانية.
(كتاب الحب) أتعبني واستهلكني. فلقد اشتغلت عليه كما لم أشتغل على أي
كتاب صدر لي من قبل..
مزقت عشرات المسوّدات، ورميت عشرات التصاميم، وكانت قصيدة تتألف من
مقطعين، تأخذ مني شهرين من العمل. ومن خلال عملية الشطب، والتمزيق،
عرفت وجعا جديدا لم أعرفه في كل تاريخي الشعري. إنه وجع الإيجاز.
وبدأت أجرب تأثير هذه القصائد على الناس.
وأعترف أن الناس في البدء، لم يستطيعوا التقاط هذه القصائد المكتوبة
على الموجة القصيرة. لأن الطرب العربي طرب طويل النفس.. والأذن العربية
لا تصل إلى حالة (السلطنة) إلا بعد جرعات كبيرة من التقاسيم على آلات
العزف اللغوية والبلاغية..
ومع تكرار التجربة، وتكرار القراءات من (كتاب الحب) في كل أمسية شعرية
أقدمها، وبنتيجة تصميمي على تغيير صورة الطرب القديمة، بصورة أخرى أكثر
حضارة وأكثر معاصرة.. بدأ الجمهور يستريح، وينسجم، ويستعمل (أذنا
جديدة) لسماع الشعر.
ثم جاء كتابي (مئة رسالة حب) ليتقدم خطوة أخرى نحو الحرية..
في هذا الكتاب المكتوب على شكل رسائل، سقطت الأشكال الخارجية للشعر
سقوطا نهائيا. تكسر الجبس، وتفتت السيراميك، واختفت التفعيلات
والقوافي، وكل البراويز والديكورات الكوفية التي ترهق العين كجدران
قاعة شرقية..
ومن خلال تعاملي مع الكلمات، وتأملي للإمكانيات الموسيقية غير المحدودة
المخبوءة تحت جلد المفردات، ولألوف الإيقاعات المحتملة التي يمكن أن
يفجرها الكاتب من تربة اللغة وطبقاتها السفلية، تكشف لي أن الخط الصارم
الذي تعودنا أن نرسمه بين الشعر والنثر هو خط وهمي، وأن (قصيدة –
النثر) التي تبرأنا منها ذات يوم، وأسقطنا حقوقها المدنية، واعتبرناها
طفلا مجهول النسب.. قد استردت شرعيتها، وجواز سفرها، وأصبحت عضوا
أساسيا في (نادي الشعر).
إن عضوية نادي الشعر.. لم تعد – كما كانت في الثلاثينات – وقفا على من
يعرفون قواعد العروض، ويحملون بطاقة توصية من (الخليل بن أحمد
الفراهيدي).. ويحسنون النظم ضمن حدود المدرج الموسيقي الذي رتبه وبوبه.
إن المنظور الشعري قد تغير تماما، والمقاييس الهندسية التي كنا نعتمدها
لتفريق الشعر عن النثر، لم تعد مقاييس صحيحة ولا مقبولة في هذا العصر.
فقصيدة مكتوبة على البحر الكامل، أو الوافر، أو البسيط.. ومستوفية كل
المواصفات العروضية، وكل القواعد التقنية المطلوبة، قد تسقط سقوطا
شعريا مفجعا، أمام قصيدة من قصائد النثر.. تقنعك منذ اللحظة الأولى
بحضورها الشعري.
لقد كنت أشعر وأنا أكتب (100 رسالة حب)، شعور حصان يركض في برية لا
يحدها شيء.. وللمرة الأولى في حياتي، أخذت إجازة من الأصول الشعرية،
ومن أنظمة السير الخليلية الصارمة، التي جعلت التنقل في شوارع الشعر،
كالتنقل في شوارع بيروت.. عملا انتحاريا..
إن قصيدة النثر هي ثمرة من ثمار الحرية.. ونتيجة من نتائج الثورات
الثقافية، والسياسية التي تحرث تراب هذا الكوكب، وصورة لهذا العصر
الطموح، الذي يغير جلده كل دقيقة..
وفي مجموعتي (أشعار خارجة على القانون) 1972 جربت كتابة (القصيدة
الانسيابية)، أي تلك التي تأخذ أشكالا مائية، وتتسع دوائرها الإيقاعية
كما تتسع دوائر الصوت في قاعة لا جدران لها..
وأهمية هذا الشكل الانسيابي، أو المائي، كما أحب أن أسميه، أنه لا يربط
الشاعر بنظام السلم الموسيقي للأبحر الخليلية،ولا يكبله بقواعد
(السولفيج) للعروض العربي، وإنما يعطيه مفتاح النغم الرئيسي.. ويترك له
حرية التنويع، والتوزيع، والابتكار، حسب ما تملي عليه حريته.
هذه التجربة أجريتها على قصائد (تنويعات موسيقية عن امرأة متجردة)
و(قصيدة غير منتهية في تعريف العشق) و(بيروت والحب والمطر)
و(الاستحالة) و(محاولة لاغتيال امرأة) و(الالتصاق).
إنها تجربة مريحة، لأنها تحرر الشاعر من الأشكال الصمغية التي التصق
بها والتصقت به.. وتفتح الأبواب أمامه ليلعب لعبة الحرية..
قد يقال إن الحرية خطر على الشعر، وإن فتح الأبواب على مصراعيها
للداخلين والخارجين، سيجعل الشعر مسرحا للعبث والفوضى، وأرضا للمغامرين
والمتطفلين..
إنني لا أخاف على الشعر من الحرية، ومن تجاوز حدوده التاريخية
المرسومة. إن خوفي الحقيقي على الشعر هو الخوف من العبودية. فالعبودية
امرأة عاقر.. أما الحرية فامرأة تطرز العالم بالشعر والحب والأطفال..
أعلى

لم أعد داريا .. إلى أين أذهب
كل يوم أحسُ أنك أقرب
كل يوم .. يصير وجهك جزءاً
من حياتي .. ويصبحُ العمُـر أخضب
وتصير الأشكالُ أجمل شكلا
وتصيرُ الأشياء أحنى وأطيب
قد تسربت في مسامات جلدي
مثلما قطرة الندى تتسرب
إعتيادي على غيابك صعبٌ
وإعتيادي على حضورك أصعب
كم أنا كم أنا أحبك حتى
أن نفسي من نفسها تتعجب
يسكن الشعرُ في حدائق عينيك
فلولا عيناك لا شعرَ يُـكتب
منذ أحببتك الشموس استدارت
والسماواتُ صرن أنقى وأرحب
منذ أحببتُك البحارُ جميعا
أصبحت من مياه عينيك تشرب
حبك البربري أكبر مني
فلماذا على ذراعيك أتصلب؟
خطأي .. أنّـني تصورت نفسي
ملكا، يا صديقي ليس يُـغلب
وتصرفت مثل طفلٍ صغير
يشتهي أن يطول أبعد كوكب
سامحني إذا تماديتُ في الحلمِ
وألبستك الحريرَ المقصب
أتمنى لو كنت بؤبؤ عيني
أتراني طلبت ماليس يُـطلب؟
أخبرني من أنت؟ إن شعوري
كشعور الذي يطارد أرنب
أنت أحلى خرافةٍ في حياتي
والذي يتبع الخرافات يتعب
أعلى

لو كنتِ في مدريد في رأس السنة
كنا سهرنا وحدنا
في حانةٍ صغيرة
ليس بها سوانا
تبحث في ظلامها عن بعضها يدانا
كنا شربنا الخمر
في أوعية من الخشب
كنا اخترعنا ـ ربما ـ جزيرة
أحجارها من الذهب
أشجارها من الذهب
تــُـتـوّجينَ فوقها أميرة ..
لو كنتِ في مدريد في رأس السنة
كنا رأينا كيف في إسبانيا ..
أيتها الصديقة الأثيرة
تشتعل الحدائق الكبيرة
في الأعين الكبيرة
كيف تنام الوردة الحمراء في الضفيرة
كنا عرفنا لـذة الضياع في الشوارع
وجوهنا تحت المطر
ثيابنا تحت المطر
كنا رأينا في مغارات الغجر
كيف يكون الهمس بالأصابعِ
والبوح، والعتاب، بالمشاعر
وكيف للحب هنا ..
طعم الـبَـهَـارِ اللاذعِ..
لو كنتِ في مدريد في رأس السنة
كنا ذهبنا آخر الليل إلى الكنيسة
كنا حملنا شمعنا .. وزيتنا
لسيد السلام والمحبة
كنا شكونا حزننا إليه
كنا أرحنا رأسنا لـديه
لعله في السنة الجديدة
أيتها الحبيبة البعيدة
يجمعني إليك بعد غربة
في منزل،جدرانه محبة
وخبزه محبة ..
لو كنتِ في مدريد فيَ رأس السنة
كنا ملأنا المدخنة
عرائسا ملونة ..
لطفلةٍ دافئة العيون
نعيش يا حبيبتي بـوهمها ..
من قبل أن تكون ..
نبحث ياحبيبتي
عن اسمها |
من قبل ان تكون
|
كنا صنعنا تختها الصغير من ظنون
تختا من الأحلام .. والقطيفة الملونة
تنام فـيه ـ ربما ـ بعد سنة ..
لو كنتِ في مدريد في رأس السنة
أعلى

هذا كتابي الأربعـون .. ولم أزل
أحبو كـتلميـذٍ صغيـرٍ .. في هواكِ
هذا كتابي الأربعـون ..
ورغم كل شطارتي .. ومهارتي
لم يرض عني ناهـداك ..
كل اللغات قديمة جدا ..
وأضـيَـق من رؤاي ومن رؤاك ..
لا بد من لغة أفصلها عليك.. حبيبتي
لا بد من لغة تليق بمستواك ..
حلـّـقت آلاف السنين ..
وما وصلت إلى ذراك
وجلبت تيجان الملوك ..
وما حصلت على رضاك ..
وصعدت فوق الأبجدية
كي أراك ..
يا من تخيط قصائدي ثوبا لها ..
هل ممكن بين القصيدة والقصيدة
أن أراك ؟؟..
أعلى

في كل مكان في الدفتر
إسمك مكتوب بالأحمر
حبك تلميذ شيطان
يتسلى بالقلم الاحمر
يرسم اسماكا من ذهب
ونساء من قصب السكر
وهنودا حمرا وقطارا
ويحرك آلاف العسكر
يرسم طاحونا وحصانا
يرسم طاووسا يتبختر
يرسم عصفورا من نار
مشتغل الريش ولا يحذر
وقوارب صيد، وطيورا
وغروبا وردي المئزر
يرسم بالورد وبالياقوت
ويترك جرحا في الدفتر
حبك رسام مجنون
لا يرسم إلا بالأحمر
ويخربش فوق جدار الشمس
ولا يرتاح ولا يضجر
ويصور عنترة العبسي
يصور عرش الاسكندر
ما كل قياصرة الدنيا؟
مادمت معي .. فأنا القيصـر
أعلى

في وجهها يدور .. كالبرعم
بمثله الأحلام لم تحلم
كلوحة ناجحة .. لونها
أثار حتى حائط المرسم
كفكرة .. جناحها أحمر
كجملة قيلت ولم تفهم
كنجمة قد ضعيت دربها
في خصلات الأسود المعتم
زجاجة للطيب مختومة
ليت أواني الطيب لم تختم
من أين يا ربي عصرت الجنى؟
وكيف فكرت بهذا الفم
وكيف بالغت بتدويره؟
وكيف وزعت نقاط الدم؟
وكيف بالتوليب سورته
بالورد، بالعناب، بالعندم؟
وكيف ركزت إلى جنبه
غمازة .. تهزأ بالأنجم..
كم سنة .. ضيعت في نحته ؟
قل لي .. ألم تتعب .. ألم تسأم؟
أعلى

يدك التي حطت على كتفي
كحمامة نزلت لكي تشرب
عندي تساوي ألف مملكة
يا ليتها تبقى ولا تذهب
تلك السبيكة كيف ارفضها؟
من يرفض السكنى على كوكب؟
لهث الخيال على ملاستها
وانهار عند سوارها المذهب
الشمس .. نائمة على كتفي
قبلتها ألفا ولم اتعب
نهر حريري .. ومروحة
صينية وقصيدة تكتب
يدك المليسة كيف أقنعها؟
أني بها .. أني بها معجب
قولي لها تمضي برحلتها
فلها جميع .. جميع ما ترغب
يدك الصغيرة نجمة هربت
ماذا أقول لنجمة تلعب؟
أنا ساهر.. ومعي يد امرأة
بيضاء ..هل أشهى وهل أطيب؟
أعلى

تكلمي تكلمي
أيتها الجميلة الخرساء
فالحب .. مثل الزهرة البيضاء
تكون أحلى عندما
توضع في إناء
تحدثي إلي في بساطة
كالطير في السماء
والأسماك في البحار
واعتبريني منك يا حبيبتي
هل بيننا أسرار ؟
أبعد عامين معا ؟
تبقى لنا أسرار
تحدثي
عن كل ما يخطر في بالك من أفكار
عن قطة المنزل
عن آنية الأزهار
عن الصديقات اللواتي
زرت في النهار
والمسرحيات التي شاهدتها
والطقس ، والأسفار
تحدثي
عما تحبين من الأشعار
عن عودة الغيم
وعن رائحة الأمطار
تحدثي إلي عن بيروت
وحبنا المنقوش
فوق الرمل والمحار
فإن أخبارك يا حبيبتي
سيدة الأخبار
تصرفي حبيبتي
كسائر النساء
تكلمي عن أبسط الأشياء
وأصغر الأشياء
عن ثوبك الجديد
عن قبعة الشتاء
عن الأزاهير التي اشتريتها
من شارع الحمراء
تكلمي ، حبيبتي
عما فعلت اليوم
أي كتاب - مثلا
قرأت قبل النوم ؟
أين قضيت عطلة الأسبوع ؟
وما الذي شاهدت من أفلام ؟
بأي شط كنت تسبحين ؟
هل صرت لون التبغ والورد ككل عام ؟
تحدثي .. تحدثي
من الذي دعاك
هذا السبت للعشاء ؟
بأي ثوب كنت ترقصين ؟
وأي عقد كنت تلبسين ؟
فكل أنبائك ، يا أميرتي
أميرة الأنباء
عادية
تبدو لك الأشياء
سطحية
تبدو لك الأشياء
لكن ما يهمني
أنت مع الأشياء
وأنت في الأشياء
أعلى

متى ستعرف كم أهواك يا رجلا
أبيع من أجله الدنيـــا وما فيها
يا من تحديت في حبي له مدنـا
بحالهــا وسأمضي في تحديهـا
لو تطلب البحر في عينيك أسكبه
أو تطلب الشمس في كفيك أرميها
أنـا أحبك فوق الغيم أكتبهــا
وللعصافيـر والأشجـار أحكيهـا
أنـا أحبك فوق الماء أنقشهــا
وللعناقيـد والأقـداح أسقيهـــا
أنـا أحبك يـا سيفـا أسال دمي
يـا قصة لست أدري مـا أسميها
أنـا أحبك حاول أن تسـاعدني
فإن من بـدأ المأساة ينهيهـــا
وإن من فتح الأبواب يغلقهــا
وإن من أشعل النيـران يطفيهــا
يا من يدخن في صمت ويتركني
في البحر أرفع مرسـاتي وألقيهـا
ألا تراني ببحر الحب غارقـة
والموج يمضغ آمـالي ويرميهــا
إنزل قليلا عن الأهداب يا رجلا
مــا زال يقتل أحلامي ويحييهـا
كفاك تلعب دور العاشقين معي
وتنتقي كلمــات لست تعنيهــا
كم اخترعت مكاتيبـا سترسلها
وأسعدتني ورود سوف تهديهــا
وكم ذهبت لوعد لا وجود لـه
وكم حلمت بأثـواب سأشريهــا
وكم تمنيت لو للرقص تطلبني
وحيـرتني ذراعي أين ألقيهـــا
ارجع إلي فإن الأرض واقفـة
كأنمــا فرت مني ثوانيهــــا
أرجع فبعدك لا عقد أعلقــه
ولا لمست عطوري في أوانيهــا
لمن جمالي لمن شال الحرير لمن
ضفـائري منذ أعـوام أربيهــا
أرجع كما أنت صحوا كنت أم مطرا
فمــا حياتي أنا إن لم تكن فيهـا
أعلى

قدرٌ أنتِ .. بشكل امرأة
وأنا مقتنع جداً بهذا القدرِ
إنني بعضكِ يا سيدتي
مثلما الأخضر بعض الشجرِ
وأنا صوتكِ يا سيدتي
مثلما الآه امتداد الوَترِ
مطرٌ يغسلني أنتِ فلا
تحرميني من سقوط المطرِ
بصري أنتِ .. وهل يمكنها
أن ترى العينانِ دونَ البصرِ؟
أعلى

قلم الحمرة .. أختاه .. ففي
شرفات الظن، ميعادي معه
أين أصباغي.. ومشطي .. والحلي؟
إن بي وجدا كوجد الزوبعة
ناوليني الثوب من مشجبه
ومن الديباج هاتي أروعه
سرحيني .. جمليني .. لوني
ظفري الشاحب إني مسرعة
جوربي نار .. فهل أنقذته؟
من يد موشكة أن تقطعه
ما كذبت الله .. فيما أدعي
كاد أن يهجر قلبي موضعة
رحمة .. يا هند هل أمضى له
وأنا مبهورة .. ممتقعة ..
إنه الآن .. إلى موعدنا
جبهة .. باذخة .. مرتفعة
ورداء يحصد الشمس .. جوى
وفم لون الفصول الأربعة
لا أسميه .. وإن كان اسمه
نقرة العود .. وبوح المزرعة
لو سألت الريش من أجفانه
أتقي البرد به .. لاقتلعه
ركزي يا هند شغلى .. فعلى
سحبات الرصد ميعادي معه
أعلى

بطاقة من يدها ترتعد
تفدي اليد
تقول : عيدي الأحد
ما عمرها؟
لو قلت .. غنى في حبيبي العدد
إحدى ثوانيه إذا
أعطت، عصورا تلد
وبرهة من عمرها
يكمن فيها .. أبد
ترى إذا جاء غد
وانشال تول أسود
واندفعت حوامل الزهر..
وطاب المشهد
ورد..وحلوى ..وأنا
يأكلني التردد
بأي شيء أفد
إذا يهل الأحد
بخاتم ..بباقة؟
هيهات. لا أقلد
أليس من يدلني؟
كيف .. وماذا أقتني؟
ليومها الملحن
أحزمة من سوسن؟
أنجمة مقيمة في موطني؟
أهدي لها
الله .. ما أقلها؟ ..
من ينتقي؟
لي من كروم المشرق
من قمر محترق
حقا غريب العبق
آنية مسحورة خالقها لم يخلق..
أحملها ..غدا لها
الله ..ما أقلها
لو بيدي الفرقد
والدر والزمرد
فصلتها جميعها
رافعة لنهدها
ومحبسا لزندها
هدية صغيرة .. تحمل نفسي كلها
لعلها
إذا أنا حملتها
غدا لها
ستسعد
يا مرتجي .. يا أحد ..
أعلى

شؤون صغيرة تمر بها أنت .. دون التفات
تساوي لدي حياتي
جميع حياتي..
حوادث .. قد لا تثير اهتمامك
أعمر منها قصور
وأحيا عليها شهور
وأغزل منها حكايا كثيرة
وألف سماء..
وألف جزيرة..
شؤون ..
شؤونك تلك الصغيرة
فحين تدخن أجثو أمامك
كقطتك الطيبة
وكلي أمان
ألاحق مزهوة معجبة
خيوط الدخان
توزعها في زوايا المكان
دوائر.. دوائر
وترحل في آخر الليل عني
كنجم، كطيب مهاجر
وتتركني يا صديق حياتي
لرائحة التبغ والذكريات
وأبقي أنا ..
في صقيع انفرادي
وزادي أنا .. كل زادي
حطام السجائر
وصحن .. يضم رمادا
يضم رمادي..
وحين أكون مريضة
وتحمل أزهارك الغالية
يا صديقي.. إلي
وتجعل بين يديك يدي
يعود لي اللون والعافية
وتلتصق الشمس في وجنتي
وأبكي .. وأبكي.. بغير إرادة
وأنت ترد غطائي علي
وتجعل رأسي فوق الوسادة..
تمنيت كل التمني
صديقي .. لو أني
أظل .. أظل عليلة
لتسأل عني
لتحمل لي كل يوم
ورودا جميلة..
وإن رن في بيتنا الهاتف
إليه أطير
أنا .. يا صديقي الأثير
بفرحة طفل صغير
بشوق سنونوة شاردة
وأحتضن الآلة الجامدة
وأعصر أسلاكها الباردة
وأنتظر الصوت ..
صوتك يهمي علي
دفيئا .. مليئا .. قوي
كصوت نبي
كصوت ارتطام النجوم
كصوت سقوط الحلي
وأبكي .. وأبكي ..
لأنك فكرت في
لأنك من شرفات الغيوب
هتفت إلي..
ويوم أجيء إليك
لكي أستعير كتاب
لأزعم أني أتيت..
لكي أستعير كتاب
تمد أصابعك المتعبة
إلى المكتبة..
وأبقى أنا.. في ضباب الضباب
كأني سؤال بغي جواب..
أحدق فيك وفي المكتبة
كما تفعل القطة الطيبة..
تراك اكتشفت ؟
تراك عرفت ؟
بأني جئت لغير الكتاب
وإني لست سوى كاذبة..
وأمضي سريعا إلى مخدعي
كأني حملت الوجود معي..
وأشعل ضوئي
وأسدل حولي الستور
وأنبش بين السطور، وخلف السطور
وأعدو وراء الفواصل، أعدو
وراء نقاط تدور
ورأسي يدور
كأني عصفورة جائعة
تفتش عن فضلات البذور
لعلك،، يا صديقي الأثير
تركت بإحدى الزوايا
عبارة حب صغيرة
جنينة شوق صغيرة
لعلك بين الصحائف خبأت شيا
سلاما صغيرا،، يعيد السلام إليا
وحين نكون معا في الطريق
وتأخذ - من غير قصد – ذراعي
أحس أنا يا صديق
بشيء عميق..
بشيء .. يشابه طعم الحريق
على مرفقي
وأرفع كفي نحو السماء
لتجعل دربي بغير انتهاء
وأبكي..
وأبكي..
بغير انقطاع..
لكي يستمر ضياعي..
وحين أعود مساء.. إلى غرفتي
وأنزع عن كتفي الرداء
أحس - وما أنت في غرفتي -
بأن يديك
تلفان في رحمة مرفقي
وأبقى لأعبد يا مرهقي
مكان أصابعك الدافئات
على كم فستاني الأزرق
وأبكي..
وأبكي..
بغير انقطاع..
كأن ذراعي.. ليست ذراعي..
أعلى

صوتك القادم من خلف الغيوم
سكب النار على الجرح القديمِ
مد لي أرجوحة من نـغـم
ورماني نجمة بين النجوم
من ترى يطلبني؟ مخطئة
فاتركيني لدخاني وهمومي
أنا جرح مطبق أجفانه
فلماذا جئتِ تحيين هشيمي؟
رقمي .. من اين جئت به؟
تحت عصف الريح في الليل البهيمِ
بعد ان عاش غريبا مهملا
بين اوراقك كالطفل اليتيمِ
حبنا كان عظيما مرة
وطوينا قصة الحب العظيمِ
أتقولين : ( أنا آسفة )
بعدما ألقيت حبي في الجحيمِ
لم أعد اخدع يا سيدتي
بالحديث الحلو والصوت النغومِ
صوتك العائد .. لا أعــرفه
كان يوما جنتي .. كان نعيمي
حلوتي بالرغم مما قلته
فأنا - بعد- على حبي القديمِ
داعبي كل مساء رقمي
واصدحي مثل العصافير الكرومِ
كلمة منك ولو كــاذبة
عمـرت لي منزلا فوق النجومِ
أعلى

حان الوقـتُ
لأعيد صياغتـك على طريقـتي
بحبرٍ جديد .
وخطٍ جديد .
وتـنقـيط جديد .
حان الوقت كي أكتـبـكِ كما أريـد .
فجميع من كتبوكِ قـبلي
كانوا يجهلون مبادىء الكـتابهْ .
وجميعُ من قـرأوك قـبلي
كانوا يجهلون قراءة النساءْ..
وتهجـية أحرف الأنوثهْ ..
حان الوقـت
لأغير هـندسة خصرك ..
وأحجار خواتـمك ..
ومكان الشامات على كـتـفـيـك..
وأفصّلك على مساحـةِ قصائـدي
ومساحةِ جـنوني ..
حان الوقت
لأنحـتـك بإسلـوبي (النـزاريّ)..
فأجعل هضابـك تـتحرك ..
وبحارك تـتموجْ ..
وسرتـكِ الخرساءَ ..تـتكلمْ ..
ونهـديـك .. يقـرعان كجرسـين نحاسيـين
صبـيحة يـوم الأحـدْ!!
حان الوقـت
لأعلمـك شيـئاً من الجغرافـيا .
وشيئاً من الموسيقى ..
وشيئاً من الشعـر ..
فجميع من تجولوا في قاراتـك الخـمسْ ..
لم يعرفوا الطريق إلى مناجمك الذهبـية ..
وقبـابـك الفاطميـةْ ..
وأيـقوناتـك البـيزنـطـيـة ..
حانَ الوقتُ
لأطلعك على خرائط أنوثـتـكْ ..
وأدلـكِ ..
على السهول التي يزرعون فيها القـطنْ ..
والوديان التي يتكاثـرُ فيها الصفصافْ..
والهضاب التي يتسلق عليها العنـبْ ..
والشواطىءِ التي تـتـزوج فيها الأسمـاكْ..
والعناوين السرية التي تسكن فيـها
حورياتُ البحرْ ..
حان الوقت
لتعرفي شيئاً عن نبـاتـاتـكْ وطول أنهاركْ.
ورائحةِ أزهاركْ . وعدد حمائمكْ.
ومواسم لوزكِ .. وخـوخـكْ ..
وسفرجلك الجبليّ .
وتوقـيت مدك وجـزركْ
ومواعيد أمطارك الإستوائـيـةْ ..
حان الوقـتُ
لتعرفي شيئاً عن العصر البرونزيّ .
والفن الفلورنسيّ . والكريستال التـشيكيّ .
والخزف الصيـنيّ والغزل الغربيّ .
حان الوقـت
لتعرفي
إلى أيّ عصرٍ من هذه العصور الباهـرهْ
ينـتمي جسـد كِ الجميـل ؟..
حان الوقـتُ
كي أمحو خطوط ذاكرتـك
وأحرق جميـع المراكبْ
التي جئـتِ بها من العصور الوسطى
فليس وراءَك سوى البحـرْ ..
وليس أمامك ..
سوى ذراعيّ المفـتـوحـتـيـنْ ..
حان الوقـت
لأمارس عليـكِ سحري
فتـزداد أصابعك طولا .
ويزداد خصرك نحولا
وتـزداد عيـناك اتساعـاً .
ويزداد شعركِ حماقـة .. وفوضى ..
وخروجاً على القانون ..
حان لي ..
أن أمد على شرفتـك
حبال قصائدي ـ كما يفعل الشراكسةْـ
على حصان الشعر ..
حان الوقت
لتخرجي من قـنباز أبـيـكِ ..
ومن صندوق أمك المطعم بالصـد فْ..
فلم يعد لك مسموحاً أن تظلي
حكمةً مأثورة موضوعة في بروازْ
أو سمكة للزيـنة في أكواريومْ
أو ثوباً معلقـاً في متحف الفنون الشعبـية !!.
حان الوقت
كي أعجنـكِ بالمسـكِ، والقِـرفةِ،
وأخلطكِ بالسكرِ، والعسل،
وحليـب العصافيـرْ ..
حان الوقت
كي أعجنـكِ بلحمي، وأعصابي،
وصراخي، ونزيفي، ومشتـقات دمي ..
حان الوقـت
كي تخرجي من سجن النساءْ
الذي تـقضين به
عقوبة (الأنوثة المؤبدةْ )!!
حان الوقت
لتكسري غلاف شرنـقـتـكْ
وتغـزلي
أول خيط من خيوط الحرية ..
حان الوقت
لتأخذي شكل الموجة..
أو شكل السهم الناريّ ..
أو شكل السنجابة..
أو الـقطة المتوحشة ..
حان الوقت
لكي أنقـذك من حلـقات الدراويـش..
وقـرقـرة الـنراجـيل ..وأباريـق الـقهوة الـمُرة ..
ورائحة الـبخور الـهـنديّ ..
وخلاخيل الراقصات ..
وطوابـير النساءِ المنـتـظرات
أمام فراش شهـريار ..
حان الوقت
لتـتحولي من سجادةٍ تـبريـزيّة
تداس بالدنانيـر والنعال ..
إلى جزيـرةٍ من الضوء والكبرياء
لاتصل إليها طيـور البحـر
ولامراكب القراصنة ..
أريد أن أخـلصك
من مضاجعة الخلـفاء غـير الراشديـن ..
ابـتداءً من الحاكم بأمر الله ..
إلى الحاكم بأمر النهـدْ ..
إلى المقـتدر ..
إلى المنـتـصر ..
إلى المتـوكل ..
إلى المعتصم بزنانير النساء ..
حتى آخر امرأةٍ دون السادسة عشر!!..
أريد أن أسحبك كالـتـفاحة
من بـيـن تماسيح البحر الأحمر ..
وحيوانات (كليـلة ودمنة)!!
أريد أن أنـقـذك
من دينصورات ماقبل التـاريخ
التي هربت من متحف التـاريخ الطبـيعيّ
ودخلت المدن العربـيـهْ
لتـقرقـشنَ عظام النساء كـقطع البسكويت
وتـشرب دماءهنّ كالعرق اللبنانيّ
أريد أن أنـقـذك
من (جمعية الجزارين المتحدة)
التي يرأس مجلس إدارتها
المدعو : عبد السرير النسونجي !!
أعلى

قُل لي –ولو كذباً – كلاما ناعماً
قد كادَ يقتلني بكَ التمثالُ
مازلتِ في فن المحبّة .. طفلةً
بيني وبينكِ أبحرٌ وجبالُ
لم تستطيعي – بعدُ – أن تتفهمي
أن الرجال جميعهم .. أطفالُ
إني لأرفض أن أكون مهرجاً
قزماً .. على كلماته يحتالُ
فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً
فالصمتُ في حرم الجمال .. جمال
كلماتنا في الحب .. تقتل حبنا
إن الحروف تموت حين تقالُ
قصص الهوى قد أفسدتك فكلها
غيبوبةٌ .. وخرافةٌ .. وخيالُ
الحب ليس روايةً شرقيةً
بختامها يتزوج الأبطالُ
لكنةُ الإبحارُ دون سفينة
وشعورنا أن الوصول محالُ
هو أن تظل على الأصابع رعشةٌ
وعلى الشفاه المطبقات سؤالُ
هو جدولُ الأحزان في أعماقنا
تنمو كروم حوله وغلالُ
هو هذه الأزمات تسحقنا معاً
فنموت نحنُ .. وتزهر الآمالُ
هو أن نثور لأيّ شيءٍ تافهٍ
هو يأسُنا .. هو شكنا القتالُ
هو هذه الكف التي تغتالنا
ونقبل الكفَّ التي تغتال ..
لا تجرحي التمثالَ في إحساسه
فلكم بكى في صمته .. تمثال
قد يطلع الحجر الصغير براعماً
وتسيل منه جداولٌ وظلالُ
إني أُحبكِ .. من خلال كآبتي
وجها كوجه الله ليس يطال
حسبي وحسبك .. أن تظلّي دائماً
سرّاً يمزقني .. وليس يقالُ..
أعلى

منذ ثلاثين سنة
أحلم بالتغيير
وأكتب القصيدة الثورة .. والقصيدة الأزمة ..
والقصيدة الحرير
..
منذ ثلاثين سنة
ألعب باللغات مثلما أشاء
وأكتب التاريخ بالشكل الذي أشاء..
وأجعل النقاط، والحروف، والأسماء، والأفعال،
تحت سلطة النساء.
وأدعي بأنني الأول في فن الهوى..
وأنني الأخير ..
وعندما دخلت .. يا سيدتي
إلى بلاط حبك الكبير..
انكسرت فوق يدي قارورة العبير
وانكسر الكلام - يا سيدتي - على فمي
وانكسر التعبير ..
ولا أزال كلما سافرت في عينيك .. يا حبيبتي
أشعر بالتقصير..
وكلما حدقت في يديك يا حبيبتي
أشعر بالتقصير ..
وكلما اقتربت من جمالك الوحشي يا حبيبتي
أشعر بالتقصير
وكلما راجعت أعمالي التي كتبتها..
قبيل أن أراك يا حبيبتي..
أشعر بالتقصير..
أشعر بالتقصير..
أشعر بالتقصير..
أعلى

عيناك
مجهولان نائمان في عباءة المجهول
وغابة مقفلة
لا أحد يعرف ما يحدث بداخلها
فبعضهم
يقول فيها أمم منسية
وبعضهم
يقول في أعماقها جنية
وبعضهم
يقول فيها غول
لا أحد يعرف ما يحدث في الغابة من عجائب
لا أحد يجرؤ أن يقول
فالليل فيها ضائع
والذئب فيها جائع
والرجل الأبيض فوق رمحه مقتول .. مقتول
أعلى

إغضبْ كما تشاءُ..
واجرحْ أحاسيسي كما تشاءُ
حطّم أواني الزّهرِ والمرايا
هدّدْ بحبِّ امرأةٍ سوايا..
فكلُّ ما تفعلهُ سواءُ..
كلُّ ما تقولهُ سواءُ..
فأنتَ كالأطفالِ يا حبيبي
نحبّهمْ.. مهما لنا أساءوا..
إغضبْ!
فأنتَ رائعٌ حقاً متى تثورُ
إغضب!
فلولا الموجُ ما تكوَّنت بحورُ..
كنْ عاصفاً.. كُنْ ممطراً..
فإنَّ قلبي دائماً غفورُ
إغضب!
فلنْ أجيبَ بالتحدّي
فأنتَ طفلٌ عابثٌ..
يملؤهُ الغرورُ..
وكيفَ من صغارها..
تنتقمُ الطيورُ؟
إذهبْ..
إذا يوماً مللتَ منّي..
واتهمِ الأقدارَ واتّهمني..
أما أنا فإني..
سأكتفي بدمعي وحزني..
فالصمتُ كبرياءُ
والحزنُ كبرياءُ
إذهبْ..
إذا أتعبكَ البقاءُ..
فالأرضُ فيها العطرُ والنساءُ..
وعندما تحتاجُ كالطفلِ إلى حناني..
فعُدْ إلى قلبي متى تشاءُ..
فأنتَ في حياتيَ الهواءُ..
وأنتَ.. عندي الأرضُ والسماءُ..
إغضبْ كما تشاءُ
واذهبْ كما تشاءُ
واذهبْ.. متى تشاءُ
لا بدَّ أن تعودَ ذاتَ يومٍ
وقد عرفتَ ما هوَ الوفاءُ..
أعلى

أخرجَ من معطفهِ الجريدة..
وعلبةَ الثقابِ
ودون أن يلاحظَ اضطرابي..
ودونما اهتمامِ
تناولَ السكَّرَ من أمامي..
ذوَّب في الفنجانِ قطعتين
ذوَّبني.. ذوَّب قطعتين
وبعدَ لحظتين
ودونَ أن يراني
ويعرفَ الشوقَ الذي اعتراني..
تناولَ المعطفَ من أمامي
وغابَ في الزحامِ
مخلَّفاً وراءه.. الجريدة
وحيدةً
مثلي أنا.. وحيده
أعلى

أيتها الأنثى التي في صوتها
تمتزج الفضة . . بالنبيذ . . بالأمطار
ومن مرايا ركبتيها يطلع النهار
ويستعد العمر للإبحار
أيتها الأنثى التي
يختلط البحر بعينيها مع الزيتون
يا وردتي
ونجمتي
وتاج رأسي
ربما أكون
مشاغبا . . أو فوضوي الفكر
أو مجنون
إن كنت مجنونا . . وهذا ممكن
فأنت يا سيدتي
مسؤولة عن ذلك الجنون
أو كنت ملعونا وهذا ممكن
فكل من يمارس الحب بلا إجازة
في العالم الثالث
يا سيدتي ملعون
فسامحيني مرة واحدة
إذا أنا خرجت عن حرفية القانون
فما الذي أصنع يا ريحانتي ؟
إن كان كل امرأة أحببتها
صارت هي القانون
أعلى

يعانق الشرق أشعاري .. ويلعنها
فألف شكر لمن أطرى . . ومن لعنا
فكم مذبوحة . .دافعت عن دمها
وكل خائفة أهديتها وطنا
وكل نهد . .أنا أيدت ثورته
وما ترددت في أن أدفع الثمنا
أنا مع الحب حتى حين يقتلني
إذا تخليت عن عشقي .. فلست أنا
أعلى

شاءت الأقدار، يا سيدتي،
أن نلتقي في الجاهلية!!..
حيث تمتد السماوات خطوطا أفقيه
والنباتات، خطوطا أفقيه..
والكتابات، الديانات، المواويل، عروض الشعر،
والأنهار، والأفكار، والأشجار،
والأيام، والساعات،
تجري في خطوط أفقيه..
شاءت الأقدار..
أن أهواك في مجتمع الكبريت والملح..
وأن أكتب الشعر على هذي السماء المعدنية
حيث شمس الصيف فأس حجرية
والنهارات قطارات كآبة..
شاءت الأقدار أن تعرف عيناك الكتابة
في صحارى ليس فيها..
نخله..
أو قمر ..
أو أبجدية ..
شاءت الأقدار، يا سيدتي،
أن تمطري مثل السحابة
فوق أرض ما بها قطرة ماء
وتكوني زهرة مزروعة عند خط الاستواء..
وتكوني صورة شعرية
في زمان قطعوا فيه رءوس الشعراء
وتكوني امرأة نادرة
في بلاد طردت من أرضها كل النساء..
أو يا سيدتي..
يا زواج الضوء والعتمة في ليل العيون الشركسية..
يا ملايين العصافير التي تنقر الرمان..
من تنورة أندلسية..
شاءت الأقدار أن نعشق بالسر..
وأن نتعاطى الجنس بالسر..
وأن تنجبي الأطفال بالسر..
وأن أنتمي - من أجل عينيك -
لكل الحركات الباطنية..
شاءت الأقدار يا سيدتي..
أن تسقطي كالمجدلية..
تحت أقدام المماليك..
وأسنان الصعاليك..
ودقات الطبول الوثنية..
وتكوني فرسا رائعة..
فوق أرض يقتلون الحب فيها..
والخيول العربية..
شاءت الأقدار أن نذبح يا سيدتي
مثل آلاف الخيول العربية..
أعلى

برغْمِ ما يثورُ في عينيَّ من زوابعٍ
ورغْمِ ما ينامُ في عينيْكِ من أحزانْ
برغْمِ عَصرٍ،
يُطْلِقُ النارَ على الجمالِ، حيثُ كانْ..
والعَدْلِ، حيثُ كانْ..
والرَأْيِ حيثُ كانْ
أقولُ: لا غالبَ إلاّ الحُبّْ
أقولُ: لا غالبَ إلاّ الحُبّْ
للمرَّةِ المليونِ..
لا غالبَ إلاّ الحُبّْ
فلا يُغَطِّينا من اليَبَاسِ،
إلاَّ شَجَرُ الحَنَانْ..
برَغْم هذا الزَمَنِ الخَرَابْ
ويقتُلُ الكُتَّابْ...
ويُطْلِقُ النارَ على الحَمَامِ.. والورودِ..
والأعْشَابْ..
ويدفُنُ القصائدَ العصماءَ..
في مقبرة الكلابْ..
أقولُ: لا غَالبَ إلاَّ الفِكرْ
أقولُ: لا غَالبَ إلاَّ الفِكرْ
للمرّةِ المليونِ،
لا غَالبَ إلاَّ الفِكرْ
ولَنْ تموتَ الكِلْمَةُ الجميلَهْ
بأيِّ سيفٍ كانْ...
وأيِّ سجْنٍ كانْ.
وأيِّ عَصْرٍ كانْ...
بالرَغْم ممَّنْ حاصروا عينيْكِ..
وأحْرَقُوا الخُضْرَةَ والأشجَارْ
أقولُ: لا غالبَ إلا الوردُ
..
يا حبيبتي.
والماءُ، والأزْهارْ.
برَغْم كُلِّ الجَدْب في أرواحِنا
ونَدْرَةِ الغُيُومِ والأمطارْ
ورغْمِ كُلِّ الليل في أحداقنا
لا بُدَّ أن ينتصرَ النهارْ...
في زَمَنٍ تَحوَّلّ القلبُ بهِ
إلى إناءٍ من خَشَبْ..
وأصبحَ الشِعْرُ بهِ،
في زَمَنِ اللاّعشْقِ.. واللاّحُلْمِ.. واللاّبحرِ..
أقولُ: لا غَالبَ إلاَّ النَهدْ..
أقولُ: لا غَالبَ إلاَّ النَهدْ..
للمرَّةِ المليونِ،
لا غَالبَ إلاَّ النَهدْ..
وبَعْدَ عصْرِ النَفْطِ، والمَازُوتْ
لا بُدَّ أن ينتصرَ الذَهَبْ...
برَغْمِ هذا الزَمَنِ الغارقِ في الشُذُوذِ.
والحَشِيشِ..
والإدْمَانْ..
برَغْم عَصْرٍ يكرهُ التمثالَ، واللوحةَ،
والعُطُورَ..
برَغْمِ هذا الزَمَنِ الهاربِ..
إلى عبادةِ الشَيْطَانْ..
برغمِ مَنْ قد سَرَقُوا أعمارنا
وانْتَشلُوا من جيبنا الأوطانْ
برَغْم ألفِ مُخْبِرٍ مُحْتَرِفٍ
صمَّمَهُ مهندسُ البيت مع الجُدرانْ
برغم آلاف التقارير التي
يكتُبها الجُرذانُ للجُرْذَانْ
أقولُ: لا غَالبَ إلاَّ الشًّعبْ
أقولُ: لا غَالبَ إلاَّ الشَّعبْ
للمرّةِ المليونِ،
لا غالبَ إلاّ الشّعبْ.
فَهْوَ الذي يُقدِّرُ الأقدارْ
وهو العليمُ، الواحدُ، القهَّارْ...
أعلى

ثرثرت جداً فاتركيني
شيء يمزق لي جبيني
أنا في الجحيم وأنت لا
تدرين ماذا يعتريني
لن تفهمي معنى العذاب
بريشتي لن تفهميني
عمياء أنت ألم تري
قلبي تجمع في عيوني
لأخاف تأكلك الحـروف
بجبهتي فتجنبيني
مات الحنين أتسمعين
ومت أنت مع الحنين
لا تسأليني كيف قصتنا
إنتهت لا تسأليني
هي قصة الأعصاب والأفيون
والدم والجنون
مرت فلا تتذكري
وجهي ولا تتذكريني
إن تنكريها فأقرأي
تاريخ سخفك في غضوني
أمريضة الأفكار يأبى
الليل أن تستضعفيني
لن تطفئ مجدي على
قدح وضمة ياسمين
إن كان حبك أن أعيش
على هرائك فأكرهيني
حاولت حرقي فاحترقت
بنار نفسك فأعذريني
لا تطلبي دمعي أنا
رجل يعيش بلا جفون
مزقت أجمل ما كتبت
وغرت حتى من ظنوني
وكسرت لوحاتي وأضرمت
الحرائق في سكوني
وكرهتني وكرهت فناً
كنت أطعمه عيوني
ورأيتني أهب النجوم
محبتي فوقفت دوني
حاولت أن أعطيك من
نفسي ومن نور اليقين
فسخرت من جهدي ومن
ضربات مطرقتي الحنون
وبقيت رغم أناملي
طيناً تراكم فوق طين
لا كنت شيئاً في حساب
الذكريات ولن تكوني
شفتي سأبترها ولن
أمشي إليك على جبيني
أعلى

قبل أن تصبحي حبيبتي
كان هناك أكثر من تقويمٍ لحساب الزمن .
كان للهنود تقويمهم،
وللصينين تقويمهم،
وللفرس تقويمهم،
وللمصريـين تقويمهم،
بعد أن صرت حبـيـبـتي صار الناس يقولون :
السنة الألف قبل عـيـنـيـها والـقرن العاشر بعد عـيـنـيـهـا .
وصلت في حبـك إلى درجة الـتـبـخـر
وصار ماء البحر أكبر من البحر
ودمع العين أكبر من العين
ومساحة الطعنة ..
أكبر من مساحة اللحم .
لم يعد بوسعي أن أحبك أكثر وأتوحّد بك أكثر
صارت شفتاي لا تكفيان لتغطية شفتيك
وذراعاي لا تكفيان لتطويق خصرك
وصارت الكلمات التي أعرفها أقل بكثير،
من عدد الشامات التي تــُـطرّز جسدك ِ .
لم يعد بوسعي،
أن أتغلغل في أدغال شَـعرك أكثر
فمنذ أعوام، وهم يعلنون في الجرائد أنني مفقود
ولا زلت مفقودا ..
حتى إشعار آخر ..
لم يعد بوسع اللغة أن تقولك ..
صارت الكلمات كالخيول الخشبية تركض وراءك ليلا ونهارا
ولا تطالك ..
كلما اتهموني بحبك ..
أشعر بـتـفـوقي .
وأعقد مؤتمرا صحفيا، أوزع فـيه صورك على الصحافة،
وأظهر على شاشة التلفزيون
وأنا أضع في عروة ثوبي
وردة َالفضيحة ..
كنت أسمع العشاق
يتحدثون عن أشواقهم
فأضحك ..
ولكن عندما رجعـتُ إلى فـندقي وشربت قهوتي وحدي ..
عرفــتُ كيف يدخل خنجر الشوق في الخاصرة
ولا يخرج أبدا ..
مشكلتي مع النقد
أنني كلما كتبت قصيدة باللون الأسود قالوا إنني نقلتها عن
عـيـنـيـك ..
ومشكلتي مع النساء
أنني كلما نفيت علاقـتي بك
سَـمِـعـنَ خشخشة أساورك في ذبذبات صوتي ورأين قميص نومك معلقا في
خزانة ذاكرتي .
لا تعوديني عليك ..
فقد نصحني الطبيب
أن لا أترك شفتيّ في شفتيك أكثر من خمس دقـائـق
وأن لا أجلس تحت شمس نهديك أكثر من دقـيـقة واحدةٍ
حتى لا أحترق ..
إن كنت تعرفين رجلا ..
يحبك أكثر مني فدليني عليه لأهنئه.. وأقتله بعد ذلك ..
أعلى

واصل تدخينك يغريني
رجل في لحظة تدخين
هي نقطة ضعفي كإمـرأة
فإستثمر ضعفي وجنوني
ماأشهى تبغك والدنيا
تستقبل أول تشرين
والقهوة والصحف الكسلى
ورؤى وحطام فناجين
دخن لا أروع من رجل
يفنى في الركن ويفنيني
رجل تنضم أصابعه
وتفكر من غير جبين
أشعل واحدة من أخرى
أشعلها من جمر عيوني
ورمادك ضعه على كفي
نيرانك ليست تؤذيني
فأنا كإمرأة يرضيني
أن ألقى نفسي في مقعد
ساعات في هذا المعبد
أتأمل في الوجه المجهد
وأعد أعد عروق اليد
فعروق يديك تسليني
وخيوط الشيب هنا
وهنا
تنهي أعصابي تنهيني
دخن لا
أروع من رجل
يفنى في الركن ويفيني
أحرقني أحرق بي بيتي
وتصرف فيه كمجنون
فأنا كإمرأة يعجبني
أن أشعر أنك تحميني
أن أشعر أن هناك يداً
تتسلل من خلف المقعد
كي تمسح رأسي وجبيني
تتسلل من خلف المقعد
لتداعب أذني بسكوني
ولتترك في شعري الأسود
عقداً من زهر الليمون
دخن لا
أروع من رجـل
يفنى في الركن ويفنيني
أعلى

" لا تدخلي "..
وسددتَ في وجهي الطريق بمرفـقيك
وزعمت لي ..
أن الرفـاق أتـوا إليـك
أهم الرفاق أتـوا إليـك ؟
أم أن سيـدة لـديـك
تحتـل بعدي ساعديك ؟
وصرخـتَ محـتـدما :
" قـفي " !!
والريح تمضـغ معـطفي
والذل يكسو موقـفي
لا تعتـذر، يا نذل، لا تـتـأسف .
أنا لست آسفة ً علـيك ..
لكن على قـلـبي الــوفي
قـلبي الـذي لم تعـرف ِ ..
ماذا ؟ لو أنك يا دَنِـي
أخبرتـني ..
أني انتهى أمري لـديك
فجميع ما وشوشـتـني ..
أيام كنـتَ تحبـني ..
من أنـني ..
بيت الفراشة مسكـني
وغـدي انفراط السوسن ..
أنكرتـه أصلا .. كما أنكرتـني ..
لا تعتـذر ..
فالأثم يحصـدُ حاجـبـيـك
وخطوط ُ أحمرها .. تصيح بوجنتيك
ورباطـُكَ المشدوه ..
يفضح ما لـديـكَ .. ومن لـديـك
يا من وقـَـفـتُ دمي عـليك
وذلـلـتـني ..
ونـفـضـتـني
كذبابةٍ عن عارضَيـكْ
ودعوت سيـدة إليـك وأهـنـتـني ..
من بعـد ما كـنـتُ الضـياء
بـنـاظريـك ..
إني أراهـا في جـوار الموقـد
أخـذت هنــالك مقـعدي ..
في الـركن .. ذات المقعـد ..
وأراك تـمـنحها يـدا ..
مَـثـلـوجَـة ً..
ذات اليد ..
ستـــرددُ الـقصص التي أسمعـتـني
ولسوف تخبـرها بما أخبـرتـني ..
وسترفع الكأس التي جرّعـتـني
كأسا بها سممتـني ..
حتى إذا عادت إليـك
نشوى بموعدها الهـني ..
أخـبَـرتـَها " أن الرفاق أتوا إليك .."
وأضعـتَ رونقها كما ضيعتـني ..
أعلى

لا تكوني عصبية
لن تثيريني بتلك الكلمات البربرية
ناقشيني بهدوء وروية
من بنا كان غبياً ؟ يا غبية
انزعي عنك الثياب المسرحية
وأجيبي
من بنا كان الجبانا ؟
من هو المسئول عن موت هوانا ؟
من بنا قد باع للثاني .. القصور الورقية ؟
من هو القاتل فينا والضحية ؟
من ترى أصبح منا بهلوانا ً ؟
بين يوم وعشيه ؟
امسحي دمع التماسيح
وكوني منطقية
أزمة الشك التي تجتازها
ليس تنهيها الحلول العاطفية
أنت نافقت كثيراً
وتجبرت كثيراً
ووضعت النار في كل الجسور الذهبية
أنت منذ البدء، يا سيدتي
لم تعيشي الحب يوماً .. كقضية
دائماً كنت على هامشه
نقطة حائرة في أبجدية
قشة تطفو .. على وجه المياه الساحلية
كائناً .. من غير تاريخ .. ومن غير هوية
لا تكوني عصبية
كل ما أرغب أن أسأله
من بنا كان غبياً
يا غبية ؟.
أعلى

إ
إذا أتى الشتاء . .
و حركت رياحه ستائري
أحس يا صديقتي
بحاجة إلى البكاء
على ذراعيكِ . .
على دفاتري ..
إذا أتى الشتاء
و انقطعت عندلة العنادلِ
و أصبحت ..
كل العصافير بلا منازلِ
يبتدئ النزيف في قلبي ..
و في أناملي .
كأنما الأمطار في السماء
تهطل يا صديقة في داخلي ..
عندئذٍ .. يغمرني ..
شوقٌ طفوليٌ إلى البكاء ..
على حرير شعرك الطويل كالسنابل ِ ..
كمركبٍ أرهقه العياء
كطائر مهاجرٍ ..
يبحث عن نافذة تضاء
يبحث عن سقف له ..
في عتمة الجدائلِ ..
إذا أتى الشتاء ..
و اغتال ما في الحقل من طيوب
و خبأ النجومَ في ردائه الكئيب
يأتي إليَّ الحزن من مغارة المساء
يأتي كطفل شاحب غريب
مبلل الخدين والرداء
و أفتح الباب لهذا الزائر الحبيب
أمنحه السرير .. والغطاء
أمنحه .. جميع ما يشاء
من أين جاء الحزن يا صديقتي ؟
و كيف جاء ؟
يحمل لي في يده
زنابقاً رائعة الشحوب
يحمل لي ..
حقائب الدموع والبكاء
أعلى

أقدم اعتذاري
لوجهك الحزين مثل شمس آخر النهارِ
عن الكتابات التي كتبتها
عن الحماقات التي ارتكبتها
عن كل ما أحدثته ..
في جسمك النقي من دمارِ
و كل ما أثرته حولكِ من غبارِ
أقدم اعتذاري
عن كل ما كتبتُ من قصائد شريرة
في لحظة انهياري
فالشعر يا صديقتي .. منفاي واحتضاري
طهارتي وعاري ..
و لا أريد مطلقاً أن توصمي بعاري
من أجل هذا .. جئتُ يا صديقتي
أقدم اعتذاري
أعلى

أنت في لندن سنجابة حب
تأكل السكر والفستق من بين يديا
عربشت فوق قميصي
عربشت فوق ضلوعي
عربشت فوق عروقي
واختفت في كنزة الصوف التي ألبسها
تجمع المشمش والزعتر والنعناع والعشب الطريا....
أنت في منفاي سنجابة عمري
وأنا في لندن
تبهرني حريتي
جسدي يبهرني
لغتي تبهرني
دهشتي تدهشني
فكأني لم أكن في الذات يوم عربيا
كلما شاهدني الناس صباحا خارجا من تحت أهدابك
ظنوني نبيا..
إنها تمطر فروا،منذ أيام،فما أحلى المطر
إنها تمطر عشقا
عن يميني وشمالي،وورائي وأمامي
وأنا أطفو على بحر رمادي الوبر...
من تكونين أيا سيدتي؟
ياالتي تحمل في قفطانها
عندما تجلس قرب المدفأة
كل تاريخ الشجر
ياالتي حبي لها،أمر من الله،وعيناها قضاء وقدر....
أنت سنجاب جبان،خائف من نفسه
خائف من خوفه
خائف من أي شئ في يدي أو فمي
خائف من كل مالا ينتظر..
أنت سنجابي الحضاري الذي حررني
من صداع الجبس في عصر الحجر،
تاركا في جسدي
شعرا، ونثرا، وعصافير، وقمحا، وثمر
تاركا في داخلي نصف قمر
أنت في لندن سنجاب رمادي الفراء
جاء كي يبني بصدري وطنا
بعدما حاصره ثلج الشتاء
نط من أفق إلى أفق
ومن غصن إلى غصن
ومن نهر إلى رابية
ثم ألقى عند بابي صرة من كستناء..
أنت سنجابي
الذي دوخني ورماني خاتما في جوارير النساء....
قطتي،عصفورتي،سنجابتي
يا التي أرسلها الله من الغيب إليا
أنا ما عندي إعتراض أبدا
فاقضمي وجه المخدات،إذا شئت..
اقضمي حبة من بندق،إن توحمت..
إجعليني بين أشيائك قرطا ذهبيا......
العبي بالوقت والأعصاب،يا سيدتي
غيري شعري ونثري،وجذوري وسلالاتي
وغوصي خنجرا في رئتيا
أدخلي تحت قميصي
أدخلي تحت شرايين يدي
أدخلي في لغتي
أدخلي في اللحم والأعصاب،سيفا أمويا
وأغسليني بينابيعك
إني لم أكن قبلك إلا بدويا.....
حرريني من أبي زيد الهلالي الذي يسكنني
ومن الرمل الذي يطمرني
ومن الشوك الذي كان يغطي شفتيا
ارفعيني لفضاءاتك،يا سيدتي
وانزعي عني قناعي الجاهليا
علميني..كيف بالذهن تشم امرأة
كيف يغدو الجنس ترتيلا،وإنشادا
ورسما بالأحاسيس،وجسرا قمريا....
كل حب يا سيدتي هو فعل رقي
فأحبيني..
أحبيني..
أحبيني..
لأزداد رقيا!!..
أعلى

بعينيك يبدأ تاريخ نهر الفرات
ويبدأ حزني الجميل الذي يتكلم سبع لغات..
ويبدأ عشقي العظيم
الذي يتسلق جدران نهديك مثل النبات ..
ويبدأ عصر من الشعر
تأخذ فيه القصيدة شكل الصلاة
وتطلع منك بساتين نخل
وتطلع منك نوافير ماء
ويطلع منك النبيذ
وقمح وقطن ومانغو..
وتطلع من تحت سرتك المعجزات..
بعينيك تفتح ليل
على كل جسور الفرات..
وتأتي قلوع، وتمضي قلوع
وبالضوء تغتسل الكائنات..
أحبك حتى التناثر..يا امرأة..
لا تحيط بكل تفاصيلها المفردات..
أحبك قبل الأنوثة
بعد الأنوثة
شرق الأنوثة
غرب الأنوثة..
يا امرأة لا أراها ولكنها في جميع الجهات..
فلا تخذليني إذا ما طلبت اللجوء إليك..
أنا سمك، يتخبط في كحلك العربي
ويبحث عن فرصة للحياة..
أنا جالس تحت أوراق صفصافتين
أرقب كيف تمر الحضارات
من تحت أهدابك المسبلات..
أحبك يا امرأة لا تسمى
كأنك فوق التشابيه والتسميات..
أنا قاب نهدين منك
فأهلا بياقوتة العمر
أهلا بعصفورة البحر
أهلا بسيدة السيدات..
سلام على ورد قفطانك المغربي
على الخط، والوشي، والنمنمات..
سلام على اللازورد
علىالنهوند
على ناي خصرك إذ تبدأ الدوزنات ..
دعيني أنام على كتفيك قليلا
فإني أحس بأنك أمي
وأنك منفى العصافير والكلمات....
سلام على دهشة البرق
وهو يسافر بين السواد وبين السواد..
سلام على ألف طفل
سيأتون منك
ويأتون مني..
يا امرأة هي كل انتمائي وكل الخرائط كل البلاد؛
لأشهد أنك آخر بيت من الشعر يروى
وآخر مروحة من حرير
وآخر طفل بعائلة الياسمين..
وأشهد أنك تختزلين طبائع كل الطيور
وأسماء كل الزهور وتاريخ كل النساء..
بعينيك يلعب طفل جميل
يسمونه في بلادي القمر
أسافر ما بين صوت البيانو
وصوت أنوثتك الطاغية
وصوت المطر
وأدخل في غابة من شموع
فيتبعني حين أمشي الشجر..
لك الشكر يا امرأة علمتني جنون الهوى
وجنون السفر..
لك الشكر باسم الدراويش والفقراء
فمن قمح نهديك، يأكل نصف البشر..
بعينيك تحدث كل الأعاجيب ليلا
فلا يعرف المرء ماذا سيحدث عند هبوط المساء.
ولا يعرف المرء ماذا تريدين أنت؟؟
وماذا تريد السماء؟؟؟..
بعينيك يبدو التنبؤ صعبا
فقد تشرق الشمس حين تشاء
وقد يهطل الثلج حين يشاء
وقد يصرخ الرعد،مثل المجانين
حين يشاء..
بعينيك ليس هناك ثبات لشيء
وليس هناك يقين لشيء
وليس هناك ضمان
لمن يجلسون على نقطة الاستواء..
بعينيك يحدث ألف إنقلاب خلال ثوان
فتمحو الظلال الظلالا
ويمحو الجنوب الشمال
ويلغي الفضاء الفضاء..
بعينيك قد يرسل الله منا وسلوى إلينا
ويظهر في كل يوم لدينا نبي من الأنبياء..
أعلى

تورطت في الحب،خمسين عاما..
ولا زلت أجهل ماذا يدور برأس النساء..
وكيف يفكرن
كيف يخططن
كيف يرتبن أشياءهن
وكيف يدربن أثداءهن
على الكر والفر..
والغزو والسلب..
والسلم والحرب..
والموت في ساحة الكبرياء
قرأت كتاب الأنوثة، حرف حرفا..
ولم أتعلم-إلى الآن-شيئا من الأبجدية.
ولا زلت أشعر أني أحبك
في زمن الجاهلية.
وألثم حناء شعرك بالطرق الجاهلية
ولا زلت أشعر أن الهوى في بلاد العروبة
ليس سوى غزوة جاهلية
قضيت بشارع نهديك، نصف حياتي..
ومازلت أجهل من أين باب الخروج؟؟
وأين نهايات هذا الفضاء؟؟..
ومازلت أجهل كيف يهدد نهد،بسن الطفولة
أمن الرجال وأمن السماء
تنقلت بين قوارير عطرك خمسين عاما..
وبين بساتين شعرك خمسين عاما..
وبين تقاسيم خصرك خمسين عاما..
ومازلت أجهل كيف أفك حروف الهجاء؟؟
وكيف أفك الضفائر
كيف أشيل الدبابيس منها
إذا ساعة الحسم دقت..
وفاضت دموع الشتاء
تورطت فيك عميقا،عميقا..
إلى أن وصلت لحال التجلي
وحال التماهي
وحال الحلول
وحال الفناء..
ومازلت أجهل ما الفرق
ما بين رائحة الجسد الأنثوي
ورائحة الجسد الكستناء
دخلت لمدرسة العشق خمسين عاما
ومنها خرجت بخفي حنين..
أخذت بدرس التصوف صفرا
ودرس التقشف صفرا
ودرس الغرام الرومنسي صفرا..
ولكني ماتفوقت إلا بدرس الجنون....
لبست النساء عليّ قميصا
وكنت أظن قميصي حرير
وحين أتى البرد والزمهرير
تأكدت أني لبست ثوب العراء
أعلى

انكسر إناء السيراميك الأزرق الذي
كنا نحتفظ به..
وانكسر معه شيء في داخلنا لايمكن إلصاقه..
فأنا أعرف
وأنت تعرفين أن الأواني الجميلة لا يمكن إلصاقها
شاخت كلمات الحب..يا سيدتي
شاخت الألف..وشاخت الحاء.
وشاخت الباء
فقدت تاءات التأنيث بكارتها ..
ولم تعد نون النسوة، تدر حليبا
كل شيء ..
تساقط كالورق اليابس على أرض مخيلتي..
كل خواتمك
كل مكاحلك
كل قبعاتك الصيفيه..
كل صرعاتك الهيبيه..
تحولت إلى فتافيت خبز أكلتها العصافير
أخبريني يا سيدتي..
ماذا يفعل العاشق بزجاج القلب حين ينكسر؟؟
وبالشهوة حين لا تشتهي؟؟..
وبالصراخ حين لا يصرخ؟؟..
وبالعشق حين لا يعشق؟؟؟
نحن مختلفان في كل شيء..
أنت متمسكة بموسيقى خلاخيلك
وأنا متمسك بموسيقى حريتي ..
أنت من حزب الوسط..
وأنا من حزب المجانين
أنت مقيمة في النصوص..
وأنا مهاجر منها..
أنت ملتزمة بسلطة القبيلة..
وأنا ضد جميع السلطات..
أنت جزء من التاريخ..
وأنا لا تاريخ لي
يا التي كنت تملأين الدنيا وتشغلين الناس
ماذا فعل بك الزمان؟ماذا فعلت بنفسك؟
كيف تحولت من بطلة شهيرة
إلى فتاة كومبارس؟
ومن رواية كلاسيكية عظيمة
إلى مقالة صحفية؟
ومن عمل تشكيلي
إلى عمل لا شكل له؟
ومن امرأة تشعل الحرائق
إلى امرأة تحت الصفر
أيتها الفينيقية..
التي تاجرت بكل شيء..
وخسرت كل شيء..لماذا لا تعرفين؟
بأن ثوراتك كلها،كانت على الورق ..
وعواطفك كلها،كانت من ورق..
ومراكبك كلها،كانت من ورق
اختلفت طموحاتنا يا سيدتي
فأنا ذاهب إلى يسار القصيدة..
وأنت ذاهبة إلى يمينها
أنا ذاهب باتجاه البحر..
وأنت ذاهبة باتجاه الجاهلية..
أنا أبحث عن أحجار الفلاسفة..
وأنت تبحثين عن أحجار الزمرد والياقوت..
أنا أبحث عن عناوين الريح..
وأنت تبحثين عن باب المحكمة الشرعية!!
ماذا حدث يا امرأة؟..
كيف تحولت من امرأة رافضة
إلى ثورة مضادة للثورة؟
ومن فرس متمردة
إلى سجادة في قصر أبي لهب؟؟
قضي الأمر..
قضي الأمر..يا سيدتي .
فلم يعد بوسعك أن ترممي إناء السيراميك الأزرق..
ولم يعد بوسعك
أن تعيدي عقارب الحب إلى الوراء..
ولا أن تعيديني معك إلى الوراء..
فأنا مجنون من مجانين الحرية..
وأنت الزوجة الواحدة بعد الألف..
من زوجات شهريار!!!!
أعلى

بعد تاريخ من النرجسية لا ضفاف له..
وتاريخ من التعددية..
والشهريارية
والراسبوتينية.. يلاحقني حيث ذهبت
أشعر برغبة في تجميل صورتي لديك
والاعتذار عن ماض لم تكوني فيه
وعن حماقات لم ترتكبيها..
وعن قصائد حب مجنونة
لم تشتركي في كتابتها
بعدما تخليت عن هواياتي الأولى في جمع الطوابع..
وجمع التحف القديمة
وجمع النساء الجميلات..
وبعدما ضجرت من جسدي
ومن سيوفي الخشبية
ومعاركي الدونكشوتية
وإقطاعاتي التي لا يغيب عنها النهد..
أطرق بابك لاجئا شعريا..
مطرودا من جميع فنادق العالم
حتى أقول لك بأنك الأنثى الأخيرة
والمحطة الأخيرة
والطلقة الأخيرة
لا حاجة لارتداء الملابس المسرحية
أو للتنكر،يا سيدتي فأنا مكشوف
على الجهات الأربع..
وتاريخي معلق على حبال الجرائد العربية
وأسماء حبيباتي..
تبث على كل الموجات
عن طريق الأقمار الصناعية
كيف أقنعك..
بطهارتي وطفولتي وصوفيتي؟؟
وسيرتي الذاتية معروضة في كل المكتبات
وتعرفها حتى القطط..
والأسماك والعصافير
كيف يمكنني أن أكون حبيبك
بعد كل هذا التاريخ الذي لا يمكن تجميله
ولا ترميمه..
ولا غسيله
بأي مسحوق من مساحيق الغسيل
كيف أقنعك يا سيدتي؟
بعدالة قضيتي
بعد كل هذا التاريخ المضرج بالفضيحة
من أول سطر حتى آخر سطر فيه..
والموثق بمحاضر البوليس
ومطالعة النيابة العامة، وإفادات ألوف النساء؟؟؟
كيف يمكن أن تصدق إمرأة مثلك رجلا مثلي؟..
يحمل على كتفيه
خمسين عاما من الشعر..
وخمسين عاما من الجنون..
ومليون إمرأة
كيف يمكن لامرأة مثلك أن تحب رجلا مثلي..
يقترف كل يوم قصيدة جديدة
وحبيبة جديدة؟؟
إن مشكلتي معك
هي أنني لا أستطيع أن أكون سريا
فأنا أفرز كلمات الحب
كما تغزل شرنقة الحرير خيوطها..
وكما تصنع النحلة عسلها
هل تسمحين لي أن أحبك؟؟
قد يكون سوآلي مضحكا
واعترافاتي قد تأخرت ثلاثين عاما..
ومع هذا..
أدخل عليك بلا استئذان،لأرمي سلاحي
على قدميك وأعطيك مفاتيح مملكتي
أنا لا أريدك أن تتورطي معي
في أي مشروع عاطفي ..
فأنا أعرف أن سوابقي كثيرة..
وأن سمعتي في المدينة ليست طيبه الرائحة
كما أعرف أن ملفي النسائي بين يديك
سوف ينفجر في أية لحظة..
كل هذا أعرفه
غير أنني أرجوك أن تعطيني فرصة أخيرة..
كي أقول : أحبك..ولو لمرة واحدة..
حتى أبلل حنجرتي وأسقي أزاهير رجولتي
هل تسمحين أن ..
هل تسمحين أن..
إنني لا أنتظر جواب أسئلتي
فالنساء هن مجموعة من الأسئلة..
لا يعرف جوابها إلا الله
أعلى
سوف أخصص هذا الفصل من سيرتي الذاتية الجديدة، للحديث عن موضوع
جديد وطريف لم أكتب عنه في سيرتي الذاتية الأولى، يتعلق بشعري
المُغنَّى، وعلاقتي بالغناء والمغنّين الذين غنّوا قصائدي.
وبداية أقول انني لم أحلم يوما ولم أخطط لكي أكون شاعرا غنائيا.
ولكنني وجدت نفسي بالصدفة مزورعا في قلب الأغنية العربية، وأصبحت
بين ليلة وضحاها على شفاه كبار المغنين والمغنيات.
الشرارة الأولى انطلقت من بكين، عاصمة جمهورية الصين الشعبية، حين
كنت أعمل دبلوماسيا فيها 1958-1960.
لم أكن سعيدا في العمل في الصين، وكان كل ما حولي يحاصرني باللون
الأصفر.. السماء صفراء، والحقول صفراء، والأشجار صفراء،
والابتسامات سفراء.. واللغة صفراء.. والشاي أصفر.. والرز أصفر..
والعصي الخشبية التي كنت أتناول بها طعامي صفراء..
ماذا أفعل لأكسر وحشية اللون الأصفر؟..
قلت أكتب قصيدة حب وردية.. علّ اللون الوردي يغير حالتي النفسية،
ويخرجني من معتقلي الزعفراني.. قبل أن يصبح دمي أصفر.. وثغر حبيبتي
أصفر.. وثقافتي صفراء..
وبدأت أخربش على أوراقي كطفل محبوس خلف أسوار جدار الصين العظيم..
ومضطر أن يقرأ ليلا ونهارا.. شعر ماوتسي تونغ.. وبيانات الثورة
الثقافية..
وبدأ المطر الوردي يتساقط؟
أيظنُّ أني لعبةٌ بيديهِ؟
أنا لا أفكر بالرجوع اليه..
اليوم عاد.. كأن شيئا لم يكن..
وبراءة الأطفال في عينيه..
حمل الزهور اليّ.. كيف أردّه؟
وصباي مرسوم على شفتيه..
وبدون أن أدري.. تركت له يدي
لتنام كالعصفور بين يديه..
سامحتُهُ، وسألتُ عن أخباره
وبكيتُ ساعات على كتفيه..
حتى فساتيني التي أهملتُها..
فرحت به، رقصت على قدميه..
ونسيتُ حقدي كله في لحظة
من قال اني قد حقدْتُ عليه؟
كم قلتُ ان غير عائدة له
ورجعتُ.. ما أحلى الرجوع اليه!!.
عندما رأيت القصيدة ترتعش على الورقة أمامي كفراشة قزحية.. لم أصدق
الورقة.. ولم أصدق أصابعي.. ولم أصدق أن الشعر ما زال على قيد
الحياة..
خرجت كالمجنون ليلا إلى شوارع بكين.. بحثا عن صيني واحد أقرأ له
قصيدة (أيظنَ).. ولكن كل الذين اقتربت منهم، وفي يدي القصيدة..
كانوا يهربون مني خوفا أن أكون عميلا من عملاء الاستخبارات
الأميركية.. يوزّع منشورات ضد النظام الشيوعي.
رجعت إلى شقتي لأحتفل وحدي.. بميلادي.. وميلاد الشعر.. بعدما تأكدت
أن شياطين الشعر لا يمكنها أن تصل إلى الصين.. لأن النظام الشيوعي
لا يعترف إلا بشاعر واحد في العالم، هو الرفيق ماوتسي تونغ..
لقد بهَرَتني القصيدة، لا لقيمتها الشعرية، ولا لأهميتها
الإبداعية، فهي قصيدة بمنتهى البساطة. ولكن حماسي لها كان يشبه
حماس الأم التي وضعت طفلها، بعد أعوام من الانتظار والترقب.. لم
يكن المهم ماذا ولدتْ.. ولكن المهم أنها ولدتْ..
كان حظ قصيدة (أيظنّ) من الذَهَب والماس.. حين أتيح لها أن تقع بين
أنامل الموسيقار العظيم محمد عبد الوهاب.
ويبدو أن موسيقارنا قد قرأ القصيدة.. وأحبّها.. وأحسّ بطرافتها
كقصة حب قصيرة ترويها عاشقة.. فأخذ عودَه.. وقال للسيدة المطربة
نجاة الصغيرة التي حملت اليه القصيدة: هذه هي القصيدة التي تليق
بصوتك.. وسوف أبدأ بتلحينها فورا..
وفعلا بدأ أستاذنا الكبير يلحّن.. وبدأت السيدة نجاة تحفظ.. وبدأت
البروفات تتواصل يوميا.. وبدأت الفرق الماسية تتدرب على اللحن..
ولم تمر أشهر قليلة.. حتى كانت الأغنية تطل من الإذاعات
والتلفزيونات والحفلات العامة، إطلالة الملكات..
وبعد أيام من إطلاقها.. كان الوطن العربي كله من الماء إلى الماء..
يستيقظ على (أيظنّ).. ويأكل.. ويشرب.. وينام على كلماتها.
كانت (أيظنّ) هي الخبر الرئيسي على صفحات الجرائد والمجلات
العربية.. وكانت الإذاعات العربية مطرّزة بأغنية (أيظنّ) من الصباح
حتى المساء.. حتى نشر أحد رسامي الكاريكاتور المصريين رسما لمذيع
يقول أمام الميكروفون: (سيدات سادتي: هنا إذاعة (أيظنّ)!!..).
بالإضافة إلى ذلك، دخلت بعض عبارات القصيدة القاموسَ السياسي.. مثل
(اليوم عاد..) و(كأن شيئا لم يكن..) و(ما أحلى الرجوع إليه..).
ولعلّ من أخطر وأجمل وأنبل التأثيرات التي تركتها القصيدة في وجدان
الجماهير، تأثيراتها الاجتماعية والخُلُقية.
فكم من زوجين مفترقين.. عادا إلى بيت الزوجية بعد أن سمعا عبارة ما
أحلى الرجوع اليه)..
وكم من حبيبين كانا غاضبين ومصممين على قطع علاقاتهما.. ندما على
قرارهما.. بعد سماع (ونسيتُ حقدي كله في لحظة..).
إن رسائل الشكر التي تلقيتها من ألوف المعذبين بالعشق.. بعد انطلاق
قصيدة (أيظنّ).. جددت إيماني بالشعر، كمبشّر، ورسول، وسفير محبة..
مهمته أن يزرع أزهار الحب، ويفجّر أمطار الحنان.. ويقرّب الإنسان
من أخيه الإنسان.
إذن فقد أحدثت قصيدة (أيظنّ) زلزالا فنيا لا سابقة له في تاريخ
المنطقة العربية. وأنا مستند على جدار حائط الصين الكبير لا علم
عندي ولا خبر..
وعندما عدت من منفاي الأصفر إلى القاهرة عام 1960، لم أصدق أن
قصيدة من القصائد المغناة، يمكنها أن تربح (الأوسكار).. كما لم
أصدق أن شاعرا يمكن أن يتكنّى باسم قصيدته.. حتى أن الصحف المصرية
لم تذكر اسمي.. بل كانت تقول: ذهب شاعر (أيظنّ) إلى منطقة
الأهرامات.. وشوهد شاعر (أيظنّ) في مقهى الفيشاوي.. أو تناول شاعر
(أيظنّ) الغداء على مائدة الموسيقار محمد عبد الوهاب.
ولما شكوت لصديق الموسيقار هذا التجاهل والتجهيل في التعريف بي
كشاعر، وأنني لست (شاعر أيظنّ).. وانما أنا شاعر يمتد تاريخه
الشعري إلى عام 1942 وله عشرات الدواوين الشعرية التي سبقت
(أيظنّ)..
ضحك الموسيقار الكبير ملء شفتيه وقال:
- ما تزعلش يا نزار.. دي طريقتنا في التعبير عن اعجابنا بك.. فلقد
كانت الصحافة تسمي أحمد رامي شاعر الشباب.. وتسمي خليل مطران شاعر
القطرين.. وتسمي علي محمود طه الملاح التائه.. وتسمي بشارة الخوري
الأخطل الصغير.. وتسمي بيرم التونسي شاعر الشعب...
ثم ان النجاح الأسطوري الذي حققته (أيظنّ) جعل الناس البسطاء في
مصر يتساءلون: من هو هذا الشاعر الذي استطاع بقصيدة واحدة أن يحرك
مشاعرهم ويفوز بحبهم؟؟...
ربما تعرف النخبة الشيء الكثير عنك وعن أعمالك الشعرية.. ولكن
الفلاحين، والجنود، والصنايعية، وسائقي التاكسي، والشيّالين، وعمال
المصانع والنقل البحري.. يعرفونك عن طريق (أيظنّ)..
فإذا كنت تطبع من كل ديوان شعر تكتبه ثلاثة آلاف نسخة، فقد طبعنا
من أغنية (أيظنّ) مليون شريط.. ولسوف نستمر في الطبع.
أصغيت بإعجاب إلى ما قاله الموسيقار الكبير عن فن الأقلية وفن
الأكثرية، وعن ضرورة إيصال الشعر إلى من لا يستطيعون الوصول إليه
عن طريق الأقنية الثقافية التقليدية.
وعندما انتهى حديث محمد عبد الوهاب المنطقي والشيق، شعرت أن الرجل
كان يعبّر عن فكري..
وسحبت شكواي..
أعلى
أيظن أني لعبة بيديه ؟
أنا لا أفكر في الرجوع إليه
اليوم عاد كأن شيءً لم يكن
وبراءة الأطفال في عينيه
ليقول لي إني رفيقة دربه
وبأنني الحب الوحيد لديه
حمل الزهور إلي كيف أرده
وصباي مرسوم على شفتيه
ما عدت أذكر والحرائق في دمي
كيف التجأت أنا إلى زنديـه
خبأت رأسي عنده وكأنني
طفل أعادوه إلى أبويه
حتى فساتيني التي أهملتها
فرحت به رقصت على قدميه
سامحته وسألت عن أخباره
وبكيت ساعات على كتفيه
وبدون أن أدري تركت له يدي
لتنام كالعصفور بين يديه
ونسيت حقدي كله في لحظة
من قال إني قد حقدت عليه
كم قلت إني غير عائدة له
ورجعت .. ما أحلى الرجوع إليه
أعلى

محمد عبد الوهاب ظاهرة ثقافية أكثر مما هو ظاهرة موسيقية أو صوتية.
انه عقل يغنّي.
ولذا فانه عاش نحو قرن من الزمان، معتمدا على طاقاته العقلية
ومكتسباته الثقافية بالدرجة الأولى، وعلى طاقاته الصوتية بالدرجة
الثانية.
الصوت الجميل هبة من عند الله، وهو مرتبط بعلم الجينات وقانون
السلالات.. ولا يمكن للعندليب أن يغيّر زقزقته.. وللحصان أن يغيّر
صهيله.
ولكن الصوت الذي لا يثقّف نفسَه، ولا يتطوّر، ولا يجدّد معارفه،
ولا ينفتح على ثقافات العالم.. يبقى صوتا أُميّا..
والصوت الأُميّ يشتعل بسرعة.. وينطفئ بسرعة.. لأنه لا يملك الوقود
الثقافي الذي يسمح له بالاستمرار..
وعالمنا العربي، يكتظ في هذه المرحلة الغنائية الهابطة، بعشرات
الأصوات التي لا عقلّ لها.. ولا عمرَ لها.. ولا مستقبلَ لها..
انني لا أؤمن بصوت لا يشع ذكاءً.
وصوت محمد عبد الوهاب على التلفون كان دائما يُشجيني.. ويُسكرني..
ويُدخلني في حالة (النرفانا)..
لذلك عندما سألني أحد الصحافيين اللبنانيين في أحد الحوارات: من هو
محمد عبد الوهاب بكلمات؟
أجبته: هو عصفور (يتكلم) جيدا..
ولم أقل: هو عصفور يغني جيدا..
لأن كل العصافير تجيد الغناء.. ولكن القليل منها من يجيد الكلام..
تعرّفت على الموسيقار محمد عبد الوهاب عام 1945 في القاهرة، عن
طريق صديقي الشاعر كامل الشناوي. وكنت حينئذ أخطو خطواتي الشعرية
الأولى.
ورغم أن الفرصة كانت متاحة لي لقراءة شعري أمامه، علّ الحظ يبتسم
لي فيختار إحدى قصائدي للغناء.. إلا أنني لم أدخل المغامرة، لأني
كنت مدركا أن الموسيقار الكبير لا يزال واقعا تحت مغناطيسية أمير
الشعراء أحمد شوقي.. ولا يزال متأثرا بلغته وصياغاته الشعرية
الفخمة..
كنت مدركا أن الذي يلحّن:
وتعطّلت لغة الكلام.. وخاطبتْ
عينيَّ في لغة الهوى، عيناكِ..
لن يلحّن:
على المقاعد بعض من سجائره
وفي الزوايا بقايا من بقاياهُ..
هنا.. جريدته في الركن مهملةٌ
هنا كتابٌ معا كنا قرأناهُ..
لذلك كان لا بد أن أنتظر محمد عبد الوهاب ثلاثين عاما ليلحّن لي
عام 1970 قصيدتي (ماذا أقول له؟) التي تغنّيها السيدة نجاة.
متحرّرا بذلك من تركة أمير الشعراء، وبصماته التاريخية.
ومن أطرف ما رواه لي الموسيقار الكبير أنه خلال تلحينه قصيدتي
(ماذا أقولُ له؟) دخل عليه بعض أصدقائه من أصحاب الذوق التقليدي،
وعندما سمعوه يغني جملة (على المقاعد بعض من سجائره..) قفزوا من
مقاعدهم محتجّين وقالوا له:
" إيه الانقلاب الخطير ده في اختياراتك.. يعني بعد قصيدة مجنون
ليلى للمرحوم أمير الشعراء.. أنت عايز تغني نع السجاير..
والجرانيل؟.. لنـزار قباني؟؟ حرام عليك يا أستاذ.. "
وضع الموسيقار الكبير العود إلى جانبه، وقال لهم بكل ثقة وهدوء:
" يا حضرات الأساتذة: أنا لحّنت قصيدة نزار قباني لأنها تعبّر عن
الحب في العصر الحديث. وفي عصرنا لم يعد العشاق يمارسون الهوى تحت
الخيام.. وإنما صاروا يجلسون في الكافيتاريا، ويدخنون السجائر..
ويطالعون الصحف.. ويتابعون أخبار العالم..
وبكل صراحة أقول لكم إنني لحّنت القصيدة لأنها تتحدث عن السجائر
والجرائد.. لا عن (عيون المها بين الرصافةِ والجسرِ..).
ان الأغنية يجب أن تكون صورة عن القرن العشرين.. لا صورة عن العصر
الجاهلي.. "
هذا الجواب الذكي والمثقّف، الذي ردّ به محمد عبد الوهاب على
احتجاج زائريه ونقدهم، يثبت كم كان الرجل حداثيا ومتطورا في فكره،
وطليعيا في رؤياه.
لقد كان دائما يسبق الأشياء.. ولا يمشي وراءها..
وأهم ما فيه أن حياته كانت مرسومة على المسطرة..
فلا مبالغة في شيء.. ولا استهتار في شيء.. ولا شراهة في شيء..
وإنما حياة تقترب كثيرا من حياة الرهبان والمتصوّفين..
يأكل بهدوء وتقشّف كما ينقرُ عصفورٌ حبة قمح..
وينام وهو مستيقظ كما ينام الحمامُ الزاجل..
ويلبس ملابس الأمراء.. ويمشى مشية الأمراء..
ويخاف على جسده، كما تخاف امرأة على خاتم عرسها..
ولذلك استطاع أن يحمي فنه من التلوّث..
ورغم ألوف المغريات التي كانت تحيط به، كفنان ملأ الدنيا وشغل
الناس، ورغم نداءات الليل، والشراب، والنساء، والمخدرات، والتهتك،
والانحلال، إلا أنه بقي محتفظا بعذريته الجسدية والفنية
والخُلُقية..
وأود أن أعترف في هذه السيرة الذاتية الجديدة، أن الموسيقار محمد
عبد الوهاب لم يكن مطربا عربيا كبيرا فحسب، بل كان معلما ونموذجا
وقدوة لي في عملي الشعري ونهجي الحياتي.
كان مدرسة تعلمتُ منها الانضباط، والنظام، والمسؤولية نحو الفن.
تعلمتُ منه كيف أحترم ورقة الكتابة، وكيف أحترم من أكتب لهم.. كما
علمني أن المجد هو مسؤولية والتزام، فكلما اتسعت شهرتنا كلما اتسعت
التزاماتنا.
وفي مصيف بلودان السوري، تصادفَ أن نزلنا في فندق واحد في
السبعينات، وفي غرفة الطعام كنت أجلس معه، وأطلب ذات الطعام الذي
يطلبه.. وأشرب من زجاجة ماء (إيفيان) التي يشرب منها.. وأرفض لمس
الحلويات العربية.. واحتساء القهوة بعد الطعام..
حتى قال لي بعد يومين:
" سيبك من الشقا ده يا نزار.. أنت لو استمريت شهر في هذا النضال..
حيصير شكلك زي المهاتما غاندي..".
تعلمت من الكبير محمد عبد الوهاب أيضا قلقه وخوفه من مواجهة الناس.
بعد سبعين عاما من العطاء كان يرتعش كورقة في مهب الريح، ويتمتم من
وراء الكواليس عشرات الآيات القرآنية قبل أن يقدّم عملا جديدا..
انه خوف جميل، لا يزال يعصف بي أنا أيضا قبل كل أمسية شعرية
أقدّمها.. كأنني طفل صغير يستعد لدخول الامتحان..
ان الفنان مهما ارتفع في سماء الشهرة، ومهما سُلِّطت عليه
الأضواء.. يبقى خائفا على مستواه، وعلى سمعته، وعلى تاريخه..
هذا الخوف هو خوف صحي.. وهو سمة مشتركة بين جميع المبدعين.
أنتم لا شك تعرفون محمد عبد الوهاب، مطربَ الملوك والأمراء،
وموسيقارَ العصر، ولكنْ لا أحدَ منكم يعرف محمد عبد الوهاب الكاتب
والناقد الأدبي المتميّز.
وقد فوجئت بالنص الرائع والكاشف واللمّاح الذي كتبه عني في إحدى
الأوراق الخاصة التي تركها، والتي جمعها الصديق الشاعر فاروق جويدة
في كتاب صدر عن دار أخبار اليوم تحت عنوان (عبد الوهاب وأوراقه
الخاصة جدا)..
وفي هذا النص الجميل، يضعني الموسيقار محمد عبد الوهاب تحت مجهر
ذكائه وحساسيته، ويكشف أوراقي كما لم يكشفها ناقد أكاديمي من قبل..
وعندما اطّلعتُ على النص ذُهلت لكمية الصدق التي يحتويها، وعندما
سألت زوجته السيدة نهلة القدسي: كيف استطاع زوجك أن يكتبَ عني بمثل
هذه الشفافية؟ أجابتني: لأنه كان يكتب عن نفسه!!.
وأسمح لنفسي بأن أعيد نشر النص الاستثنائي الذي كتبه الموسيقار
الخالد محمد عبد الوهاب عني قبل رحيله:
نزار قباني
رسّام بالكلمات
الشاعر نزار قباني ينظم الشعر بعينيه لا بقلبه.
فهو مصوّر. أشعاره لوحات جميلة بأسلوب جذّاب، بسيط، رشيق.
لم أشعر في شعره بانتفاضه قلبه، أو بمأساة عاشها، أو مشكلة مرّ بها
واعتصرت قلبه، وصاغها شعرا. بل انه مصوّر. وقد كشف هو عن نفسه. فقد
أصدر ديوانا من الشعر عنوانه (الرسمُ بالكلمات). انه عندما ينظم
بلسان المرأة فانه يرى مشاكلها، ويرقبها بدقة، ويصوّرها نظما. لأنه
يحس بإحساس المرأة بصدق.
وأنا لم أقرأ له شعرا حزينا، أو به من الشجن ما يجعلني أحس بأنه
التاعَ وسهرَ وبكى.. انه رسام بالكلام.. كما قال هو.
إن نزار عندما يعاني مشكلة، ينفصل منه نزار آخر يرقبه في محنته،
ويسجل عليه تصرفاته. ثم بعد ذلك ينضم إليه ليصبح نزار الشاعر يكتب
ما رآه شعرا. إن نزار يخاطب المرأة والحب كأنه إمبراطور يأمُر
فيُطاع، وأنه يتفضّل على الحب والمرأة بما يجود به.
لم أشعر ولم أتصور أبدا أن نزار يركع على قَدَميْ محبوبته أو أن
يتذلّل لها. انه أرفع من هذا . انه ليس بإنسان يلتاع ويهيم.. انه
مَلِكْ.
والفرق بين نزار قباني والشعراء القدامى، أن شعر نزار ببساطة
أسلوبه وألفاظه، أصبح شعرا جماهيريا لا يحتاج إلى غنائه مثل الشعر
القديم الذي كان لا يصل للجماهير إلا عن طريق الغناء.
ولا شك أن شعر نزار وصل للناس بدون غناء قبل أن يزيده الغناء
جمالا. أي أن نزار قرأ شعره من أجله.. لا من أجل أي مغنٍ يغنيه.
والشعر قبل نزار قباني كان لا يقرأه ويفهمه ويستمتع به إلا
المثقفون. وجاء نزار ونظم شعرا يقرأه ويفهمه ويستمتع به المثقفون
وغير المثقفين على السواء.
أعلى
ماذا أقول له لو جاء يسألني
إن كنت أكرهه أو كنت أهواه ؟
ماذا أقول إذا راحت أصابعه
تلملم الليل عن شعري وترعاه ؟
وكيف أسمح أن يدنو بمقعده ؟
وأن تنام على خصري ذراعاه ؟
غداً إذا جاء .. أعطيه رسائله
ونطعم النار أحلى ما كتبناه
حبيبتي ! هل أنا حقاً حبيبته ؟
وهل أصدق بعد الهجر دعواه ؟
أما انتهت من سنين قصتي معه ؟
ألم تمت كخيوط الشمس ذكراه ؟
أما كسرنا كؤوس الحب من زمن
فكيف نبكي على كأس كسرناه ؟
رباه .. أشياؤه الصغرى تعذبني
فكيف أنجو من الأشياء رباه ؟
هنا جريدته في الركن مهملة
هنا كتاب معاً .. كنا قرأناه
على المقاعد بعض من سجائره
وفي الزوايا .. بقايا من بقاياه
مالي أحدق في المرآة .. أسألها
بأي ثوب من الأثواب ألقاه
أ أدعي أنني أصبحت أكرهه؟
وكيف أكره من في الجفن سكناه ؟
وكيف أهرب منه ؟ إنه قدري
هل يملك النهر تغييراً لمجراه ؟
أحبه .. لست أدري ما أحب به
حتى خطاياه ما عادت خطاياه
الحب في الأرض .. بعض من تخيلنا
لو لم نجده عليها .. لاخترعناه
ماذا أقول له لو جاء يسألني
إن كنت أهواه .. إني ألف أهواه
أعلى

لا تسأليني .. هل أحبهما ؟
عينيـك إني منهما لهما
ألدي مــرآتان من ذهــب
ويقال لي لا أعتني بـهما
أستغفر الفيروز .. كـيف أنا
أنسى الذي بيني وبينـهما
أ بلحظة تنسين سيــدتي
تاريخي المرسوم فوقهما
وجميع أخباري مصورة
يوماً فيوماً في اخضرارهما
نهران من تبغ ومن عسل
ما فكرت شمس بمثلهما
وستارتان إذا تحركتا
أبصرت وجه الله خلفهما
عام .. وبعض العام سيدتي
وأنا أضئ الشمع حولهما
كم جئت أمسح فيهما تعبي
كم نمت .. كم صليت عندهما
كوخان عند البحر .. هل سنة
إلا قضيت الصيف تحتهما
أحشو جيوبي كلها صدفاً
وأذيب حزني في مياههما
عاد الشتاء بكل قسوته
يمتص أيامي فأين هما ؟
الشمس منذ رحلت مطفأة
والأرض غير الأرض بعدهما
الآن أدرك حيث لا قمر
ماذا أنا .. ماذا.. بدونهما
أعلى

تساءلت .. في حنان
عن حبنا كيف كان ؟
وكيف نحن استحلنا
حرائقاً في ثوان ؟
صرنا .. ضياء وصرنا
في دوزنات الكمان
فالناس لو أبصرونا
قالوا: دخان الدخان
في أي أرض جمعنا
وأين هذا المكان ؟
هل كان جذعاً عتيقاً
في غابة السنديان ؟
أم كان منـزل راع
ملأ بالأغاني ؟
على الليالي دخلنــا
فأصبحت مهرجـان
فحيث رفت خطانا
تفتقت نجمتان
وحيث سال شذانا
تفتحت وردتان
ويعرف الليل أنّا
كنا له شمعدان
نُهديه حتى كأنا
لليل غمازتان
أعلى

لا.. لا أريد ..
المرة الخمسون .. إني لا أريد
ودفنت رأسك في المخدة يا بليد ..
وأدرت وجهك للجدار ..
أيا جداراً من جليد ..
وأنا وراءك ..
يا صغير النفس .. نابحة الوريد
شعري على كتفي بديد
والريح تفتل مقبض الباب الو صيد
ونباح كلب من بعيد
والحارس الليلي .. والمزراب متصل النشيد
حتى الغطاء سرقته
وطعنت لي الأمل الوحيد
أملي الذي مزقته .. أملي الوحيد
ماذا أريد ؟
وقبيل ثانيتين كنت تجول كالثور الطريد
والآن أنت بجانبي
قفص من اللحم القديد
ما أشنع اللحم القديد
ماذا أريد ؟
يا وارثاً عبد الحميد
والمتكى التركي
والنرجيلة الكسلى تئن وتستعيد
والشركسيات السبايا حول مضجعة الرغيد
يقطن فوق بساطه .. جيداً فجيد
وخليفة الإسلام والملك السعيد
يرمي .. ويأخذ ما يريد
لا .. لم يمت عبد الحميد
فلقد تقمص فيكم عبد الحميد
حتى هنا ..
حتى على السرر المقوسة الحديد
نحن النساء لكم عبيد
وأحط أنواع العبيد
كم مات تحت سياطكم نهد شهيد
وبكى من استئثاركم
خصر عميد
ماذا أريد ؟
لاشيء
يا سفاح .. يا قرصان .. يا قبو الجليد
فأنا وعاء للصديد
يا ويل أوعية الصديد
هي ليس تمللك أن تريد ولا تريد
أعلى

تلومني الدنيا إذا أحببته
كأني .. أنا خلقت الحب واخترعته
كأنني أنا على خدود الورد قد رسمته
كأنني أنا التي
للطير في السماء قد علمته
وفي حقول القمح قد زرعته
وفي مياه البحر قد ذوبته
كأنني .. أنا التي
كالقمر الجميل في السماء
قد علقته
تلومني الدنيا إذا
سميت من أحب .. أو ذكرته
كأنني أنا أخوه
وأمه .. وأخته
هذا الهوى الذي أتى
من حيث ما انتظرته
مختلف عن كل ما عرفته
مختلف عن كل ما قرأته
وكل ما سمعته
لو كنت أدري أنه
نوع من الإدمان .. ما أدمنته
لو كنت أدري أنه
باب كثير الريح .. ما فتحته
لو كنت أدري أنه
عود من الكبريت .. ما أشعلته
هذا الهوى . أعنف حب عشته
فليتني حين أتاني فاتحاً
يديه لي .. رددته
وليتني من قبل أن يقتلني .. قتلته
هذا الهوى الذي أراه في الليل
على ستائري
أراه .. في ثوبي
وفي عطري .. وفي أساوري
أراه .. مرسوماً على وجه يدي
أراه .. منقوشاً على مشاعري
لو أخبروني أنه
طفل كثير اللهو والضوضاء ما أدخلته
وأنه سيكسر الزجاج في قلبي لما تركته
لو أخبروني أنه
سيضرم النيران في دقائق
ويقلب الأشياء في دقائق
ويصبغ الجدران بالأحمر والأزرق في دقائق
لكنت قد طردته
يا أيها الغالي الذي
أرضيت عني الله .. إذا أحببته
هذا الهوى أجمل حب عشته
أروع حب عشته
فليتني حين أتاني زائراً
بالورد قد طوقته
وليتني حين أتاني باكياً
فتحت أبوابي له
وبسته ..وبسته .. وبسته
أعلى

عزيزتي
إذا رجعت لحظة لنفسي
أشعر أن حبنا جريمة
وأنني مهرج عجوز
يقذفه الجمهور بالصفير والشتيمة
أشعر أني سارق
يسطو على لؤلؤة كريمة
أشعر في قرارتي
أن العبارة التي ألفظها جريمة
أن انتصاراتي التي أزعمها
ليست سوى هزيمة
فما أنا أكثر من جريدة قديمة
وأنت يا صغيرتي
مازلت .. تحتاجين للأمومة
إذا رجعت لحظة لنفسي
أدرك يا عزيزتي
تفاهة انتصاري
أشعر أن حبنا
تجربة انتحار
وأننا
ننكش كالأطفال في هياكل المحار
أشعر أن ضحكتي
نوع من القمار
وقبلتي
نوع من القمار
أشعر أن نهدك المزروع في جواري
كخنجر مفضض
ككوكب مداري
يشتمني
يجلدني
يشعرني بعاري
إذا رجعت لحظة لنفسي
أشعر أن حبنا
حماقة كبيرة
وأنني حاو من الحواة
يخرج من جيوبه الأرانب المثيرة
وأنني كتاجر الرقيق
يبيع كل امرأة ضميره
أشعر في قرارتي
أن يدي في يديك الصغيرة
قرصنة حقيرة
أن يدي
كخيط عنكبوت
تلتف حول الخصر والضفيرة
أشعر في قرارتي
أنك بعد، نعجة غريرة
أما أنا .. فمركب عتيق
يواجه الدقائق الأخيرة
أعلى

إذا مرَّ يومٌ . ولم أتذكَّر
به أن أقول : صباحكِ سكّر
ورحتُ أخطُّ كطفلٍ صغيرٍ
كلاماً غريباً على وجه دفتر
فلا تَضجري من ذهولي وصمتي
ولا تحسبي أنَّ شيئاً تغيَّر
فحين أنا . لا أقول : أحبُّ
فمعناه أني أُحبُّكِ أكثر
إذا جئتِني ذات يومٍ بثوبٍ
كعشب البحيرات .. أخضر ..أخضرْ
وشَعْرُكِ ملقىً على كتفيكِ
كبحرٍ..كأبعاد ليلٍ مبعثر
ونهدكِ..تحت ارتفاف القميصِ
شهيٌ..شهيٌ..كطعنة خنجر
ورحتُ أعبُّ دخاني بعمقٍ
وأرشف حبرَ دَواتي وأسكر
فلا تنعتيني بموت الشعور
ولا تحسبي أنّ قلبي تحجَّر
فبالوهم أخلقُ منكِ إلها
وأجعلُ نهدكِ..قطعةَ جوهر
وبالوهم..أزرعُ شعرك دفْلى
وقمحاً..ولوزاً..وغابات زعتر..
إذا ما جلستِ طويلاً أمامي
كمملكةٍ من عبيرٍ ومرمر
وأغمضتُ عن طيِّباتكِ عيني
وأهملتُ شكوى القميص المعطَّر
فلا تحسبي أنني لا أراكِ
فبعضُ المواضيع بالذهن يُبصر
ففي الظلِّ يغدو لعطركِ صوتٌ
وتصبح أبعادُ عينيكِ أكبر
أُحبُّكِ فوقَ المحبَّة..لكن
دعيني أراكِ كما أتصوَّر..
أعلى

عيناك كنهري أحزان
نهري موسيقى حملاني
لوراء وراء الأزمان
نهري موسيقى قد ضاعا
سيدتي ثم أضاعاني
الدمع الأسود فوقهما
يتساقط أنغام بيان
عيناك وتبغي وكحولي
والقدح العاشر أعماني
وأنا في المقعد محترق
نيراني تأكل نيراني
أ أقول أحبك يا قمري
آه لو كان بإمكاني
فأنا لا أملك في الدنيا
إلا عينيك وأحزاني
سفني في المرفأ باكية
تتمزق فوق الخلجان
ومصيري الأصفر حطمني
حطم في صدري إيماني
أ أسافر دونك ليلكتي
يا ظل الله بأجفاني
يا صيفي الأخضر يا شمسي
يا أجمل أجمل ألواني
هل أرحل عنك وقصتنا
أحلى من عودة نيسان
أحلى من زهرة غاردينيا
في عتمة شعر أسباني
يا حبي الأوحد لا تبكي
فدموعك تحفر وجداني
إني لا أملك في الدنيا
إلا عينيك وأحزاني
أ أقول أحبك ياقمري
آه لو كان بإمكاني
فأنا إنسان مفقود
لا أعرف في الأرض مكاني
ضيعني دربي ضيعني
اسمي ضيعني عنواني
تاريخي ! مالي تاريخ
إني نسيان النسيان
إني مرساة لا ترسو
جرح بملامح إنسان
ماذا أعطيك ؟ أجيبيني
قلقي ؟ إلحادي ؟ غثياني
ماذا أعطيك سوى قدر
يرقص في كف الشيطان
أنا ألف أحبك فابتعدي
عني عن ناري ودخاني
فأنا لا أملك في الدنيا
إلا عينيك وأحزاني
أعلى

مهما تعددت النساء
فالأصل أنت..
مهما اللغات تعددت..
والمفردات تعددت..
فأهم ما في مفردات الشعر أنت..
مهما تنوعت المدائن،و الخرائط،
والمرافئ، والدروب،
فمرفأي الأبدي أنت..
مهما السماء تجهمت أو أبرقت.
أو أرعدت،فالشمس أنت..
ما كان حرفا في غيابك ممكنا
وتكونت كل الثقافة، يوم كنت..
ولقد احبك، في زمان قادم
فأهم مما قد أتى..
ما سوف يأتي..
هل تكتبين معي القصيدة يا ترى؟
أم أنت جزء من فمي؟
أم أنت صوتي؟
كيف الرحيل على فضاء آ خر ؟
من بعدما عمرت في ( عينيكِ ) بيتي؟..
إني أحبك، طالما أحيا،وأرجو أن أحبك
كالفراعنة القدامى بعد موتي
أعلى

وعدتك أن لا احبك
ثم أمام القرار الكبير جبنت
وعدتك أن لا أعود .... وعدت
وان لا أموت اشتياقا ... ومت
وعدت مرارا
وقررت أن استقيل مرارا
ولا أتذكر أني ... استقلت
وعدت بأشياء اكبر مني
فماذا غدا ستقول الجرائد عني
أكيدا ستكتب أني.. جننت
أكيدا ستكتب أني.. انتحرت
وعدتك أن لا أكون ضعيفاً.. وكنت
وان لا أقول بعينيك شعراً.. وقلت
وعدت بالا وألا وألا
وحين اكتشفت غبائي.. ضحكت
وعدتك أن لا أبالي بشعرك
حين يمر أمامي
وحين تدفق كالليل فوق الرصيف.. صرخت
وعدتك أن أتجاهل عينيك
مهما دعاني الحنين
وحين رأيتهما تمطراني نجوماً.. شهقت
وعدتك أن لا اوجه
أي رسالة حب إليك
ولكنني رغم انفي.. كتبت
وعدتك أن لا أكون في أي مكاناً
تكونين فيه
وحين عرفت أنك مدعوة للعشاء.. ذهبت
وعدتك ألا احبك
كيف .. وأين .. وفي أي يوم.. وعدت
لقد كنت اكذب من شدة الصدق
والحمد الله أني.. كذبت
وعدت بكل برودي وبكل غبائي
بإحراق كل الجسور ورائي
وقررت بالسر قتل جميع النسائي
وأعلنت حربي عليك
وحين رأيت يديك المسالمتين.. اختجلت
وعدت بالا وألا وألا
وكانت جميع وعودي
دخانا وبعثرته في الهواء
وعدتك أن لا أتلفن ليلاً
وان لا أفكر فيك حين
تمرضين
وان لا أخاف عليك
وان لا اقدم وردا
وتلفنت ليلا على الرغم مني
وأرسلت وردا على الرغم مني
وعدت بالا وألا وألا
وحين اكتشفت غبائي.. ضحكت
وعدت بذبحك خمسين مرة
وحين رأيت الدماء تغطي ثيابي
تأكدت أني الذي قد ذبحت
فلا تأخذيني على محمل الجد
مهما غضبت ومهما فعلت
ومهما اشتعلت ومهما انطفأت
لقد كنت اكذب من شدة الصدق
والحمد لله أني.. كذبت
وعدتك أن احسم الأمر فورا
وحين رأيت الدموع
تهر هر من مقلتيك.. ارتبكت
وحين رأيت الحقائب في الأرض
أدركت انك لا تقتلين
بهذه السهولة
فأنت البلاد وأنت القبيلة
وأنت القصيدة قبل التكون
أنت الدفاتر أنت المشاوير
أنت الطفولة
وعدت بإلغاء عينيك
من دفتر الذكريات
ولم اكن اعلم أني سألغي
حياتي
ولم اكن اعلم انك
رغم الخلاف الصغير أنا
وأني أنت
وعدتك أن لا احبك
ياللحماقه ماذا بنفسي.. فعلت
لقد كنت اكذب من شدة الصدق
والحمد الله أني.. كذبت
وعدت بان لا أكون هنا بعد
خمس دقائق
ولكن إلى أين اذهب
إن الشوارع مغسولة بالمطر
إلى أين ادخل
إن مقاهي المدينة مسكونة بالضجر
إلى أين أبحر وحدي
وأنت البحار وأنت السفر
فهل ممكن أن أظل
لعشر دقائق أخرى
لحين انقطاع المطر
أكيد أني سأرحل
بعد رحيل الغيوم
وبعد هدوء الرياح
وإلا سأنزل ضيفا عليك
إلى أن يجيء الصباح
وعدتك أن لا احبك مثل المجانين
في المرة الثانية
وان لا أهاجم مثل العصافير
أشجار تفاحك العالية
وان لا أمشط شعرك حين تنامين
يا قطتي الغالية
وعدتك أن لا أضيع بقيه عقلي
إذا ما سقطتي على جسدي
نجمه حافية
وعدت بكبح جماح جنوني
ويسعدني بأني لا أزل
شديد التطرف حين احب
تماما كما كنت في
السنة الماضية
وعدتك أن لا أخبئ وجهي
بغابات شعرك طيلة عام
وان لا أصيد المحار
على رمل عينيك طيلة عام
فكيف أقول كلاماً سخيفاً
كهذا الكلام
و عيناك داري
ودار السلام
وكيف سمحت لنفسي
بجرح شعور الرخام
وبيني وبينك خبز وملح
وسكب نبيذ
وشدو حمام
وأنت البداية في كل شيء
ومسك الختام
وعدتك أن لا أعود
وعدت
وأن لا أموت اشتياقا
ومت
وعدت بأشياء أكبر مني
فماذا بنفسي فعلت
لقد كنت أكذب من شدة الصدق
والحمد لله أني
كذبت
أعلى

ما تفعلين هنا ؟
ما تفعلين هنا ؟
فالشاعر المشهور ليس أنا
لكنني ..
بتوتري العصبي أشبهه
وغريزة البدويّ أشبهه
وتطرفي الفكري أشبهه
وجنوني الجنسي أشبهه
وبحزني الأزلي أشبهه
هل تسمعين صهيل أحزاني ؟
ما تبتغين لديّ سيدتي ؟
فالشاعر الأصلي ليس أنا
بل واحد ثاني
يا من تفتش في حقيبتها
عن شاعرٍ غرقت مراكبه
لن تعثري أبداً عليّ بأي عنوان
شبحٌ أنا … بالعين ليس يُرى
لغةٌ أنا من غير أَحْرُفها
ملك أنا … من غير مملكة
وطنٌ أنا
من غير أبواب وحيطان
يا غابتي الخضراء يؤسفني
أنْ جئتِ بعد رحيل نيسان
أعشاب صدري الآن يابسة
وسنابلي انكسرت ..
وأغصاني
لا نار في بيتي لأوقدها
فليرحم الرحمن نيراني
لا تحرجيني .. يا بنفسجتي
أشجار لوزك لا وصول لها
وثمار خوخك .. فوق إمكاني
لم يبق عندي ما أقدّمه
للحب
غير صهيل أحزاني
أغزالة بالباب واقفة ؟
من بعدما ودّعت غزلاني
ماذا تُرى أهدي لزائرتي ؟
شعري القديم ؟
نسيتُ قائله
ونسيتُ كاتبه
ونسيتُ نسياني
هل هذه الكلمات شغل يدي ؟
إني أشكّ بكل ما حولي
بدفاتري
بأصابعي
بنزيف ألواني
هل هذه اللوحات من عملي ؟
أم أنها لمصوّرٍ ثاني
يا طفلةً . . جاءت تُذَكِّرني
بمواسم النعناع والماءِ
ماذا سأكتبُ فوق دفترها ؟
ما عدتُ أذكرُ شكل إمضائي !!
لا تبحثي عني .. فلن تَجدِي
مني ..
سوى أجزاء أجزائي
يا قطتي القزحيّة العينين
لا أحد
في شارع الأحزان يعرفني
لا مركب في البحر يحملني
لا عطر مهما كان يسكرني
لا ركبة شقراء .. أو سمراء تدهشني
لا حبّ
يدخل مثل سكينٍ بشرياني
بالأمس .. كان الحب تسليتي
فالنهد .. أرسمه سفرجلةً
والعطر أمضغه بأسناني
بالأمس كنتُ مقاتلاً شرساً
فالأرض أحملها على كتفي
والشعر أكتبه بأجفاني
واليوم لا سيف ولا فرس
سقطت على نهديك أوسمتي
وملاحمي الكبرى وتيجاني
عن أي شيء تبحثين هنا ؟
فالشاعر المشهور ليس أنا
بل واحد ثاني
مقهى الهوى فرغت مقاعده
حولي
وما أكملتُ فنجاني
أعلى

ثوري ! . أحبّكِ أن تثُوري ..
ثُوري على شرق السبايا . والتكايا .. والبخُورِ
ثُوري على التاريخ ، وانتصري على الوهم الكبيرِ
لا ترهبي أحداً . فإن الشمس مقبرةُ النسورِ
ثُوري على شرقٍ يراكِ وليمةً فوقَ السريرِ ..
نزار
على دفترْ ..
سأجمعُ كلّ تاريخي على دفترْ ..
سأرضعُ كلّ فاصلةٍ
حليبَ الكلمةِ الأشقرْ..
سأكتبُ لا يهمُّ لمن سأكتبُ
هذه الأسطرْ..
فحسبي أن أبوحَ هنا
لوجهِ البوحِ لا أكثرْ ..
حـروفٌ لا مبـاليةٌ
أبعثرها على دفتـرْ..
بلا أمـلٍ بأن تبقى
بلا أمـلٍ بأن تُنشـرْ..
لعـلّ الريح تحملهـا
فتزرع في تنقلهـا ..
هنا حرجاً من الزعتر
هنا كرماً هنا بيدرْ ..
هنا شمسـاً و صيفـاً رائعـاً أخضـرْ ..
حروف سوف أفرطها
كقلب الخوخة الأحمرْ
لكلّ سـجينةٍ تحيا معي
في سجني الأكبرْ ..
حروفٌ سوف أغرزها
بلحمِ حياتنا خنجرْ ..
لتكسرَ في تمرّدهـا
جليداً كان لا يُكسرْ ..
لتخلعَ قفل تابوتٍ
أُعِـدَّ لنـا لكي نُقبرْ ..
كتـاباتٍ أقـدّمها
لأيّ مهجةٍ تَشـعرْ ..
سيسعدني إذا بقيتْ غداً
مجهولةَ المصدرْ
أنا أنثى ..
أنا أنثى ..
نهار أتيت للدنيا وجدتُ قرار إعدامي ..
ولم أرَ بابَ محكمتي
و لم أرَ وجهَ حكّامي
عقاربُ هذه الساعة
كحوتٍ أسودَ الشفتين يبلعني ..
عقاربها كثعبانٍ على الحائط
كمقصلةٍ كمشنقةٍ كسكّينٍ تمزّقني
كلصٍّ مسرع الخطوات يتبعني
و يتبعني ..
لماذا لا أحطّمها ؟
وكلّ دقيقةٍ فيها تحطّمني
أنا امرأةٌ بداخلها توقّفَ نابضُ الزّمنِ ..
فلا نوّارَ أعرفهُ .. ولا نيسانَ يعرفني ..
أنا بمحارتي السوداء ..
ضوءُ الشمسِ يوجعني
وسـاعةُ بيتنا البلهاء ..
تعلكنـي و تبصقنـي
مجــلاتي مبعثـرةٌ ..
وموسـيقاي تضجرني
مع الموت أعيش أنا ..
مع الأطلال و الدّمـنِ
جميـعُ أقاربي موتى ..
بلا قبـرٍ و لا كفنِ
أبوح لمن ولا أحداً ..
مِنَ الأمواتِ يفهمني ؟
أثور أنا على قدري ..
على صدئي على عفني
و بيتٍ كلُّ مَنْ فيـه ..
يعادينـي و يكرهني
أدقُّ بقبضتي الأبواب ..
و الأبوابُ ترفضنـي
بظفري أحفر الجدران ..
أجلدها و تجلـدني
أنا في منزل الأموات
فمن من قبضة الموتى يحررني ؟
لمن صـدري أنا يكبرْ .. ؟!
لمـن كرزاته دارت ؟..
لمـن تفاحه أزهرْ ؟!
لمن صحنانِ صينيّان ..
من صدفٍ ومن جوهرْ ؟
لمن قدحان من ذهبٍ ..
و ليس هناك من يسكرْ
لمـن شـفةٌ مناديـةٌ ..
تجمّدَ فوقها السّكـرْ ؟
أللشـيطان للديـدان ..
للجـدران لا تُقهرْ ؟
أربّيها وضوءُ الشمسِ أسقيها
سنابلَ شعري الأشقرْ
خلوتُ اليوم ساعاتٍ إلى جسدي ..
أفكر في قضاياهُ
أليسَ له هو الثاني قضاياهُ ؟ ..
وجنّتهُ .. و حماهُ ..؟
لقد أهملتهُ زمنـاً ..
و لم أعبأ بشكواهُ
نظرتُ إليهِ في شغفٍ ..
نظرتُ إليهِ من أحلى زواياهُ
لمسـتُ قبابـهُ البيضـاء
و غابتـهُ ومرعـــاهُ
أنا لوني حليبيٌّ
كأنّ الفجرَ قطّـرهُ و صفـاهُ
أسـفتُ لأنّه جسدي ..
أسفتُ على ملاستهِ
و ثرتُ على مصمّمهِ ..
و عاجنـهِ و ناحتـهِ
رثيتُ له لهـذا الوحش ..
يأكلُ من وسـادتهِ
لهــذا الطّفــلِ
ليسَ تنــام عينـــاهُ
نزعتُ غلالتي عنّي
رأيتُ الظلّ يخرجُ من مراياهُ
رأيتُ النّهـدَ كالعصفورِ
لم يتعـبْ جناحـاهُ
تحـرّرَ مـن قطيفتـهِ
و مـزّقَ عنه تفتاهُ
حزنتُ أنا لمرآهُ ..
لماذا الله كوّرهُ و دوّرهُ و سوّاهُ ؟!
لماذا الله أشقاني بفتنته
و أشقاهُ ؟
و علّقهُ بأعلى الصّدرِ
جرحاً لستُ أنساهُ
لماذا في مدينتنا ؟
نعيش الحب تهريباً وتزويراً ؟
ونسرق من شقوق الباب موعدنا
ونستعطي الرسائل
والمشاويرا
لماذا في مدينتنا ؟
يصيدون العواطف والعصافيرا
لماذا نحن قصديرا ؟
وما يبقى من الإنسان
حين يصير قصديرا ؟
لماذا نحن مزدوجون
إحساسا وتفكيرا ؟
لماذا نحن أرضيون ..
تحتيون .. نخشى الشمس والنورا ؟
لماذا أهل بلدتنا ؟
يمزقهم تناقضهم
ففي ساعات يقظتهم
يسبون الضفائر والتنانيرا
وحين الليل يطويهم
يضمون التصاويرا
أسائل نفسي دائماً
لماذا لا يكون الحب في الدنيا لكل الناس
مثل أشعة الفجر
لماذا لا يكون الحب مثل الخبز والخمر ؟
ومثل الماء في النهر
ومثل الغيم، والأمطار،
والأعشاب والزهر
أليس الحب للإنسان
عمراً داخل العمر ؟
لماذا لا يكون الحب في بلدي ؟
طبيعياً
كلقيا الثغر بالثغر
ومنساباً
كما شعري على ظهري
لماذا لا يحب الناس في لين ويسر ؟
كما الأسماك في البحر
كما الأقمار في أفلاكها تجري
لماذا لا يكون الحب في بلدي
ضرورياً
كديوان من الشعر
أنا نهداي في صدري
كعصفورين
قد ماتا من الحر
كقديسين شرقيين متهمين بالكفر
كم اضطهدا
وكم رقدا على الجمر
وكم رفضا مصيرهما
وكم ثارا على القهر
وكم قطعا لجامهما
وكم هربا من القبر
متى سيفك قيدهما
متى ؟
يا ليتني ادري
نزلت إلى حديقتنا
ازور ربيعها الراجع
عجنت ترابها بيدي
حضنت حشيشها الطالع
رأيت شجيرة الدراق
تلبس ثوبها الفاقع
رأيت الطير محتفلاً
بعودة طيره الساجع
رأيت المقعد الخشبي
مثل الناسك الراجع
سقطت عليه باكية
كأني مركب ضائع
احتى الأرض ياربي ؟
تعبر عن مشاعرها
بشكل بارع .. بارع
احتى الأرض ياربي
لها يوم .. تحب فيه ..
تبوح به ..
تضم حبيبها الراجع
وفوق العشب من حولي
لها سبب .. لها الدافع
فليس الزنبق الفارع
وليس الحقل، ليس النحل
ليس الجدول النابع
سوى كلمات هذى الأرض ..
غير حديثها الرائع
أحس بداخلي بعثاً
يمزق قشرتي عني
ويدفعني لأن أعدو
مع الأطفال في الشارع
أريد..
أريد..
كأية زهرة في الروض
تفتح جفنها الدامع
كأية نحله في الحقل
تمنح شهدها النافع
أريد..
أريد أن أحيا
بكل خليه مني
مفاتن هذه الدنيا
بمخمل ليلها الواسع
وبرد شتائها اللاذع
أريد..
أريد أن أحيا
بكل حرارة الواقع
بكل حماقة الواقع
يعود أخي من الماخور ..
عند الفجر سكرانا ..
يعود .. كأنه السلطان ..
من سماه سلطانا ؟
ويبقى في عيون الأهل
أجملنا .. وأغلانا ..
ويبقى في ثياب العهر
أطهرنا .. وأنقانا
يعود أخي من الماخور
مثل الديك .. نشوانا
فسبحان الذي سواه من ضوء
ومن فحم رخيص نحن سوانا
وسبحان الذي يمحو خطاياه
ولا يمحو خطايانا
خرجتُ اليوم للشّرفة على الشّباك جارتنا المسيحيّة تحيّيني
فرحتُ لأنّه إنسانٌ يحيّيني
لأنّ يداً صباحيّة .. يداً كمياهِ تشرينِ
تلــوّحُ لي تنــاديني
أيا ربّي متى نُشفى تُرى من عقدةِ الدّينِ ؟
أليسَ الدّين كلّ الدّين إنساناً يحيّيني
و يفتحُ لي ذراعيهِ و يحملُ غصنَ زيتونِ
تخيف أبي مراهقتي
يدق لها
طبول الذعر والخطر
يقاومها
يقاوم رغوة الخلجان
يلعن جراة المطر
يقاوم دونما جدوى
مرور النسغ في الزهر
أبي يشقى
إذا سألت رياح الصيف عن شعري
ويشقى إن رأى نهداي
يرتفعان في كبر
ويغتسلان كالأطفال
تحت أشعة القمر
فما ذنبي وذنبهما
هما مني هما قدري
متى يأتي ترى بطلي
لقد خبأت في صدري
له، زوجا من الحجل
وقد خبأت في ثغري
له، كوزا من العسل
متى يأتي على فرس
له مجدولة الخصل
ليخطفني
ليكسر باب معتقلي
فمنذ طفولتي وأنا
أمد على شبابيكي
حبال الشوق والأمل
واجدل شعري الذهبي كي يصعد
على خصلاته .. بطلي
يروعني ..
شحوب شقيقتي الكبرى
هي الأخرى
تعاني ما أعانيه
تعيش الساعة الصفرا
تعاني عقده سوداء
تعصر قلبها عصرا
قطار الحسن مر بها
ولم يترك سوى الذكرى
ولم يترك من النهدين
إلا الليف والقشرا
لقد بدأت سفينتها
تغوص .. وتلمس القعرا
أراقبها وقد جلست
بركن، تصلح الشعرا
تصففه .. وتخربه
وترسل زفرة حرى
تلوب .. تلوب .. في الردهات
مثل ذبابة حيرى
وتقبح في محارتها
كنهر .. لم يجد مجرى
سأكتب عن صديقاتي
فقصه كل واحدة
أرى فيها .. أرى ذاتي
ومأساة كمأساتي
سأكتب عن صديقاتي
عن السجن الذي يمتص أعمار السجينات
عند الزمن الذي أكلته أعمدة المجلات
عن الأبواب التي لا تفتح
عن الرغبات وهي بمهدها تذبح
عن الحلمات تحت حريرها تنبح
عن الزنزانة الكبرى
وعن جدارنها السود
وعن آلاف .. آلاف الشهيداتِ
دفن بغير أسماء بمقبرة التقاليد
صديقاتي دمى ملفوفة بالقطن
داخل متحف مغلق
نقود صكها التاريخ
لا تهدى ولا تنفق
مجاميع من الأسماك
في أحواضها تخنق
وأوعيه من البلور
مات فراشها الأزرق
بلا خوف
سأكتب عن صديقاتي
عن الأغلال دامية بأقدام الجميلات
عن الهذيان .. والغثيان .. عن ليل الظلمات
عن الأشواق تدفن في المخدات
عن الدوران في اللاشيء
عن موت الهنيهات
صديقاتي
رهائن تشترى وتباع في سوق الخرافات
سبايا في حريم الشرق
موتى غير أموات
يعشن، يمتن مثل الفطر في جوف الزجاجات
صديقاتي
طيور في مغائرها
تموت بغير أصوات
خلوت اليوم ساعات
إلى جسدي
أفكر في قضاياه
أليس هو الثاني قضاياه ؟
وجنته وحماه ؟
لقد أهملته زمنا
ولم اعبأ بشكواه
نظرت إليه في شغف
نظرت إليه من أحلى زواياه
لمست قبابه البيضاء
غابته ومرعاه
إن لوني حليبي
كان الفجر قطره وصفاه
أسفت لا نه جسدي
أسفت على ملاسته
وثرت على مصممه، وعاجنه وناحته
رثيت له
لهذا الوحش يأكل من وسادته
لهذا الطفل ليس تنام عيناه
نزعت غلالتي عني
رأيت الظل يخرج من مراياه
رأيت النهر كالعصفور .. لم يتعب جناحاه
تحرر من قطيفته
ومزق عنه " تفتاه
حزنت أنا لمرآه
لماذا الله كوره ودوره .. وسواه ؟
لماذا الله أشقاني
بفتنته .. وأشقاه ؟
وعلقه بأعلى الصدر
جرحاً .. لست أنساه
أبي صـنفٌ من البشرِ
مزيجٌ من غباءِ التّرك و من عصبيّة التّترِ
أبي أثر من الآثار .. تابوتٌ من الحجرِ
تهرّأ كل ما فيهِ ..كبابِ كنيسـةٍ نخرِ
كهارون الرشيد أبي ، جواريه ، مواليه ،
تمطّيه على تخت من الطّررِ
و نحن هنا .. ضحاياه .. سـباياه .. مماسـح قصـره القــذرِ
لماذا يستبد أبي ؟
ويرهقني بسلطته ..
وينظر لي كأني
سطر في جريدته
ويحرص أن أظل له
كأني بعض ثروته
وان أبقى بجانبه
ككرسي بحجرته
أيكفي أنني ابنته
أني من سلالته
أيطعمني أبي خبزاً ؟
أيغمرني بنعمته ؟
كفرت أنا .. بمال أبي
بلؤلؤة .. بفضته
أبي لم ينتبه يوماً
إلى جسدي .. وثورته
أبي رجل أناني
مريض في محبته
مريض في تعنته
يثور إذا رأى صدري
تمادى في استدارته
يثور إذا رأى رجلاً
يقرب من حديقته
أبي ..
لن يمنع التفاح عن إكمال دورته
سيأتي ألف عصفور
ليسرق من حديقته
على كراستي الزرقاء ..
استلقي بحريه
وابسط فوقها في فرح وعفوية
أمشط فوقها شعري
وارمي كل أثوابي الحريرية
أنام، أفيق، عارية ..
أسير .. أسير حافية
على صفحات أوراقي السماوية
على كراستي الزرقاء
استرخي على كيفي
واهرب من أفاعي الجنس والإرهاب ..
والخوف ..
واصرخ ملء حنجرتي
أنا امرأة .. أنا امرأة
أنا انسانة حية
أيا مدن التوابيت الرخامية
على كراستي الزرقاء
تسقط كل أقنعتي الحضارية
ولا يبقى سوى نهدي
تكوم فوق أغطيتي
كشمس استوائية
ولا يبقى سوى جسدي
يعبر عن مشاعره
بلهجته البدائية
ولا يبقى .. ولا يبقى ..
سوى الأنثى الحقيقة
أحبُّ طيورَ تشرينِ ..
تسـافرُ حيثما شـاءت
و تأخذُ في حقائبها
بقايا الحقلِ من لوز ومن تينِ
أنا أيضاً أحبُّ أكونَ ..
مثـل طيورِ تشـرينِ
أحــبُّ أضيــعَ ..
مثـل طيورِ تشـرينِ
فحلوٌ أن يضيعَ المـرءُ ..
بيـنَ الحينِ و الحيـنِ
أريدُ البحثَ عن وطن ..
جديـدٍ غيرَ مسكونِ
وربٍّ لا يطــاردني ..
و أرضٍ لا تعـاديني
أريدُ أفرُّ من جلـدي ..
ومن صوتي ومن لغتي
وأشــردُ مثــل رائحــة البســاتينِ
أريدُ أفـرُّ من ظلّـي ..
و أهرب من عناويني
أريدُ أفـرُّ من شـرقِ الخرافـة و الثعـابينِ
مـن الخلفاء و الأمراء ..
مـن كل السلاطينِ
أريــدُ أحــبُّ ..
مثـل طيور تشـرينِ
أيــا شــرقَ المشــانقِ و السـكاكينِ
صباح اليوم فاجأني
دليل أنوثتي الأول
كتمت تمزقي
وأخذت ارقب روعة الجدول
واتبع موجه الذهبي
اتبعه ولا أسال
هنا .. أحجار ياقوت
وكنز لآلئ مهمل
هنا .. نافورة جذلى
هنا .. جسر من المخمل
هنا سفن من التوليب
ترجوا الأجمل الأجمل
هنا .. حبر بغير يد
هنا .. جرح ولا مقتل
أأخجل منه ..
هل بحر بعزة موجه يخجل ؟
أنا للخصب مصدره أنا يده
أنا المغزل..
أسائلُ دائماً نفسي ..
لماذا لا يكونُ الحبّ في الدنيا
لكلّ الناس .. كلّ الناس ..
مثـل أشـعة الفجـرِ
لمـاذا لا يكون الحـبّ
مثـل الخبـزِ و الخمـرِ
ومثــــلَ المـــــاءِ في النّهــــرِ
و مثلَ الغيمِ و الأمطار..
و الأعشـاب و الزهـرِ
أليس الحبّ للإنسان ..
عمـراً داخل العمـرِ ؟
لمـاذا لا يكون الحـبّ في بلـدي طبيعيـّاً ؟
كأنّـه زهـرةٌ بيضاء طالعـةٌ من الصخـرِ
طبيعيّاً كلقيا الثغر بالثغر ..
ومنساباً كما شعري على ظهري
لمـاذا لا يحـبّ الناس في ليـن و في يسـرِ ؟
كما الأسـماك في البحرِ ..
كما الأقمار في أفلاكها تجـري
لماذا لا يكون الحبّ في بلدي
ضروريّاً كديوانٍ من الشعرِ ؟!
أفكّر أيّنا أسعدْ ..
أنا أم ذلك الممدود سلطاناً على المقعدْ
سعيداً تحت فروتهِ
كربٍّ مطلقٍ مفردْ
أفكّرُ أيّنا حرٌّ
و من منّا طليق اليـدْ
أنـا أم ذلك الحيـوان ..
يلحسُ فـروه الأجعــدْ
أمامي كائنٌ حرٌّ
يكادُ للطفهِ يُعبـدْ
لهذا القطّ عالمهُ ، له طردٌ ، له مسندْ
له في السطحِ مملكةٌ
و راياتٌ له تُعقدْ
له حريّةٌ
و أنـا أعيشُ بقمقمٍ موصدْ
أنا نهـداي في صـدري
كعصفورين قد ماتا من الحرِّ
كقدّيسـين شــرقيّين ..
متّهميــن بالكفــرِ
كم اضطُّهدا و كم جُلدا ..
وكم رقـدا على الحجـرِ
وكم رفضـا مصـيرهما ..
وكم ثـارا على القهـرِ
وكم قطعــا لجامهمـا ..
وكم هربـا من القبـرِ
متى سـيفكُّ قيـدهما ؟ ..
متـى يـاليتنـي أدري
أعلى

عرفتك من عامين ..ينبوع طيبة
ووجهاً بسيطاً كان وجهي المفضلا
وعينين أنقى من مياه غمامة
وشعراً طفولي الضفائر مرسلا
وقلباً كأضواء القناديل صافيا ً
وحباً كأفراخ العصافير أولا
أصابعك الملساء كانت مناجماً
ألملم عنها لؤلؤاً وقرنفلا
وأثوابك البيضاء كانت حمائماً
ترشرش ثلجاً - حيث طارت - ومخملا
عرفتك صوتاً ليس يسمع صوته
وثغراً خجولاً كان يخشى المقبلا
فأين مضت تلك العذوبة كلها
وكيف مضى الماضي .. وكيف تبدلا
توحشت حتى صرت قطة شارع
وكنت على صدري تحومين بلبلا
فلا وجهك الوجه الذي قد عبدته
ولا حسنك الحسن الذي كان منزلا
وداعتك الأولى استحالت رعونة
وزينتك الأولى استحالت تبذلا
أيمكن أن تغدو المليكة هكذا ؟
طلاء بدائياً.. وجفناً مكحلا
أيمكن أن يغتال حسنك نفسه
وأن تصبح الخمر الكريمة حنظلا
يروعني أن تصبحي غجرية
تنوء يداها بالأساور والحلى
تجولين في ليل الأزقة .. هرة
وجودية .. ليست تثير التخيلا
سلام على من كنتها يا صديقتي
فقد كنت أيام البساطة أجملا
أعلى

متى ستعرف كم أهواك .. يا رجلاً
أبيع من أجله الدنيا .. وما فيها
يا من تحديت في حبي له .. مدناً
بحالها .. وسأمضي في تحديها
لو تطلب البحر .. في عينيك أسكبه
أو تطلب الشمس .. في كفيك أرميها
أنا أحبك . فوق الغيم أكتبها
وللعصافير، والأشجار .. أحكيها
أنا أحبك . فوق الماء أنقشها
وللعناقيد .. والأقداح .. أسقيها
أنا أحبك، يا سيفاً أسال دمي
يا قصة لست أدري ما أسميها
أنا أحبك . حاول أن تساعدني
فإن من بدأ المأساة .. ينهيها
وإن من فتح الأبواب .. يغلقها
وإن من أشعل النيران .. يطفيها
يا من يدخن في صمت .. ويتركني
في البحر .. أرفع مرساتي وألقيها
ألا تراني ببحر الحب .. غارقة
والموج يمضغ آمالي ويرميها
إنزل قليلاً عن الأهداب .. يا رجلاً
مازال يقتل أحلامي .. ويحييها
كفاك .. تلعب دور العاشقين معي
وتنتقي كلمات .. لست تعنيها
كم اخترعت مكاتيبا ً.. سترسلها
وأسعدتني ورود .. سوف تهديها
وكم ذهبت لوعد .. لا وجود له
وكم حلمت بأثواب سأشريها
وكم تمنيت لو للرقص تطلبني
وحيرتني ذراعي .. أين ألقيها ؟
إرجع إلي .. فإن الأرض واقفة
كأنما الأرض فرت من ثوانيها
إرجع .. فبعدك لا عقد أعلقه
ولا لمست عطوري في أوانيها
لمن جمالي ؟ لمن شال الحرير ؟ لمن ؟
ضفائري منذ أعوام أربيها ؟
أرجع كما أنت .. صحوا كنت أم مطرا
فما حياتي أنا .. إن لم تكن فيها
أعلى

ماذا إذاً تتوقعين ؟
يا بضعة امرأة .. أجيبي
ما الذي تتوقعين ؟
أ أظل أصطاد الذباب هنا ؟
وأنت تدخنين
أجتر كالحشاش أحلامي
وأنت تدخنين
وأنا.. أمام سريرك الزاهي
كقط مستكين
ماتت مخالبه، وعزته .. وهدته السنين
أنا لن أكون - تأكدي
القط الذي تتصورين
قطاً من الخشب المجوف
لا يحركه الحنين
يغفو على الكرسي إذ تتجردين
ويرد عينيه
إذا انحسرت قباب الياسمين
تلك النهاية
ليس تدهشني .. فمالك تدهشين
هذا أنا
هذا الذي عندي .. فماذا تأمرين ؟
أعصابي احترقت
وأنت على سريرك تقرئين
أ أصوم عن شفتيك ؟
فوق رجولتي ما تطلبين
ما حكمتي ؟ ما طيبتي ؟
هذا طعام الميتين
متصوف ؟
من قال ؟ إني آخر المتصوفين
أنا لست يا قديستي
الرب الذي تتخيلين
رجل أنا كالآخرين
بطهارتي .. بنذالتي
رجل أنا كالآخرين
فيه مزايا الأنبياء
وفيه كفر الكافرين
وداعة الأطفال فيه ..
وقسوة المتوحشين
رجل أنا .. كالآخرين
رجل يحب - إذا أحب
بكل عنف الأربعين
لو كنت يوماً تفهمين
ما الأربعون ؟
وما الذي يعنيه حب الأربعين ؟
يا بضعة امرأة
لو أنك تفهمين
أعلى

لم يحدث أبداً أن أحببت بهذا العمق
لم يحدث .. لم يحدث أبداً
أني سافرت مع امرأة .. لبلاد الشوق
وضربت شواطئ نهديها
كالرعد الغاضب أو كالبرق
فأنا في الماضي لم أعشق
بل كنت أمثل دور العشق
لم يحدث أبداً
أن أوصلني حب امرأة حتى الشنق
لم أعرف قبلك واحدة
غلبتني ..أخذت أسلحتي
هزمتني.. داخل مملكتي
نزعت عن وجهي أقنعتي
لم يحدث أبداً سيدتي
أن ذقت النار.. وذقت الحرق
كوني واثقة سيدتي
سيحبك آلاف غيري
وستستلمين بريد الشوق
لكنك .. لن تجدي بعدي
رجلاً يهواك بهذا الصدق
لن تجدي أبداً
لا في الغرب..و لا في الشرق
أعلى

.. وكان في بغداد يا حبيبتي، في سالف الزمان
خليفة له ابنة جميلة
عيونها
طيران أخضران
وشعرها قصيدة طويلة
سعى لها الملوك والقياصرة
وقدموا مهراً لها
قوافل العبيد والذهب
وقدموا تيجانهم
على صحف من ذهب
ومن بلاد الهند جاءها أمير
ومن بلاد الصين جاءها الحرير
لكنما الأميرة الجميلة
لم تقبل الملوك والقصور والجواهر
كانت تحب شاعراً
يلقي على شرفتها
كل مساء وردة جميلة
وكلمة جميلة
تقول شهرزاد:
وانتقم الخليفة السفاح من ضفائر الأميرة
فقصها ضفيرة .. ضفيرة
وأعلنت بغداد - يا حبيبتي - الحداد
عامين
أعلنت بغداد - يا حبيبتي - الحداد
حزناً على السنابل الصفراء كالذهب
وجاعت البلاد
فلم تعد تهتز في البيادر
سنبلة واحدة
أو حبة من العنب
وأعلن الخليفة الحقود
هذا الذي أفكاره من الخشب
وقلبه من الخشب
عن ألف دينار لمن يأتي برأس الشاعر
وأطلق الجنود
ليحرقوا
جميع ما في القصر من ورود
وكل ما في مدن العراق من ضفائر
سيمسح الزمان، يا حبيبتي
خليفة الزمان
وتنتهي حياته
كأي بهلوان
فالمجد .. يا أميرتي الجميلة
يا من بعينيها، غفا طيران أخضران
يظل للضفائر الطويلة
والكلمة الجميلة
أعلى

يُسمعني.. حـينَ يراقصُني
كلماتٍ ليست كالكلمات
يأخذني من تحـتِ ذراعي
يزرعني في إحدى الغيمات
والمطـرُ الأسـودُ في عيني
يتساقـطُ زخاتٍ.. زخات
يحملـني معـهُ.. يحملـني
لمسـاءٍ ورديِ الشُـرفـات
وأنا.. كالطفلـةِ في يـدهِ
كالريشةِ تحملها النسمـات
يحمـلُ لي سبعـةَ أقمـارٍ
بيديـهِ وحُزمـةَ أغنيـات
يهديني شمسـاً.. يهـديني
صيفاً.. وقطيـعَ سنونوَّات
يخـبرني.. أني تحفتـهُ
وأساوي آلافَ النجمات
و بأنـي كنـزٌ.. وبأني
أجملُ ما شاهدَ من لوحات
يروي أشيـاءَ تدوخـني
تنسيني المرقصَ والخطوات
كلماتٍ تقلـبُ تاريخي
تجعلني امرأةً في لحظـات
لا أسكنُ فيهِ سوى لحظات
وأعودُ.. أعودُ لطـاولـتي
لا شيءَ معي.. إلا كلمات
أعلى

علمني حبك أن احزن
وأنا محتاج منذ عصور
لأمرأة.. تجعلني احزن
لأمرأة.. ابكي فوق ذراعيها
مثل العصفور
لأمرأة .. تجمع أجزائي
كشظايا البلور المكسور
علمني حبك .. سيدتي أسوأ عادات
علمني أفتح فنجاني في الليلة آلاف المرات
وأجرب طلب العطارين .. وأطرق باب العرافات
علمني أخرج من بيتي ..لأمشط أرصفة الطرقات
وأطارد وجهك في الأمطار .. وفي أضواء السيارات
أطارد ثوبك في أثواب المجهولات
أطارد طيفك حتى في أوراق الإعلانات
علمني حبك كيف أهيم على وجهي ساعات
بحثا عن شعر غجري تحسده كل الغجريات
بحثا عن وجه .. عن صوت .. هو كل الأوجه والأصوات
أدخلني حبك سيدتي .. مدن الأحزان
وأنا من قبلك لم ادخل مدن الأحزان
لم اعرف أبداً أن الدمع هو الإنسان
وان الإنسان بلا حزن .. ذكرى إنسان
علمني حبك أن أتصرف كالصبيان
أن ارسم وجهك بالطبشور على الحيطان
وعلى أشرعه الصيادين .. على الأجراس على الصلبان
علمني حبك
كيف الحب يغير خارطة الأزمان
علمني أني حين احب تكف الأرض عن الدوران
علمني حبك أشياء
ما كانت أبداً في الحسبان
فقرأت أقاصيص الأطفال .. دخلت قصور ملوك الجان
وحلمت أن تتزوجني بنت السلطان
تلك العيناها .. أصفى من ماء الخلجان
تلك الشفتاها .. أشهى من زهر الرمان
وحلمت أني اخطفها مثل الفرسان
وحلمت باني اهديها أطواق اللؤلؤ والمرجان
علمني حبك يا سيدتي .. ما الهذيان
علمني كيف يمر العمر .. ولا تأتي بنت السلطان
علمني حبك .. كيف احبك في كل الأشياء
في الشجر العاري .. في الأوراق اليابسة الصفراء
في الجو الماطر في الأنواء
في اصغر مقهى نشرب فيه مساء
قهوتنا السوداء
علمني حبك أن أوى
لفنادق ليس لها أسماء
ومقاه ليس لها أسماء
علمني حبك كيف الليل يضخم أحزان الغرباء
علمني كيف أرى بيروت
امرأة طاغية الأغراء
امرأة تلبس كل مساء
وترش العطر على نهديها للبحارة والأمراء
علمني كيف ينام الحزن
كغلام مقطوع القدمين
في طرق " الروشة " و" الحمراء
علمني حبك أن احزن
وأنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني احزن
لامرأة ابكي فوق ذراعيها
مثل العصفور
لامرأة تجمع أجزائي
كشظايا البلور المكسور
أعلى

إني عشقتك .. واتخذت قراري
فلمن ـ يا ترى ـ أقدم أعذاري
لا سلطة في الحب .. تعلو سلطتي
فالرأي رأيي .. والخيار خياري
هذي أحاسيسي .. فلا تـتدخلي
أرجوك ، بين البحر والبحار ..
ظلي على أرض الحياد .. فإنني
سأزيد إصرارا على إصرار
ماذا أخاف ؟ أنا الشرائع كلها
وأنا المحيط .. وأنت من أنهاري
وأنا النساء ، جعلتهن خواتما
بأصابعي .. و كواكبا بمداري
خليك صامتة .. ولا تـتكلمي
فأنا أدير مع النساء حواري
وأنا الذي أعطي مراسيم الهوى
للواقـفات أمام باب مزاري
وأنا أرتب دولتي .. وخرائطي
وأنا الـذي أختار لون بحاري
وأنا أقـرر من سيدخل جنتي
وأنا أقـرر من سيدخل ناري
أنا في الهوى متحكم ..متسلط
في كل عشـقٍ نكهة استعمار
فاستسلمي لإرادتي ومشيئتي
واستقبلي بطفولةٍ أمطاري ..
إن كان عندي ما أقـول .. فإنني
سأقـوله للـواحد الـقـهار ...
عيناك وحدهما هما شرعيتي
ومراكبي ، وصديقـتا أسفاري
إن كان لي وطن .. فـوجهك موطني
أو كان لي دارٌ .. فحبك داري
من ذا يحاسبني على ما في دمي
من لؤلؤٍ .. وزمرد .. ومحار ؟
أيناقـشون الديك في ألوانه ؟
وشقائق النعمان في نوَّار ؟
يا أنت .. يا سلطانتي ، و مليكتي
يا كوكبي البحري .. يا عَشتاري
إني أحبك .. دون أي تحفظٍ
وأعيش فيك ولادتي .. ودماري
إني اقـترفـتك ... عامدا متعمدا
إن كنت عارا .. يا لروعة عاري
ماذا أخاف ؟ ومن أخاف ؟ أنا الذي
نام الزمان على صدى أوتاري
وأنا مفاتيح القصيدة في يدي
من قبل بشارٍ ..ومن مهيار
وأنا جعلت الشعر خبزا ساخنا
وجعلته ثمرا على الأشجار
سافرت في بحر النساء .. ولم أزل
ـ من يومها ـ مقطوعة ً أخباري ..
يا غابة تمشي على أقدامها
وتــَـرشـّني بقرنفل و بهار
شفتاك تشتعلان مثل فضيحة
والناهدان بحالة استـنفار
وعلاقـتي بهما تظل حميمة
كعلاقة الثوار بالثوار ..
فتشرفي بهواي كل دقيقة
وتباركي بجداولي وبذاري
أنا جيد جدا .. إذا أحببـتـني
فتعلمي أن تفهمي أطواري ..
من ذا يقاضيني ؟ وأنت قضيتي
ورفـيف أحلامي ، وضوء نهاري
من ذا يهددني ؟ وأنت حضارتي
وثقافـتي ، وكتابتي ، ومناري ..
إني استقلت من القبائل كلها
وتركت خلفي خيمتي وغباري
هم يرفضون طفولتي .. ونبوءتي
وأنا رفضت مدائن الفخار ..
كل القبائل لا تريد نساءها
أن يكتشفن الحب في أشعاري ..
كل السلاطين الذين عرفتهم ..
قطعوا يدي ، وصادروا أشعاري
لكنني قاتـلتهم .. وقتلتهم
ومررت بالتاريخ كالإعصار ..
أسقطت بالكلمات ألف خليفة
وحفرت بالكلمات ألف جدار ..
أصغيرتي .. إن السفينة أبحرت
فتكومي كحمامة بجواري
ما عاد ينفعك البكاء ولا الأسى
فـلـقـد عشقتك .. واتخذت قـراري ..
أعلى

يا سيدي العزيز
هذا خطاب امرأة حمقاء
هل كتبت إليك قبلي امرأة حمقاء؟
اسمي أنا ؟ دعنا من الأسماء
رانية أم زينب
أم هند أم هيفاء
اسخف ما نحمله ـ يا سيدي ـ الأسماء
يا سيدي
أخاف أن أقول مالدي من أشياء
أخاف ـ لو فعلت ـ أن تحترق السماء
فشرقكم يا سيدي العزيز
يصادر الرسائل الزرقاء
يصادر الأحلام من خزائن النساء
يستعمل السكين
والساطور
كي يخاطب النساء
ويذبح الربيع والأشواق
والضفائر السوداء
وشرقكم يا سيدي العزيز
يصنع تاج الشرف الرفيع
من جماجم النساء
لا تنتقدني سيدي
إن كان خطي سيئاً
فإنني اكتب والسياف خلف بابي
وخارج الحجرة صوت الريح والكلاب
يا سيدي
عنترة العبسي خلف بابي
يذبحني
إذا رأى خطابي
يقطع رأسي
لو رأى الشفاف من ثيابي
يقطع رأسي
لو أنا عبرت عن عذابي
فشرقكم يا سيدي العزيز
يحاصر المرأة بالحراب
يبايع الرجال أنبياء
ويطمر النساء في التراب
لا تنزعج !
يا سيدي العزيز .. من سطوري
لا تنزعج !
إذا كسرت القمقم المسدود من عصور
إذا نزعت خاتم الرصاص عن ضميري
إذا أنا هربت
من أقبية الحريم في القصور
إذا تمردت، على موتي ..
على قبري
على جذوري
و المسلخ الكبير
لا تنزعج يا سيدي !
إذا أنا كشفت عن شعوري
فالرجل الشرقي
لا يهتم بالشعر ولا الشعور ..
الرجل الشرقي
لا يفهم المرأة إلا داخل السرير ..
معذرة .. معذرة يا سيدي
إذا تطاولت على مملكة الرجال
الأدب الكبير ـ طبعاً ـ أدب الرجال والحب كان دائماً
من حصة الرجال
والجنس كان دائما ً
مخدراً يباع للرجال
خرافة حرية النساء في بلادنا
فليس من حرية
أخرى، سوى حرية الرجال
يا سيدي
قل ما تريده عني، فلن أبالي سطحية . غبية . مجنونة . بلهاء فلم
اعد أبالي
لأن من تكتب عن همومها ..
في منطق الرجال امرأة حمقاء
ألم اقل في أول الخطاب أني
امرأة حمقاء ؟
أعلى

حيـن كـنا ..
في الكتاتـيـب صغارا
حَقَنُونا بسخيف القول ليـلا ونهارا
دَرّسونا : " ركـبة الـمرأة عـوره .."
ضـحكة الـمرأة عوره .. "
صـوتها ـ من خلف ثـقـب الـباب ـ عـوره .. "
صوروا الـجـنـس لـنا ..
غـولا بأنــياب كبــيـره
يـخـنـق الأطـفـال، يـقـتـات العـذارى
خـَوّفونـا ..
من عــذاب الـله، إن نحن عـشـقــنا
هددونا ..
بالسكاكـيـن ..إذا نحـن حَـــُلـمـنا
فـنـشـأنا .. كـنـبـاتـات الصـحـارى
نلعـق الملح، ونـستـاف الغـبـارا
يـوم كان الـعلم في أيـامـنا ..
فـَلـقة ً تـمسك رِجلـينا .. وشيخا
وحصيرا
شـوهـونا .. شـوهـوا الإحساس فـيـنا والشعورا
فصلوا أجسادنا عـنا .. عـصورا وعصورا
صوروا الحب لـنا .. بابـا خطيرا
لو فـتحناه .. سقـطنا ميـتـيـن ..
فــنـشـأنا سـاذجـيـن
وبـقـيـنا سـاذجـيـن
نحـسب المرأة شـاة أو بعيـرا
ونـرى العالم جـنـسا وسريـرا ..
أعلى

عَـلـّـقـَـت في بـابها قــنـديـلهـا
نازف الشـريان، محمـرَّ الـفـتـيـلة
في زقـاقٍ ضـَـوَّأت اوكـارهُ
كـل بـيـت فـيـه، مـأساة طـويـلـة
غـرفٌ .. ضـيـقـة .. مـوبـوءة
وعنـاويـن لـِ ( مـاري ) و( جـمـيـلـة )
وبمـقـهـى الحي .. .حَـاكٍ هَــرِمٌ
راح يـجـتـر أغانـيـه الـذلـيـلـة
وعـجـوز خـلـف نـرجـيـلـتـها
عـمـرها أقــدم من عمـر الرذيـلـة
إنها آمِــرَة ُ البيت هنا ..
تـشـتـم الكَـسْلى، وتـسـترضي العَـجُـولـة
وأمـام الـبـاب صـعـلـوك هـــوىً
تـافـه الهيـئة، مسلـوب الـفـضـيـلة
يـعـرض الـلـحـم علـى قـاضِــمِـه..
مثـلـما يـعـرض سـمـسـار خـيولـه
" هـذه .. جـاءت حـديـثا .. سـيـدي
نــاهـدٌ مـازال في طـور الطـفـولة
أو إذا شـئـتَ ..فـرافــق هــذه
إنهـا أشـهى من الـخـمـر الأصيلة.."
أيُّ رقٍّ .. مثـل أنــثى تــرتـمي
تحـت شاريها، بأوراقٍ ضـئيلة
قيـمة الإنسان، ما أحـقـرَها
زعموه غـايـة .. وهـو وسـيلة..
لـو تــرى الـردهـة فـيـها اضــطجـعـت
كلُّ بـنـتٍ كانـفـتـاح الـزهـرة
نـهــدهـا مـنـتـظرٌ جـزّارهُ
صـابـرٌ حتى يـلاقي قـدره
هذه الـمُـذهَـبَـة الـسنِّ ..هـنـا
تـرقـب الـباب بعيـن حــذره
حسـرت عـن ركـبةٍ شاحـبـةٍ
لونـها لـون الحـيـة المُــنـكـرة
من سيـأتي ؟ مـن سـيـأتي مـعها ؟
أيُّ صعـلوكٍ، حقـير، نَـكِـرَة ؟
وهـناك انـفردت واحـدة ٌ
عـطرها أرخـص مـن أن أذكـره ..
حـاجـبٌ بُـولـغَ في تـخـطـيـطـهِ
وطلاء كجـدار الـمـقـبـرة ..
وفـمٌ .. متسعٌ .. متسعٌ
كغلاف التـيـنة المعـتـصرة
الـفـضـوليـون من خـلـف الكـُـوَى
أعـينٌ جائـعة ٌ مُـسـتـَـعِـرة
وشجــارٌ دائـر في منـزلٍ
وسكـارى .. ونـكـاتٌ قـذرة ..
من رآهـنّ .. قـواريـر الـهـوى
كنعاج ٍ بانـتـظار الـمـجـزرة
كم صبايا، مثـل ألـوان الـضحى
أفسدتـهن عـجـوزٌ خطرة
هذه الـمجدورة ُالوجه انزوت
كوباءٍ .. كبعيرٍ نتـنِ
أخرجت ساقا لها مـعـروقـة ً
مـثـل مـيـتٍ خارجٍ مـن كـفـن ..
حـفـرٌ في وجـهـهـا مـرعـبة
تـركـتـها عـجلات الـزمن ..
نهـدها حـبـة تـيـنٍ .. نـشِـفـت
رحـم الـلـه زمـان الـلـبـن ..
فالعصـافـيـر التـي كانـت هـنا
تــتـغـذى بالـشـذا والسـوسن
كلهـا طارت بعـيدا .. عـندما
لم يعـد في الأرض غير الـدِمَـنِ
إنـها الخمسونَ .. ماذا بعدها ؟
غير أمـطار الشتاء المحزن
إنها الخـمسون .. ماذا ظـل لي ؟
غير هذا الوحل، هذا الـعـفـن
غير هذي الكأس أستـهـلكـها
غير هذا الـتـبـغ يستهلكني
غيـرُ تـاريـخٍ مُـدَمّـىً .. حـيـثما
سِـرتُ ـ ألقى ظلـهُ يـتـبـعني
غير أقـدام الخطايا .. رجعت
تــُــحرِق الغـرفة بي .. تحرقـني
غير ربٍّ ..كنت لا أعرفه
وأراه الآن .. لا يعرفني ..
يا لصوص اللحم ..يا تجارهُ
هكذا لحم السبايا يؤكل
منذ أن كان على الأرض الهوى
أنـتم الـذئـب .. ونحن الحمل
نحن آلاتُ هوىً مجـهَـدة ٌ
تـفـعـل الحب، ولا تنفعل ..
أنبـشوا في جـثــثٍ فاسدةٍ
سارق الأكـفان لا يـخـتـجــلُ
وارقـصـوا فـوق نـهـودٍ صُـلـبـت
مات فـيها النور .. مات الـمـخـمـلُ
مـن أنـا ؟ إحـدى خطـايـاكم أنـا
نـعـجة في دمـكم تـغـتـسل
أشــتهي الأسرة والطـفل .. وأن
يحـتوينـي، مثـل غـيري، منزلُ
أرجموني .. سـددوا أحجاركم
كـلـكـم يـوم سقوطي بـطـلُ
يا قـضاتي، يا رماتي، إنكم
إنكم أجـبن من أن تـعدلوا ..
لن تــُـخيـفوني فـفي شُـرعَـتِـكم
يُنصر الباغي، ويرمى الأعزل
تــُسأل الأنثى إذا تـزني .. وكم
مجرمٍ دامي الزنا .. لا يُـسأل
وسريرٌ واحدٌ.. ضَـمّـهُـمَـا
تسـقط البنت، ويحمى الرجـلُ ..
أعلى

متى تفهم
متى يا سيدي تفهم؟
بأني لستُ واحدةً كغيري من صديقاتكْ
و لا فتحاً نسائياً يُضافُ إلى فتوحاتكْ
و لا رقماً من الأرقام..يعبُرُ في سجلاتكْ
متى تفهم؟
متى تفهم؟
أيا جملاً من الصحراءِ لم يلجمْ..
و يا من يأكل الجدريُ منك الوجهَ والمعصمْ..
بأني لن أكون هنا ..رماداً في سِجاراتكْ
ورأساً ..بين آلاف الرؤوس على مخدّاتك
و تمثالاً تزيد عليه في حمّى مزاداتكْ..
متى تفهم؟
متى تفهم
بأنّك لن تخدرني ..بجاهك أو إماراتك ..
ولن تتملك الدنيا..بنفطكَ..و امتيازاتكْ
و بالبترولِ،يعبق من عباءاتكْ
و بالعرباتِ تطرحها على قدميْ عشيقاتكْ
بلا عددٍ..
فأين ظهور ناقاتكْ
وأين الوَشمُ فوق يديكَ؟
أين ثقوبُ خيماتكْ؟
أيا متشققَ القدمين.. أيا عبدَ انفعالاتكْ
و يا من صارتِ الزوجاتُ بعضاً من هواياتكْ
تُكدسهنّ بالعشراتِ فوق فراش لذاتكْ..
تحنطهنّ كالحشرات..في جدران صالاتكْ..
متى تفهم؟
متى يا أيها المتخمْ؟
متى تفهم؟
بأني لستُ من تهتمُ بناركَ أو بجنّاتكْ
وأنّ كرامتي أكرمْ
من الذَهْبِ المكدسِ بين راحاتكْ
وأن مناخ افكاري غريبٌ عن مناخاتكْ
أيا من فرّخ الإقطاع في ذرات ذراتكْ
و يا من تخجلُ الصحراء حتّى من مناداتكْ
متى تفهم؟
تمرغ يا أميرَ النفطِ فوق وحول لذّاتكْ
كممسحةٍ..
تمرّغ في ضلالاتكْ
لك البترولُ فاعصرهُ
على قدمي خليلاتكْ
كهوفُ الليلِ في باريس قد قتلتْ مروءاتكْ..
على أقدام مومسةٍ هناك..دفنتَ ثاراتكْ
فبعتَ القدسَ..
بعتَ رماد أمواتكْ
كأن حِرابَ إسرائيل لم تُجهض شقيقاتكْ
و لم تهدم منازلنا..
ولم تُحرق مصاحفنا..
و لا راياتها ارتفعتْ..
على أشلاء راياتكْ..
كأن جميع من صُلبوا..
على الأشجار في يافا.. وفي حيفا..
و بئر السبع.. ليسوا من سُلالاتكْ
تغوص القدسُ في دمها ..
و أنت صريعُ شهواتكْ
تنامُ كأنما المأساةُ ليستْ بعضَ مأساتكْ
متى تفهم؟
متــــــى يستيقظُ الإنسانُ في ذاتكْ؟
متى تفهم؟
أعلى

سيّدتي ! عندي في الدفترْ
ترقصُ آلافُ الكلمات
واحدةٌ في ثوبٍ أصفَرْ
واحدةٌ في ثوبٍ أحمَرْ
يحرقُ أطرافَ الصفحاتِ
أنا لستُ وحيداً في الدنيا
عائلتي .. حُزْمةُ أبيات
أنا شاعرُ حُبٍّ جَوَّالٌ
تعرفُهُ كلُّ الشُرُفاتِ
تعرفهُ كلُّ الحُلْوَاتِ
عندي للحبِّ تعابيرٌ
ما مرَّتْ في بال دواة
الشمسُ فتحتُ نوافذَها
و تركتُ هنالكَ مرساتي
و قطعتُ بحاراً .. وبحاراً
أنبشُ أعماقَ الموجاتِ
أبحثُ في جوف الصَدَفاتِ
عن حرفٍ كالقمر الأخضرْ
أهديهِ لعينيْ مولاتي
سيِّدتي ! في هذا الدفترْ
تجدينَ ألوفَ الكلمات
الأبيضَ منها و.. والأحمَرْ
الأزرقَ منها و.. والأصفَرْ
لكنَّكِ .. يا قمري الأخضَرْ
أحلى من كلِّ الكلماتِ
أكبرُ من كُلِّ الكلماتِ ..
أعلى
وَدَّعتُكِ الأمس، وعدتُ وحدي
مفكِّراً بنَوْحكِ الأخيرِ
كتبتُ عن عينيكِ ألفَ شيءٍ
كتبتُ بالضوءِ وبالعبيرِ
كتبتُ أشياءَ بدون معنى
جميعُها مكتوبة ٌ بنورِ
مَنْ أنت .. مَنْ رماكِ في طريقي ؟
مَنْ حرَّكَ المياهَ في جذوري ؟
و كانَ قلبي قبل أن تلوحي
مقبرةً ميِّتَةَ الزُهورِ
مُشْكلتي .. أنّي لستُ أدري
حدّاً لأفكاري ولا شعوري
أضَعْتُ تاريخي، وأنتِ مثلي
بغير تاريخٍ ولا مصيرِ
محبَّتي نار ٌفلا تُجَنِّ
لا تفتحي نوافذ َالسعيرِ
أريدُ أن أقيكِ من ضلالي
من عالمي المسمَّم ِ العطورِ
هذا أنا بكلِّ سيئاتي
بكلِّ ما في الأرضِ من غرورِ
كشفتُ أوراقي فلا تُراعي
لن تجدي أطهرَ من شروري
للحسن ثوراتٌ فلا تهابي
وجرِّبي أختاهُ أن تثوري
ولتْشقي مهما يكنْ بحُبِّي
فإنَّه أكبر ُ من كبيرِ
أعلى

حُبُّكِ طيرٌ أخضرُ ..
طَيْرٌ غريبٌ أخضرُ ..
يكبرُ يا حبيبتي كما الطيورُ تكبْرُ
ينقُرُ من أصابعي
و من جفوني ينقُرُ
كيف أتى ؟
متى أتى الطيرُ الجميلُ الأخضرُ ؟
لم أفتكرْ بالأمر يا حبيبتي
إنَّ الذي يُحبُّ لا يُفَكِّرُ ..
حُبُّكِ طفلٌ أشقرُ
يَكْسِرُ في طريقه ما يكسرُ ..
يزورني .. حين السماءُ تُمْطِرُ
يلعبُ في مشاعري وأصبرُ ..
حُبُّكِ طفلٌ مُتْعِبٌ
ينام كلُّ الناس يا حبيبتي ويَسْهَرُ
طفلٌ .. على دموعه لا أقدرُ ..
حُبُّكِ ينمو وحدهُ
كما الحقولُ تُزْهِرُ
كما على أبوابنا ..
ينمو الشقيقُ الأحمرُ
كما على السفوح ينمو اللوزُ والصنوبرُ
كما بقلب الخوخِ يجري السُكَّرُ ..
حُبُّكِ .. كالهواء يا حبيبتي ..
يُحيطُ بي
من حيث لا أدري به، أو أشعُرُ
جزيرةٌ حُبُّكِ .. لا يطالها التخيُّلُ
حلمٌ من الأحلامِ ..
لا يُحْكَى .. ولا يُفَسَّرُ ..
حُبُّكِ ما يكونُ يا حبيبتي ؟
أزَهْرَةٌ ؟ أم خنجرُ ؟
أم شمعةٌ تضيءُ ..
أم عاصفةٌ تدمِّرُ ؟
أم أنه مشيئةُ الله التي لا تُقْهَرُ
كلُّ الذي أعرفُ عن مشاعري
أنكِ يا حبيبتي، حبيبتي ..
و أنَّ من يًُحِبُّ ..
لا يُفَكِّرُ ..
أعلى

يقشرني الحب كالبرتقالة ..
يفتح في الليل صدري
ويترك فيه نبيذاً، وقمحاً،
وقنديل زيت
ولا أتـذكـر أني انذبحت
ولاأتـذكـر أني نزفـت
ولااتـذكـر أني رأيـتْ ..
يبعثـرني الحب مثل السحابة .
يلغي مكان الولادة .
يلغي سنين الدراسة .
يلغي الإقامة، يلغي الديانة .
يلغي الزواج، الطلاق، الشهود، المحاكم .
يسحب مني جواز السفر ..
ويغسل كل غبار القبـيلة عني
ويجعلني ..
من رعايا القمر ..
أعلى

حبيبتي، لديَّ شيءٌ كثيرْ..
أقولُهُ، لديَّ شيءٌ كثيرْ ..
من أينَ ؟ يا غاليتي أَبتدي
و كلُّ ما فيكِ.. أميرٌ.. أميرْ
يا أنتِ يا جاعلةً أَحْرُفي
ممّا بها شَرَانِقاً للحريرْ
هذي أغانيَّ وهذا أنا
يَضُمُّنا هذا الكِتابُ الصغيرْ
غداً .. إذا قَلَّبْتِ أوراقَهُ
و اشتاقَ مِصباحٌ وغنّى سرير..
واخْضَوْضَرَتْ من شوقها، أحرفٌ
و أوشكتْ فواصلٌ أن تطيرْ
فلا تقولي : يا لهذا الفتى
أخْبرَ عَنّي المنحنى والغديرْ
و اللّوزَ .. والتوليبَ حتى أنا
تسيرُ بِيَ الدنيا إذا ما أسيرْ
و قالَ ما قالَ فلا نجمةٌ
إلاّ عليها مِنْ عَبيري عَبيرْ
غداً .. يراني الناسُ في شِعْرِهِ
فَمَاً نَبيذِيّاً، وشَعْراً قَصيرْ
دعي حَكايا الناسِ.. لَنْ تُصْبِحِي
كَبيرَةً .. إلاّ بِحُبِّي الكَبيرْ
ماذا تصيرُ الأرضُ لو لم نكنْ
لو لَمْ تكنْ عَيناكِ.. ماذا تصيرْ ؟
أعلى

لو حميناه من البرد قليلا ..
وحميناه من العين قليلا ..
لو غسلنا قدميه بمياه الورد والآس قليلا ..
آهِ .. لو نحن أخذناه إلى ساحات باريس العظيمة
وتصورنا معه ..
مرة في ساحة ( الفاندوم ) أو في ساحة (الباستيل ) أو في الضفة اليسرى
من السين ..
آهٍ .. لو تدحرجنا على الثلج معه .
وهو بالقبعة الزرقاء يجري ..
ودموعي جدول يجري معه ..
آهٍ .. لو نحن أخذناه إلى عالم (ديزني) ..
وركبنا في القطارات التي تمرق من بين ملايـين الفراشات إلى قوس قزح ..
أهٍ .. لو نحن استجبنا لأمانيه الصغيرات ..
وآهٍ .. لو أكلنا معه ( البيتزا ) بروما . .
وتجولنا بأحياء فلورنسا ..
وتركناه ليرمي خبزه لطيور (البندقية) ..
فلماذا هرب العصفور منا يا شقية؟
قد رسمناه بأهداب الجفون
ونحتـناه بأحداق العيون
وانتظرناه قـرونا .. وقـرون
فلماذا هرب العصفور منا ؟
دون أن يلقي التحية ..
ربما .. لو أنت من جنتك الخضراء، يا سيدتي .. لم تطرديه
ربما .. لو أنت، يا سيدتي، لم تقتليه ..
كان سلطان زمانه ..
ربما .. لو كان حيا
دخل الشمس على ظهر حصانه
ربما .. لو قال شعرا ..
يقطر السكر من تحت لسانه
ربما .. لو شاء يوما أن يغني ..
يطلع الورد على قوس كمانه ..
ربما .. لو ظل حيا ..
حرك الأرض بأطراف بَـنــانِه ..
لا تقولي : ( لا تؤاخذني )..
فـقـد كان قـضاءً وقـدر..
هل يكون الجهل والسخف قضاء وقـدر ؟
قمرا كان ..
ومن يقتــُـلُ، يا سيدتي، ضوء القمر ؟
وَتــَـرا كان ..
ومن يقطعُ من عودٍ وتر ؟
مطرا كان ..
ولن يأتي إلينا مرة أخرى المطر ..
أنت لو أعطيته الفرصة يا سيدتي ..
ربما كان المسيح المنتظر ..
آهٍ .. يا قاتلة الحلم الجميل المبتكر ..
مؤسف أن يقتل الإنسان حلما ..
مؤسف أن تكسري في الأفق نجما ..
يا التي تبكي طوال الليل عصفور الأمل سبق السيف العزل ..
لا تلوميني إذا ما يبس الدمع بعينيّ
وصار القلب فحما ..
فأنا كنت أبا ..
مدهش الأحلام .. لكن
أنت، يا سيدتي، ما كنت أمّـا..
أعلى

شَرَّشْتِ ..
في لحمي وأعْصَابي ..
وَ مَلَكْتِني بذكاءِ سنجابِ
شَرَّشْتِ .. في صَوْتي، وفي لُغَتي
و دَفَاتري، وخُيُوطِ أَثوابي ..
شَرَّشْتِ بي .ز شمساً وعافيةً
و كسا ربيعُكِ كلَّ أبوابي ..
شَرَّشْتِ .. حتّى في عروقِ يدي
وحوائجي .. وزجَاج أكوابي ..
شَرَّشْتِ بي .. رعداً .. وصاعقةً
و سنابلاً، وكرومَ أعنابِ
شَرَّشْتِ .. حتّى صار جوفُ يدي
مرعى فراشاتٍ .. وأعشابِ
تَتَساقطُ الأمطارُ .. من شَفَتِي ..
و القمحُ ينبُتُ فوقَ أهْدَابي ..
شَرَّشْتِ .. حتَّى العظْم .. يا امرأةً
فَتَوَقَّفي .. رِفْقاً بأعصابي ..
أعلى

فَرَشتُ أهدابي.. فلن تتعَبي
نُزْهتنا على دمِ المغربِ
في غيمةٍ ورديّـةٍ.. بيتـُنــا
نَسْبَحُ في بريقها المُذْهَبِ
يسوقُنا العطرُ كما يشتهي
فحيثُما يذهبْ بنا.. نَذْهَبِ..
خذي ذراعي.. دربُنا فضّهٌ
ووعدُنا في مخدعِ الكوكبِ
أرجوكِ.. إنْ تمسّحتْ نجمةٌ
بذيلِ فستانكِ.. لا تغضبي
فإنها صديقة حاولتْ
تقبيلَ رِجليكِ، فلا تعتبي
ثِقي بحُبّي .. فهو أقصوصةٌ
بِأَدْمُعِ النجومِ لم تُكْتَبِ
حُبِّي بِلَونِ النار.. إنْ مرةً
وَشْوَشْتُ عنه الحبَّ، يَسْتَغْرِبُ
لا تَسأَليني..كيفَ أَحْبَبْتَني؟
يَدفعني إليكِ شوقٌ نــبي..
و اللهِ إنْ سَأَلتِني نجمةً
قَلَعْتُها من أُفْقِها .. فاطلبي
هل كان ينمو الوردُ في قمّتي؟
لو لم تهلّي أنتِ في ملعبي
و مطلبي لَديكِ ما يطلبُ
العصفورُ عند الجدولِ المعشبِ
و أنتِ لي، ما العطرُ للوردة
الحمراء، لا أكونُ إنْ تذهبي ..
أعلى

أنْ تكوني امرأةً .. أو لا تكوني ..
تلكَ .. تلكَ المسألَة
أنْ تكوني امرأتي المفضَّلة
قطَّتي التركيَّة المدلَّلة ..
أنْ تكوني الشمسَ .. يا شمسَ عُيوني
و يداً طيّبةً فوقَ جبيني
أنْ تكوني في حياتي المقْبِلَةْ
نجمةً .. تلكَ المشكِلَةْ
أنْ تكوني كلَّ شيّْ ..
أو تُضيعي كلَّ شيّْ ..
إنَّ طبْعي عندما اهوى
كطبْع البَرْبَريّْ ..
أنْ تكوني ..
كلَّ ما يحملُهُ نوَّارُ من عُشْبٍ نديّْ
أنْ تكوني .. دفتري الأزرقَ ..
أوراقي .. مِدادي الذهنيّْ ..
أنْ تكوني .. كِلْمةً
تبحثُ عن عُنوانِها في شَفَتيّْ
طفلةً تكبرُ ما بين يديّْ
آهِ يا حوريةً أرسَلهَا البحرُ إليّْ ..
و يا قَرْعَ الطُبُولِ الهَمَجيّْ
إفْهَميني ..
أتمنَّى مُخْلصاً أن تَفْهَميني
رُبَّما .. أخطأتُ في شرح ظنُوني
رُبَّما سرتُ إلى حُبِّكِ معصوبَ العيونِ
و نَسَفْتُ الجسرَ ما بين اتِّزاني وجُنوني
أنا لا يمكنُ أن أعشقَ إلاّ بجُنوني
فاقْبَلِيني هكذا .. أو فارْفُضِيني ..
إنْصتي لي ..
أتمنَّى مُخْلصاً أنْ تُنْصِتي لي ..
ما هناكَ امرأةٌ دونَ بديلِ
فاتنٌ وجهُكِ .. لكنْ في الهوى
ليس تكفي فتنةُ الوجه الجميلِ
إفْعَلي ما شئتِ .. لكنْ حاذِري ..
حاذِري أنْ تقتلي فيَّ فُضُولي ..
تَعِبَتْ كفَّايَ .. يا سيِّدتي
و أنا أطرُقُ بابَ المُسْتَحيلِ ..
فاعشقي كالناس .. أو لا تعشقي
إنَّني أرفُضُ أَنْصَافَ الحُلولِ ..
أعلى

أشهد أن لا امرأة
أتقنت اللعبة إلا أنت
واحتملت حماقتي
عشرة أعوام كما احتملت
واصطبرت على جنوني مثلما صبرت
وقلمت أظافري
ورتبت دفاتري
وأدخلتني روضة الأطفال
إلا أنت
أشهد أن لا امرأة
تشبهني كصورة زيتية
في الفكر والسلوك إلا أنت
والعقل والجنون إلا أنت
والملل السريع
والتعلق السريع
إلا أنت
أشهد أن لا امرأة
قد أخذت من اهتمامي
نصف ما أخذتِ
واستعمرتني مثلما فعلت
وحررتني مثلما فعلت
أشهد أن لا امرأة
تعاملت معي كطفل عمره شهران
إلا أنت
وقدمت لي لبن العصفور
والأزهار والألعاب
إلا أنت
أشهد أن لا امرأة
كانت معي كريمة كالبحر
راقية كالشعر
ودللتني مثلما فعلت
وأفسدتني مثلما فعلت
أشهد أن لا امرأة
قد جعلت طفولتي
تمتد للخمسين .. إلا أنت
أشهد أن لا امرأة
تقدر ن تقول إنها النساء .. إلا أنت
وإن في سُرَّتِها
مركز هذا الكون
أشهد أن لا امرأة
تتبعها الأشجار عندما تسير
إلا أنت
ويشرب الحمام من مياه جسمها الثلجي
إلا أنت
وتأكل الخراف من حشيش إبطها الصيفي
إلا أنت
أشهد أن لا امرأة
اختصرت بكلمتين قصة الأنوثة
وحرضت رجولتي عليَّ
إلا أنت
أشهد أن لا امرأة
توقف الزمان عند نهدها الأيمن
إلا أنت
وقامت الثورات من سفوح نهدها الأيسر
إلا أنت
أشهد أن لا امرأة
قد غيرت شرائع العالم إلا أنت
وغيرت
خريطة الحلال والحرام
إلا أنت
أشهد أن لا امرأة
تجتاحني في لحظات العشق كالزلزال
تحرقني .. تغرقني
تشعلني .. تطفئني
تكسرني نصفين كالهلال
أشهد أن لا امرأة
تحتل نفسي أطول احتلال
وأسعد احتلال
تزرعني
وردا دمشقيا
ونعناعا
وبرتقال
يا امرأة
اترك تحت شَعرها أسئلتي
ولم تجب يوما على سؤال
يا امرأة هي اللغات كلها
لكنها
تلمس بالذِهْنِ ولا تُقال
أيتها البحرية العينين
والشمعية اليدين
والرائعة الحضور
أيتها البيضاء كالفضة
والملساء كالبلور
أشهد أن لا امرأة
على محيط خصرها . .تجتمع العصور
وألف ألف كوكب يدور
أشهد أن لا امرأة .. غيرك يا حبيبتي
على ذراعيها تربى أول الذكور
وآخر الذكور
أيتها اللماحة الشفافة
العادلة الجميلة
أيتها الشهية البهية
الدائمة الطفولة
أشهد أن لا امرأة
تحررت من حكم أهل الكهف إلا أنت
وكسرت أصنامهم
وبددت أوهامهم
وأسقطت سلطة أهل الكهف إلا أنت
أشهد أن لا امرأة
استقبلت بصدرها خناجر القبيلة
واعتبرت حبي لها
خلاصة الفضيلة
أشهد أن لا امرأة
جاءت تماما مثلما انتظرت
وجاء طول شعرها أطول مما شئت أو حلمت
وجاء شكل نهدها
مطابقا لكل ما خططت أو رسمت
أشهد أن لا امرأة
تخرج من سحب الدخان .. إن دخنت
تطير كالحمامة البيضاء في فكري .. إذا فكرت
يا امرأة ..كتبت عنها كتبا بحالها
لكنها برغم شعري كله
قد بقيت .. أجمل من جميع ما كتبت
أشهد أن لا امرأة
مارست الحب معي بمنتهى الحضارة
وأخرجتني من غبار العالم الثالث
إلا أنت
أشهد أن لا امرأة
قبلك حلت عقدي
وثقفت لي جسدي
وحاورته مثلما تحاور القيثارة
أشهد أن لا امرأة
إلا أنت .. إلا أنت
إلا أنت
أعلى

لا أحد قرأ فـنجاني ..
إلا وعرف أنك حبيبتي
لا أحد درس خطوط يدي
إلا واكتشف حروف اسمك الأربعة ..
كل شيء يمكن تكذيبه
إلا رائحة امرأة نحبها ..
كل شيءٍ يمكن إخفاؤه
إلا خطوات امرأةٍ تتحرك في داخلنا..
كل شيء يمكن الجَـدَل فيه ..
إلا أنوثتك ..
أين أخفيك يا حبيبتي ؟
نحن غابتان تشتعلان
وكل كاميرات التلفزيون مسلطة علينا..
أين أخبئك يا حبيبتي ؟
وكل الصحافـيـين يريدون أن يجعلوا منك نجمة الغلاف ..
ويجعلوا مني بطلا إغريقيا وفضيحة مكتوبة ..
أين أذهب بك ؟
أين تذهبين بي؟
وكل المقاهي تحفظ وجوهنا عن ظهر قلب
وكل الفنادق تحفظ أسماءنا عن ظهر قلب
وكل الأرصفة تحفظ موسيقى أقدامنا عن ظهر قلب ..
نحن مكشوفان للعالم كشرفة بحريه
ومرئيان كسمكتين ذهبيـتـين ..
في إناء من الكريستال ..
لا أحد قرأ قـصائدي عنك ..
إلا وعرف مصادر لغتي ..
لا أحد سافر في كتبي
إلا وصل بالسلامة إلى مرفأ عينيك
لا أحد أعطيته عنوان بيتي
إلا توجه صوب شفتيك ..
لا أحد فـتح جواريري
إلا ووجدك نائمة هناك كفراشه ..
ولا أحد نبش أوراقي ..
إلا وعرف تاريخ حياتك ..
علميني طريقة ..
أحبسك بها في التاء المربوطة
وأمنعك من الخروج ..
علميني أن أرسم حول نهديك دائرة بالقلم البنفسجي
و أمنعهما من الطيران
علميني طريقة أعتقلك بها كالنقطة في آخر السطر ..
علميني طريقة أمشي بها تحت أمطار عينيك ..
ولا أتبلل
وأشم بها جسدك المضمخ بالبهارات الهندية ..
ولا أدوخ ..
وأتـدحـرج من مرتفعات نهديك الشاهـقـين ..
ولا أتـفـتـت ...
ارفعي يدك عن عاداتي الصغيرة وأشيائي الصغيرة ..
عن القلم الذي أكتب به ..
والأوراق التي أخربش عليها ..
وعلاقة المفاتيح التي أقـتـنـيـها
والقهوة التي أحتسيها ..
وربطات العنق التي أقـتـنـيها
ارفعي يديك عن كتابتي ..
فليس من المعقول
أن أكتب بأصابعك وأتنفس برئتيك ..
ليس من المعقول
أن أضحك بشفتيك وان تبكي أنت بعيوني !!.
اجلسي معي قليلا ..
لنعيد النظر في خارطة الحب التي رسمتها بقسوة فاتحٍ مغولي ..
وأنانية امرأة تريد أن تـقول للرجل :
"كن .. فيكون .. "
كلميني بديمقراطية، فـذكور القبيلة في بلادي .. أتـقنوا لعبة القمع
السياسي
ولا أريدك أن تمارسي معي لعبة القمع العاطفي ..
اجلسي حتى نرى ..
أين حدود عينيك ؟.
وأين حدود أحزاني ؟.
أين تبتدئ مياهك الأقليمية ؟
وأين ينتهي دمي ؟ .
اجلسي حتى نتـفاهم ..
على أي جزء من أجزاء جسدي ستتوقـف فـتوحاتك ..
وفي أي ساعة من ساعات الليل ستبدأ غزواتك ؟
اجلسي معي قليلا ..
حتى نتفق على طريقة حبٍّ
لا تكونين فيها جاريتي ..
ولا أكون فيها مستعمرة صغيرة في قائمة مستعمراتك ..
التي لا تزال منذ القرن السابع عشر
تطالب نهديك بالتحرر
ولا يسمعان ..
ولا يسمعان ..
لا أرى أحـداً سواكِ
أنا لا أفكر ..
أنا لا أقاوم، أو أثور على هواك ..
فأنا وكل قصائدي ..
من بعض ما صنعت يداك ..
إن الغرابة كلها ..
أني محاط بالنساء ..
ولا أرى أحدا سواك ..
أعلى

في مرفأ عينيك الأزرق
أمطار من ضوء مسموع
وشموس دائخة وقلوع
ترسم رحلتها للمطلق
في مرفأ عينيك الأزرق
شباك بحري مفتوح
وطيور في الأبعاد تلوح
تبحث عن جزر لم تخلق
في مرفأ عينيك الأزرق
يتساقط ثلج في تموز
ومراكب حبلى بالفيروز
أغرقت الدنيا ولم تغرق
في مرفأ عينيك الأزرق
أركض كالطفل على الصخر
أستنشق رائحة البحر
وأعود كعصفور مرهق
في مرفأ عينيك الأزرق
أحلم بالبحر وبالإبحار
وأصيد ملايين الأقمار
وعقود اللؤلؤ والزنبق
في مرفأ عينيك الأزرق
تتكلم في الليل الأحجار
في دفتر عينيك المغلق
من خبأ آلاف الأشعار ؟
لو أني لو أني بحار
لو أحد يمنحني زورق
أرسيت قلوعي كل مساء
في مرفأ عينيك الأزرق
أعلى

أجرك إلى بحري،كسمكه قزحية الألوان..
وأعرف أنك تخافين ملامسة الماء والسباحة باتجاه المجهول
أرفع نهدك عند الفجر،شراعا من الفضة..
وأكتشف أمريكا..قبل كريستوف كولومبوس
وأدخل الأندلس قبل عبدالرحمن الداخل
أدربك على أن تحبيني..
وأنا أعرف أنني أشعل النار في غلاف الكرة الارضية
أنفخ على حلمتيك الخائفتين..
فتتحولان إلى راقصتي باليه..
وأرش شفتك السفلى بالشعر.
فتحمل كشجرة كرز
أجرك معي من هاوية العشق
إلى هاوية الشعر..
إلى هاوية الهاوية
وأعجنك بقلقي وتطرفي وجنوني
وقصائدي السيئة السمعة
أجرك من تاريخك الذي لا تاريخ له..
ومن جسدك الذي فقد ذاكرته..
وأصنع لك وسادة من أعشاب البحر..
وقهوة إيطالية طيبة..
وأقرأ لك طوال الليل
شيئا من شعر سافو..
وشيئا من نشيد الإنشاد
أجرك مئة سنة،ألف سنة
مليون سنة..
من بيروت إلى سنغافورة..
ومن الإسكندرية إلى ساحل العاج..
ومن قرطاج إلى هونكونغ..
ومن أرواد إلى هونولولو
وأتشبث بشعرك الطويل،خصلة خصلة..
بوصة بوصة..
مخافة أن تنزلقي من بين أصابعي
وتقعي في أيدي القراصنة......
ألغي أسماءك الأولى
وأعطيك إسم الوردة..
ألغي موسيقى الشعر
وأعزف على الزغب الطفولي،الذي يطرز براريك..
فيتحول إلى أسلاك من الذهب....
في الصيف أجرك
وفي الشتاء أجرك
في الصحو أجرك
وفي العاصفة أجرك
حتى تدمي يدي..
ويحرق ملح البحر جبيني..
أشدك إلى صدري كلؤلؤة نادرة
وأبحر بك: من جزر الكناري إلى جزر القمر..
ومن شموس ماربيا إلى ياسمين الشام
ومن بحر الصين إلى بحر دموعي..
ومن سواحل المرجان إلى سواحل الأحزان..
وأتجنب الدخول إلى سوق اللؤلؤ..
حتى لا يسرقك التجار من حقيبة يدي..
أشيلك يوما على كتفي
ويوما على كتف كلماتي
ويوما على كتف الفضيحة..
وأدخل معك المقاهي التي لا يعرفها أحد
وأعطيك عناويني السرية.. التي لم أعطها لأحد
وأرسم نهديك بالزيت والأكواريل
كما لم يرسمهما أحد..
ضد حركات التاريخ أجرك..
وضد قوانين الحب العربية أجرك..
وضد مؤسسات تعليب النساء أجرك..
وضد المعلقات العشر
وألفية بن مالك
وتغريبة بني هلال..أجرك
وضد سلاطين آل عثمان
وضد النراجيل والمسابح
وسماورات الشاي
والحمامات التركية
والحرملك
والسلاملك
ومناديل ليلة(الدخلة)الحمراء......
أيتها السمكة المغسولة،بألوان قوس قزح..
والمنقطة بالذهب والفضة..
إسبحي حيث تشائين،في ماء عيوني..
أوفي دم قصائدي
في شبكتي العصبية
أوفي دورتي الدموية
ولكن إياك أن تبتعدي عن شواطئ صدري..
حتى لا تضيعي مني..
بين حوريات البحر.
أيتها السمكة التي تكشف كل نهار،أبعاد جسدها
وأبعاد أنوثتها
وتتعرف على حقول حنطتها
وأشجار فاكهتها
وأعشاش عصافيرها
وموسيقى جداولها الربيعية..
لا تعودي إلى البر أبدا يا حبيبتي..
فالساعة في الوطن العربي،واقفة منذ القرن الاول..
ياأميرة الأسماك
أميرة النساء المصنوعات من توركواز البحر..
وأميرة الأنوثة التي لا ضفاف لها..
قرري في مطلع السنة الجديدة
ماذا تريدين أن تكوني
سمكه متوحشة؟
أم حمامة أليفة؟
أم قطة سيامية؟
أم غابة إفريقية؟
أم فرسا تصهل في براري الحرية؟
إن كل خياراتك مقبولة عندي..
ولكنني أفضل أن تكوني، عاصفة
على شكل امرأة..
أيتها المرأة السمكة..
يالتي تزوجتني..على سنة البحر وموجه وزبده
وتركت بيوضها على شواطئ دمي
وفي رحم قصائدي..
أحبك
أحبك
أحبك
أعلى

أكثر ما يرعبني
في القرن الواحد والعشرين
انك لن تكوني فيه حبيبتي
وأنني لن أكتب فيه قصيدة واحدة
في تمجيد العشق
أو مديح النساء
إنه قرن لا قلب له
وليس فيه مكان للحب ..
أو للشعر .. أو للكلمات الجميلة
قرن ستنقرض فيه ذرية الإنسان
العاشق
والإنسان الحالم
والإنسان الكاتب
أكثر ما يخيفني
انهم سوف يبرمجونك
ويبرمجونني
ويتحكمون بحركة شفاهنا
وأصابعنا
وتاريخ لقاءاتنا
وتوقيت رغباتنا
ومواسم ضحكنا
ماذا سنفعل يا حبيبتي
في عصر إلتباس الأجناس
وسلطة أقنية الفضاء
والإنترنت
وأشعة الليزر
والوجبات السريعة
وهستيريا الهاتف الخلوي
لست متحمسا لحداثة
تأخذ مني نقائي وطفولتي
ولا لحداثة تمحو أبجديتي
وسلالاتي الثقافية
ولا لكل الحداثات
التي تلغي ذاكرتي الشعرية
لست متحمسا كي أبيع المتنبي
حتى أشتري شكسبير
ولا أن أبيع أم كلثوم
حتى أشتري مادونا
لست متحمسا
كي أكون سويدياً
أو دنمركياً .. أو نرويجياً
أو شاعرا من شعراء الإسكيمو
فالحب تحت الصفر
لا يتناسب مع مناخاتي الاستوائية
إنني عربي يصنع القهوة
على نار الفحم
ويصنع الحب على نار الفحم
ويكتب القصيدة على نار الفحم
ويستقبل النساء
وهو مطمور في داخل منقل فحم
لا يمكنني أن احبك في عصر الحداثة
فهو يستنزف إنسانيتي
ويقتل طفولتي
لا يمكنني أن ألمس شفتيك
بالريموت كونترول
وأراك كملايين المشاهدين
بالفيديو كليب
فهذا اغتصاب لخصوصيتي
وعدوان
على رجولتي
لا يمكنني أن أجعلك يا حبيبتي
طعاما للكمبيوتر
وتقريراً صحفيا في ثورة المعلومات
لا يمكنني أن أحبك
على الطريقة الدادائية
أو السريالية
فالتجريد ليس من طبيعتي
وسيلفادور دالي
وخوان ميرو
وشاغال
وماكس ارنست
لن يتمكنوا من إلغاء بداوتي
لا يمكنني أن أحبك
على طريقة النسّاك
والزاهدين، والمتصوفين
ولا أن ادخل مع شفتيك في حوار فلسفي
لأن كف المرأة لا يقرأ كتب الفلسفة
ولا يعرف من هو ديكارت
وهيغل .. وابن رشد .. وابن خلدون
والتفري .. ومحيي الدين بن عربي
كف المرأة
لا يريد منظرين .. وأكادميين .. وفقهاء
بل يريد إنقلابيين حقيقيين
يسقطون نظام العشق العربي
ويرفعون راية الأنوثة
ويغيرون كروية الأرض
لا يمكنك أن تطالبينني
أن أكون أمامك طفلاً
مطيعا .. ومهذبا
فالأطفال المهذبون
ينتهون دائما إلى الطبيب النفسي
أو إلى مستشفى المعاقين
وأنا أريد أن أكون طفلاً
طبيعيا
يلعب .. ويصرخ .. ويخربش على الحيطان
ويحرق ستائر الحيط .. ويحطم أوانيه
أريد أن تكوني حبيبتي
خارج العصر الجاهلي
وخارج العصر المملوكي
وخارج الفيتو الأمريكي
وخارج العصر الإسرائيلي
الذي ذبحنا كالدجاج
على باب الجامعة العربية
كلما أحببتك
كبرت مساحة حريتي
إنني لا أستطيع أن أعشق امرأة
لا تحررني
اذهب إلي موعدك
لاهثا ومتحمسا
ومبهوراً
كما اذهب إلى ورقة الكتابة
اعشقي من شئت
وتزوجي من شئت
وسافري مع من شئت
فحيث تكونين
أنت جزء من قصيدتي
سوف يأتي يوم
لا تجدين فيه أمامك على طاولة الزينة
إلا قصائدي
الجنس عزف حضاري على وترين
وقصيدة يكتبها جسدان
ولكنه يفشل في بلادنا
لأنه يحدث بين فراشة ربيعية
وبين، بولدوزر
الرجال العرب
مسؤولون عن وأد المرأة جسديا
في العصر الجاهلي
ومسؤولون عن وأدها ثقافيا
في عصر الأقمار الصناعية
لا حياد مع الشعر يا سيدتي
كما لا حياد مع النساء
إنني أبحث عن قصيدة تتفجر
وتفجرني معها
وعن امرأة ترمي نفسها في هاوية العشق
وتسحبني معها
فحاولي أن تتركيني قلقا
ومرتابا
ومتحفزا كنمر أفريقي
حاولي أن تستفزي الشعر في داخلي
وتشعلي كبريت رجولتي
وتطرزي جسدي بآلاف القبلات
وآلاف الطعنات
لا أريد منك جوابا على أي شيء
ولا نهاية لأي شيء
فظلي خنجرا مخبوءا تحت شراشفي
لا أعرف متى يذبحني
ومتى يصفح عني
ظلّي الزلزال الجميل الذي انتظره
والموت الذي يأتي ولا يأتي
فأنا لم أفكر أبدا في إقامة علاقة مع امرأة من خشب
أو في كتابة قصيدة من خشب
أعلى

تلك الخطابات الكسولة بيننا
خير لها .. خير لها .. أن تقطعا
إن كانت الكلمات عندك سخرة
لا تكتبي . فالحب ليس تبرعاً
أنا أرفض الإحسان من يد خالقي
قد يأخذ الإحسان شكلاً مفجعاً
إني لأقرأ ما كتبت فلا أرى
إلا البرودة .. والصقيع المفزعا
عفوية كوني .. وإلا فاسكتي
فلقد مللت حديثك المتميعا
حجرية الإحساس .. لن تتغيري
إني أخاطب ميتاً لن يسمعا
ما أسخف الأعذار تبتدعينها
لو كان يمكنني بها أن أقنعا
سنة مضت . وأنا وراء ستائري
أستنظر الصيف الذي لن يرجعا
كل الذي عندي رسائل أربع
بقيت - كما جاءت - رسائل أربعاً
هذا بريد أم فتات عواطف
إني خدعت .. ولن أعود فأخدعا
يا أكسل امرأة .. تخط رسالة
يا أيها الوهم الذي ما أشبعا
أنا من هواك .. ومن بريدك متعب
وأريد أن أنسى عذابكما معا
لا تتعبي يدك الرقيقة
إنني أخشى على البلور أن يتوجعا
إني أريحك من عناء رسائل
كانت نفاقاً كلها .. وتصنعاً
الحرف في قلبي نزيف دائم
والحرف عندك .. ما تعدى الإصبعا
أعلى

حبك إشكالية كبرى..
إشكالية جسدية..
وإشكالية لغوية..
وإشكالية ثقافية
فذراعي قصيرة
وأغصانك مثقلة بالفاكهة..
وأجنحتي مكسورة
وسماواتك مدروزة بالعصافير.
ومفرداتي محدودة
وجسدك أكاديمية ملكية..
تختزن الشعر وتبتكر اللغات
معك لا توجد أنصاف حلول
و لا أنصاف مواقف
و لا أنصاف أحاسيس
كل شيء معك..
يكون زلزالا أو لا يكون ..
وكل يوم معك
يكون انقلابا أو لا يكون..
وكل قبلة على فمك تكون جهنما أو لا تكون
هكذا أنا..
منذ احترفت الحب
واحترفت الكتابة
لا قصيدة تخرج من بين أصابعي
إلا وهي ساخنة كرغيف الخبز
ولا إمرأه أضع عليها يدي..
إلا وتحمل في بطنها خمسين قمر
معك لا يوجد طقس معتدل
و لا هدنة طويلة ولا حياد مطلق
فالحياد مع إمرأه مثلك
معجونة
بلوزها
وعسلها
وحليب أنوثتها..
وموسيقي أمشاطها وخواتمها
ترف ثقافي لا أقدر عليه
وتنازل سخيف عن صهيل رجولتي
معك لا يوجد للحب سيناريو واحد ..
ولا للجنس أسلوب واحد
ولا للذكور رائحة واحدة..
وإنما حروب عبثية لا ينتصر فيها أحد
تتكسر فيها الاساور على الاساور..
والاقراط على الاقراط..
والامشاط على الامشاط..
وقصائدي..على قمة نهدك المغطى بالثلوج
معك لا يوجد خط مستقيم
ولا صراط مستقيم
فأنت عمل تجريدي غامض
يختلط فيه
الأحمر بالأزرق..بالبرتقالي..
والشعر بالنثر
بالنظام بالفوضى..
بالحضارة بالتوحش ..
بالوجودية بالصوفية
معك يولد الرجل بالمصادفة ويموت بالمصادفة
كيف يمكنني أن أهادن زلزالا أو طوفان ..
أو غابة إفريقية مشتعلة؟
كيف يمكنني أن أصالح نحلة تخطط لارتشاف دمي؟
كيف يمكنني أن أتفاهم مع جسدك
وهو لا يعرف إلا لغته؟
كيف يمكنني أن أربح المعركة؟
وأنا رجل واحد ..وأنت قبيلة من نساء؟
معك تتداخل الأزمنة ببعضها
والأمكنة ببعضها
ونصوص الشعر ببعضها
فلا أعرف من أين؟
ولا أعرف إلى أين؟
ولا يعنيني أبدا أن أستشير النجوم
أو أن أقرأ الخرائط
فالعاشق الكبير هو الذي يرمي نفسه
في بحر العشق
بلا بوصلة ولا خريطة ولا شهادة تأمين
ليس لدي مهنة أخرى في هذا العالم سوى أن أحبك..
ولو حدث أن توقفت عن ممارسة هذا الجنون الجميل
لأصبحت عاطل عن العمل
إن الحب عندي هو غريزة ولادية
وليس أبدا عادة مكتسبة
أو طبيعة ثانيه..
فإذا رأيتني ذات صباح
أتسلق كدودة القز على أشجار نهديك
فاعلمي أن صناعة الحرير
هي جزء لا يتجزأ من تراثي الدمشقي
لم أعد يا حبيبتي قادرا على العشق بالتقسيط
ومزمزة شفتيك بالتقسيط
وتقشير تفاح يديك بالتقسيط..
أنا اليوم رجل براغماتي
أؤمن أن المرأة النائمة في راحة يدي
خير من عشر نساء على الشجرة
وأن الحوار مع أفرواديت..
أهم من الحوار مع جميع الملائكة
يا سيدتي :
اسمحي لي أن أمارس طفولتي قليلا
وأضع النقاط على حروف علاقتنا
فأنا منذ أن نزلت من بطن قصيدة ..
لا أؤمن بالأمور الوسط..
لا في الحب
ولا في الكتابة
ولا في مغازلة النساء
إن البراغماتية في الحب هي عقيدتي ..
وأرفض الحكمة المأثورة التي تقول :
(أجل عشق اليوم،إلى نهار غد)..
كيف يمكنني أن أؤجل أمراه أحبها إلى يوم آخر؟
إلى شهر آخر؟؟.
إلى عام آخر؟
إلى عصر آخر؟
إلى إشعار آخر؟
فالعيون الكبيرة لا تؤجل..
والأمطار الاستوائية لا تؤجل
والعواصف الرعدية لا تؤجل
والقصائد الاستثنائية..لا تكتب إلا مرة واحدة.
أعلى

لماذا
اخترتُ المرأة، دون غيرها من الكائنات الجميلة، دفترا أكتب عليه
أشعاري؟
لماذا احتلت المرأة تلك المساحة الشاسعة من أوراقي ومدّت ظلها على
ثلاثة أرباع عمري؟ وثلاثة أرباع فني؟..
وهل صحيح أني دخلت مخدع المرأة ولم أخرج منه. كما قال عني الأستاذ
محمود العقاد في إحدى مقالاته؟
هل كان طموحي أن أصبح (عمر بن ربيعة الثاني) وأن أحتل في ديون الشعر
العربي المعاصر مكان عُمر، وأسرق تاج الشعر النسائي من فوق رأسه؟.
إن التهمة بحد ذاتها جميلة.. ويصعب على الإنسان أن يرد عنه التهم
الجملية..
أن يرتبط قدر الرجل بوزير، أو أمير، أو بسلطان من السلاطين فتهمة ذات
وجه قبيح. أما أن يرتبط قدره بمن هن بستان هذا العمر، ومروحته، فذنب من
أجمل الذنوب، وأقربها إلى المغفرة.
يسألون: لماذا أكتب عن المرأة؟
وأجيب بمنتهى البراءة والبساطة: ولماذا لا أكتب عنها؟
هل هناك خارجة مرسومة، تحدد للشاعر المناطق التي يسمح لها بدخولها،
والمناطق المحظورة التي لا يستطيع دخولها..
وإذا كان هناك خارجة من هذا النوع، فمن هو الذي رسمها؟ هل هم ذكور
القبيلة الذين يعتبرون الأنثى عارَهم في الليل، وذلّهم في النهار؟..
إذا كان الأمر كذلك.. فأنا مستقيل من قبيلتي.. ورافض لكل موروثاتها.
وأنا حين أرفض فكر قبيلتي، ومواقفها الأرثوذكسية من المرأة، فلأني لا
أومن أصلا بممالك تعتبر الأنوثة عارا، والنساء مواطنات من مواطنات
الدرجة الثانية..
وفي بلاد كبلادنا كان التخطيط الجنسي فيها ولا يزال بيد الرجل، فمن
البديهي أن تكون كل التشاريع الجنسية، مفصلة على مقاييس الرجل وبحجم
غرائزه، وأن تكون كل الأحكام الصادرة في جرائم القتل العاطفي في جانب
القاتل لا في جانب القتيل..
هذا هو منطق القبيلة. ولذلك حملت أشيائي منذ ثلاثين سنة وارتحلت عن
الخيام التي يتسلى فيها السيّاف مسرورا بدحرجة رؤوس نسائها.. كما يتسلى
لاعب النرد بدحرجة حجارة اللعب.
إن حضور السيّاف مسرور في المجتمع العربي ليس حضورا خرافيا أو روائيا،
ولكنه حضور مألوف ويومي، بحيث يتدخل في تفاصيل حياة الناس ويتلصص على
كل الأبواب، والشبابيك، ويختبئ في خزائن الثياب وخلف ستائر غرف النوم..
إن السيّاف مسرور يسكننا جميعا، فهو تحت جلد الأُميين كما هو تحت جلد
المثقفين.. وهو في مناجل القرويين، كما هو في حقائب الجامعيين.. وهو في
بيوت الطين والصفيح، كما هو في الشقق الغارقة بالموكيت والسيراميك.
نحن مجتمع خائف من جسد المرأة.. ولذلك نتآمر عليه، ونحاكمه، وندينه..
ونحكم عليه غيابيا بالإعدام.
نحن مجتمع، ثلاثة أرباع مؤسساته، تأكل، وتشرب، وتعتاش، على حساب الجنس
الثاني، وحساب مواجعه.. وخريطة الشرف الوحيدة التي نعتمدها وندرّسها في
مدارسنا هي خريطة الجسد النسائي.
على جسد المرأة وحدها، عمّرنا المواقع الحربية، والحصون، والقلاع،
ومددنا الأسلاك الشائكة. وعلى هذا الجسد كتبنا قواعد الخير والشر،
ومبادئ الأخلاق، وعلّقنا لافتات الشهامة.
أما جسد الرجل، فقد بقي خارج سلطة الشرائع والقوانين، يَحكم ولا يُحكم
عليه، ويَشنق ولا يُشنق.. ويحمل شهادة حسن سلوك. وحكما بالبراءة من كل
تهم الزنى العلنية التي اقترفها خلال التاريخ..
وبرغم كل لافتات التقدمية التي نرفعها، وكل الأيدولوجيات التي نعتنقها.
وكل الشهادات العالية التي نحملها، فإن (شيخ القبيلة) لا يزال وراء كل
تصرفاتنا وتشنجاتنا، وتعاملنا مع الجنس الثاني..
إننا لم نستطع حتى الآن أن نشفى من فكرة الأنثى – العار.
إن ربط الأنوثة بالعيب والعار جعلنا مجتمعا محروما من الطمأنينة، ينام
والسكين تحت وسادته.. والمجتمعات التي تصبح فيها جغرافية النهد أهم من
جغرافية الأرض، واقتطاع خصلة من شعر امرأة أخطر من اقتطاع إقليم إلى
أقاليم الوطن، هي مجتمعات مأزومة تفكر بجزئها الأسفل.
هذه الخلفية الجاهلية التي تدين الأنوثة بلا محاكمة ولا أدلة ولا شهود،
تجر ذيولها على كل قطاعات حياتنا السياسية والاقتصادية والأدبية.
والشعر، وهو وجدان الأمة المكتوب، لم ينج هو الآخر من ضغوط المؤسسات
الدينية والقبلية والتاريخية عليه، فاضطر في حالات العشق، إلى التحايل
والتنكر والرمز.. فأعطى للحبيب صفة الذكورة، وأسقط تاء التأنيث، خوفا
من عارها، واتجه الشعراء الصوفيون إلى الله، يتغزلّون به، وينشدون وصله
والفناء فيه، كنوع من الإسقاط، ولأن عشق الله هو العشق الشعري الوحيد
الذي لا يطاله قانون العقوبات.
ونتيجة لهذه النظرة البوليسية إلى الأنثى، أصبح شاعر الغزل في هذه
المنطقة مدانا بصورة تلقائية ومتهما بخروجه على تقاليد المدينة
الفاضلة، ومؤسساتها الإنكشارية..
وأنا بالطبع أحد الذين طردتهم مدن الملح والكوابيس الفرويدية من
رحمتها.. وحرمته من حقوقه المدنية، وصادرات جواز سفره..
مصادرة جواز سفري لا تحزنني. فالشعر يتجول كالريح بغير وثائق ثبوتية
ولا تأشيرة خروج حكومية..
ولكن ما يحزنني، أن تبقى مدينة واحدة على وجه الأرض تضع شعر الحب في
قائمة المهرّبات والمخدرات، وتعتبر شاعر الحب مواطنا من الدرجة
العاشرة..
تسعون بالمئة من الأحاديث الصحفية التي تُجرى معي تطرح ذات السؤال الذي
أصبح بالنسبة لي صداعا يوميا لا يحتمل:
لماذا اخترت المرأة موضوعا رئيسيا لشعرك.. ونسيت الوطن؟
وان طرح السؤال بهذا الشكل العدواني يدل على أن طارحيه لا يعرفون شيئا
عن المرأة ولا عن الوطن.
انهم يتصورون أن المرأة عنصر مضاد للوطن ومتناقض معه.. وبالتالي فإن كل
كتابة عنها، أو محاولة لدخول عالمها، وكشف الستائر عن أحزانها
وعذاباتها، ومسح التراب المتراكم على وجهها وجسدها عبر ألوف السنين،
يعتبر عملا ضد الوطن..
مسكين هذا الوطن كم نختصر مساحته حتى يصبح أصغر من قمحة. إننا نضيّقه
ونعصره بين أيدينا حتى لا يبقى من غاباته سوى شجرة، ومن بحاره سوى
اسفنجة، ومن طموحاته سوى خارطة مدرسية.. ونشيد عسكري.
الوطن الذي نتعامل معه هو نصف وطن.. ربع وطن.. جزء من مائة من الوطن..
نحن نتعامل مع الوطن الجغرافي، وننسى الوطن النفسي. نتعامل من المئذنة
وننسى المؤذن، ومع الكتاب وننسى الصفحات، ومع الزجاجة وننسى العطر، ومع
البحر وننسى المسافرين، ومع الدين وننسى الله.. ومع الجنس وننسى
المرأة..
هذا الفكر التجزيئي جعل الوطن عندنا رقعة شطرنج منفصلة الخانات.. وجعل
من الشعراء أحجار شطرنج كل واحد له خط سير.. ودور مرسوم، وقدر محتوم.
فشاعر القومية يقف في خانة، وشاعر الغزل يقف في خانة، وشاعر الوصف يقف
في خانة.. وشاعر الرثاء يقف في خانة، وشاعر المديح يقف في خانة. وكل
واحد منهم ممنوع من مغادرة المربع الذي وّضع فيه. وهكذا أصبحت قصائد
الشاعر هي مكان إقامته الجبرية.
وبالنسبة لي، كان من المفروض – تبعا لهذا المنطق الهندسي – أن أبقى في
مربع المرأة لأنني ولدتُ فيه وعليّ أن أموت فيه..
وحين حاولت أن أكسر حدود المربع.. وأخرج منه إلى بقية المربعات، ارتفعت
أصوات لاعبي الشطرنج ضدي – لأنني في نظرهم خالفت قواعد اللعبة.
كان غضبهم عليّ عظيما، لأنني تجرّأت بعد هزيمة 1967 أن أبكي على وطني..
حتى دموعي الحزيرانية رفضوها.. فمن يبكي على صدر حبيبته لا يحق له أن
يبكي على صدر وطنه.. ومن يمارس العشق لا يحق له أن يمارس الثورة..
إن مثل هذا الكلام الانفعالي المغلّف بالطهارة الثورية لا يفهم الثورة
إلا من ثقب ضيق. انه يفرغها من شموليتها، وأبعادها الإنسانية، ليحبسها
في زجاجة ضيّقة العنق، ويحوّل الثائرين إلى كائنات غيبية منفصلة عن
لحمها، ودمها، وارتباطاتها الأرضية.
إن إعطاء الثوار هيئة الملائكة المرسومين على سقوف الكنائس، يحوّلهم
إلى مخلوقات ميتافيزيكية لا جنس لها.. ويقلبهم إلى مجموعة من
التصاوير.. والمنحوتات..
إن مفهومي للوطن والوطنية مفهوم تركيبـي وبانورامي. وصورة الوطني عندي
تتألف، كالبناء السمفوني، من ملايين الأشياء.. ابتداءً من حبة المطر،
إلى ورقة الشجر، إلى رغيف الخبز، إلى مزراب الماء، إلى مكاتيب الحب،
إلى رائحة الكتب، إلى طيارات الورق، إلى حوار الصراصير الليلية، إلى
المشط المسافر في شعر حبيبتي، إلى سجادة صلاة أمي، إلى الزمن المحفور
على جبين أبي..
من هذه الشرفة الواسعة أرى الوطن، وأحتضنه وأتوحّد معه. فالكتابة عن
الوطن ليست موعظة، ولا خطبة، ولا افتتاحية جريدة يومية تتحدث بطريقة
دراماتيكية عن خيوله، وبيارقه، وفرسانه، وأعدائه، الذين (نضجت جلودهم
قبل نضج التين والعنب) وعن بطولات أمير المؤمنين الذي يمد رجليه فوق
(جفن الرَدَى وهو نائمُ)..
هذا نوع من أنواع الوطنية التي تعتمد النقل الفوتوغرافي لأداة الحرب،
وتركّز على الخليفة الذي يدفع.. أكثر من تركيزها على القضية.
لكن الوطن ليس أداة حربية فقط، ولا هو جيب أمير المؤمنين فقط.. بل هو
مسرح بشري كبير يضحك الناس فيه، ويبكون، ويضجرون، ويتشاجرون، ويعشقون،
ويمارسون الجنس، ويسكرون، ويصلّون ويؤمنون، ويكفرون، وينتصرون،
وينهزمون..
من هذه الزاوية المنفتحة على الإنسان من الخارج والداخل، أسمح لنفسي أن
أقول بصوت عال:
إن شعري كله، ابتداءً من أول فاصلة حتى آخر نقطة فيه، وبصرف النظر عن
المواد الأولية التي تشكله، والبشر الذين يملؤونه من رجال ونساء،
والتجربة التي تضيئه سواء كانت تجربة عاطفية أو سياسية.. هو شعر وطني.
إنني مقتنع بوطنيتي هذه، وحسبي في تاريخ الشعر شاعران عظيمان أعطيا
الحبَّ والثورة شعرهما وحياتهما، وهما بايرون ولوركا
أعلى

كَتَبْتُ (أُحبُّكِ) فوقَ جدار القَمَرْ
أُحبُّكِ جدّا
كما لا أَحَبَّكِ يوماً بَشَرْ
ألمْ تقرأيها ؟ بخطِّ يدي
فوق سُورِ القَمَرْ
و فوق كراسي الحديقةِ..
فوقَ جذوع الشَجَرْ
وفوق السنابل
فوق الجداولِ
فوقَ الثَمَرْ..
و فوق الكواكب تمسحُ عنها
غُبارَ السَفَرْ..
حَفَرتُ (أُحبُّكِ)
فوق عقيق السَحَرْ
حَفَرتُ حدودَ السماء
حَفَرتُ القَدَرْ..
ألم تُبْصِريها ؟
على وَرَقات الزهَرْ
على الجسر
و النهر
و المنحدرْ
على صَدَفاتِ البحار
على قَطَراتِ المطرْ
ألمْ تَلْمَحيها ؟
على كُلِّ غصنٍ
و كُلِّ حصاةٍ
و كلِّ حجرْ
كَتبتُ على دفتر الشمس
أحلى خبرْ..
أُحبُّكِ جداً
فَلَيْتَكِ كُنْتِ قَرَأتِ الخبرْ
أعلى

وَدَّعتُكِ الأمس، وعدتُ وحدي
مفكِّراً بنَوْحكِ الأخيرِ
كتبتُ عن عينيكِ ألفَ شيءٍ
كتبتُ بالضوءِ وبالعبيرِ
كتبتُ أشياءَ بدون معنى
جميعُها مكتوبة ٌ بنورِ
مَنْ أنت .. مَنْ رماكِ في طريقي ؟
مَنْ حرَّكَ المياهَ في جذوري ؟
و كانَ قلبي قبل أن تلوحي
مقبرةً ميِّتَةَ الزُهورِ
مُشْكلتي.. أنّي لستُ أدري
حدّاً لأفكاري ولا شعوري
أضَعْتُ تاريخي، وأنتِ مثلي
بغير تاريخٍ ولا مصيرِ
محبَّتي نار فلا تُجَنِّي
لا تفتحي نوافذ َ السعيرِ
أريدُ أن أقيكِ من ضلالي
من عالمي المسمَّم ِ العطورِ
هذا أنا بكلِّ سيئاتي
بكلِّ ما في الأرضِ من غرورِ
كشفتُ أوراقي فلا تُراعي
لن تجدي أطهرَ من شروري
للحسن ثوراتٌ فلا تهابي
و جرِّبي أختاهُ أن تثوري
و لتْشقي مهما يكنْ بحُبِّي
فإنَّه أكبر ُ من كبيرِ
أعلى

سيّدتي ! عندي في الدفترْ
ترقصُ آلافُ الكلمات
واحدةٌ في ثوبٍ أصفَرْ
واحدةٌ في ثوبٍ أحمَرْ
يحرقُ أطرافَ الصفحاتِ
أنا لستُ وحيداً في الدنيا
عائلتي .. حُزْمةُ أبيات
أنا شاعرُ حُبٍّ جَوَّالٌ
تعرفُهُ كلُّ الشُرُفاتِ
تعرفهُ كلُّ الحُلْوَاتِ
عندي للحبِّ تعابيرٌ
ما مرَّتْ في بال دواة
الشمسُ فتحتُ نوافذَها
و تركتُ هنالكَ مرساتي
و قطعتُ بحاراً .. وبحاراً
أنبشُ أعماقَ الموجاتِ
أبحثُ في جوف الصَدَفاتِ
عن حرفٍ كالقمر الأخضرْ
أهديهِ لعينيْ مولاتي
سيِّدتي ! في هذا الدفترْ
تجدينَ ألوفَ الكلمات
الأبيضَ منها و.. والأحمَرْ
الأزرقَ منها و.. والأصفَرْ
لكنَّكِ .. يا قمري الأخضَرْ
أحلى من كلِّ الكلماتِ
أكبرُ من كُلِّ الكلماتِ ..
أعلى

أيتها الرفيعة التهذيب والرجعية الآراء
يا امرأة تصر أن تكون بين الأرض والسماء
لربما كان من الغباء
أن نفتح الدفاتر القديمة
ونرجع الساعة للوراء
وربما كان من الغفلة والغرور
أن يدعي الإنسان أن الأرض لا تدور
والحب لا يدور
والغرف الزرقاء بالعشق لا تدور
وربما كان من الغباء
أن نتحدى دورة الفصول
ومنطق الأشياء
ونخرج الأزهار الحمراء من عباءة الشتاء
وربما كان من الغباء
أيتها الرفيعة التهذيب، والرجعية الآراء
بعد ثلاثين سنة
أن نبدأ الحديث من أوله
فالطائر الذكي لا يكرر الغناء
أعلى

لم أتأكد بعد يا سيدتي من أنت
هل أنت أنثاي التي انتظرتها ؟
أم دمية قتلت فيها الوقت
لم أتأكد بعد يا سيدتي
فأنت في فكري إذا فكرت
وأنت في دفاتري الزرقاء
إن كتبت
وأنت في حقيبتي
إذا أنا سافرت
وأنت في تأشيرة الدخول
في ابتسامة المضيفة الخضراء
في الغيم الذي يلتف كالذراع
حول الطائرة
وأنت في المطاعم التي تقدم النبيذ
والجبن بباريس وفي أقبية المترو التي
يفوح منها الحب والغولواز
في أشعار فِرْلينَ التي تباع
عند الضفة اليسرى من السيْنِ
وفي أشعار بودليرَ التي تدخُلُ
مثل خنجر مفضفض . . في الخاصرة
وأنت في لندن تلبسيني
ككنزة صوفية عليك إن بردت
وأنت في مدريد
في استوكهولم
في هونكونغ
عند سد الصين
ألقاكي أمامي حيثما التفت
في مطعم الفندق في مشربه
أراك في كأسي إذا شربت
أراك في حزني إذا حزنت
أريد أن أعرف يا سيدتي
هل هذه علامة بأنني أحببت؟
أعلى

لنفترق قليلا..
لخيرِ هذا الحُبِّ يا حبيبي
وخيرنا..
لنفترق قليلا
لأنني أريدُ أن تزيدَ في محبتي
أريدُ أن تكرهني قليلا
بحقِّ ما لدينا..
من ذِكَرٍ غاليةٍ كانت على كِلَينا..
بحقِّ حُبٍّ رائعٍ..
ما زالَ منقوشاً على فمينا
ما زالَ محفوراً على يدينا..
بحقِّ ما كتبتَهُ.. إليَّ من رسائلِ..
ووجهُكَ المزروعُ مثلَ وردةٍ في داخلي..
وحبكَ الباقي على شَعري على أناملي
بحقِّ ذكرياتنا
وحزننا الجميلِ وابتسامنا
وحبنا الذي غدا أكبرَ من كلامنا
أكبرَ من شفاهنا..
بحقِّ أحلى قصةِ للحبِّ في حياتنا
أسألكَ الرحيلا
لنفترق أحبابا..
فالطيرُ في كلِّ موسمٍ..
تفارقُ الهضابا..
والشمسُ يا حبيبي..
تكونُ أحلى عندما تحاولُ الغيابا
كُن في حياتي الشكَّ والعذابا
كُن مرَّةً أسطورةً..
كُن مرةً سرابا..
وكُن سؤالاً في فمي
لا يعرفُ الجوابا
من أجلِ حبٍّ رائعٍ
يسكنُ منّا القلبَ والأهدابا
وكي أكونَ دائماً جميلةً
وكي تكونَ أكثر اقترابا
أسألكَ الذهابا..
لنفترق.. ونحنُ عاشقان..
لنفترق برغمِ كلِّ الحبِّ والحنان
فمن خلالِ الدمعِ يا حبيبي
أريدُ أن تراني
ومن خلالِ النارِ والدُخانِ
أريدُ أن تراني..
لنحترق.. لنبكِ يا حبيبي
فقد نسينا
نعمةَ البكاءِ من زمانِ
لنفترق..
كي لا يصيرَ حبُّنا اعتيادا
وشوقنا رمادا..
وتذبلَ الأزهارُ في الأواني..
كُن مطمئنَّ النفسِ يا صغيري
فلم يزَل حُبُّكَ ملء العينِ والضمير
ولم أزل مأخوذةً بحبكَ الكبير
ولم أزل أحلمُ أن تكونَ لي..
يا فارسي أنتَ ويا أميري
لكنني.. لكنني..
أخافُ من عاطفتي
أخافُ من شعوري
أخافُ أن نسأمَ من أشواقنا
أخاف من وِصالنا..
أخافُ من عناقنا..
فباسمِ حبٍّ رائعٍ
أزهرَ كالربيعِ في أعماقنا..
أضاءَ مثلَ الشمسِ في أحداقنا
وباسم أحلى قصةٍ للحبِّ في زماننا
أسألك الرحيلا..
حتى يظلَّ حبنا جميلا..
حتى يكون عمرُهُ طويلا..
أسألكَ الرحيلا..
أعلى

أخاف أن تمطر الدنيا، ولست معي
فمنذ رحلت .. وعندي عقدة المطر
كان الشتاء يغطيني بمعطفه
فلا أفكر في برد ولا ضجر
وكانت الريح تعوي خلف نافذتي
فتهمسين : تمسك ها هنا شعري
والآن أجلس.. والأمطار تجلدني
على ذراعي .على وجهي.. على ظهري
فمن يدافع عني.. يا مسافرة
مثل اليمامة، بين العين والبصر
وكيف أمحوك من أوراق ذاكرتي
وأنت في القلب مثل النقش في الحجر
أنا أحبك يا من تسكنين دمي
إن كنت في الصين، أو إن كنت في القمر
ففيك شيء من المجهول أدخله
وفيك شيء من التاريخ والقدر
أعلى

كَتَبْتُ (أُحبُّكِ) فوقَ جدار القَمَرْ
(أُحبُّكِ جدّاً)
كما لا أَحَبَّكِ يوماً بَشَرْ
ألمْ تقرئيها ؟ بخطِّ يدي
فوق سُورِ القَمَرْ
و فوق كراسي الحديقةِ..
فوقَ جذوع الشَجَرْ
وفوق السنابلِ، فوق الجداولِ، فوقَ الثَمَرْ..
و فوق الكواكب تمسحُ عنها… غُبارَ السَفَرْ..
حَفَرتُ (أُحبُّكِ) فوق عقيق السَحَرْ
حَفَرتُ حدودَ السماء، حَفَرتُ القَدَرْ..
ألم تُبْصِريها ؟
على وَرَقات الزهَرْ
على الجسر، والنهر، والمنحدرْ
على صَدَفاتِ البحارِ، على قَطَراتِ المطرْ
ألمْ تَلْمَحيها ؟
على كُلِّ غصنٍ، وكُلِّ حصاةٍ، وكلِّ حجرْ
كَتبتُ على دفتر الشمس
أحلى خبرْ..
(أُحبُّكِ جداً)
فَلَيْتَكِ كُنْتِ قَرَأتِ الخبرْ
أعلى

في طبعكِ التمثيل
في طبعكِ التمثيل
ثيابك الغريبة الصارخة الألوان ..
وصوتك المفرط في الحنان ..
وشعرك الضائع في الزمان والمكان
والحلق المغامر الطويل
جميعها .. جميعها ..
من عدة التمثيل ..
سيدتي : إياك أن تستعملي قصائدي
في غرض التجميل .
فإنني أكره كل امرأة
تستعمل الرجال للتجميل
لست أنا .. لست أنا ..
الشخص الذي تـُعلّـقين في الخزانة
ولا طموحي أن أسمى شاعر السلطانة
أو أكون قطة تركية
تنام طول الليل تحت شعرك الطويل
فالـدور مستحيل.
لأنني أرفـض كل امرأة .. تحبني .. في غرض التجميل ..
لا تسحبيني من يدي ..
إلى مشاويرك مثل الحمل الوديع .
لا تحسبيني عاشقا من جملة العشاق في القطيع.
ما عدت أستطيع أن أحتمل الإذلال يا سيدتي، والريح .. والصقيع ..
ما عدت أستطيع ..
نصيحتي إليك ..
أن لا تصبغي الشفاه من دمائي
نصيحتي إليك ..
أن لا تقفزي من فوق كبريائي
نصيحتي إليك ..
أن لا تعرضي رسائلي التي كتبتها إليك كالإماء ..
فإنني آخر من يُـعــرَضَ كالخيول في مجالس النساء ..
نصيحة بريئة إليك .. يا عزيزتي
لا تحسبيني وصلة ً شعرية أكون فيها نجم حفلاتك ..
أو تحسبيني بطلا من ورق يموت في إحدى رواياتك
أو تــُـشعليني شمعة لتضمني نجاح سهراتك..
أو تلبسيني معطفا لتعرفي رأي صديقاتك ..
أو تجعليني عادة يومية من بين عاداتك ..
نصيحة أخيرة إليك .. يا عزيزتي
لا تستغلي الشعر حتى تــُـشبعي إحدى هواياتك
فلن أكون راقصا محترفا..
يسعى إلى إرضاء نزواتك
وها أنا أقدم استقالتي
من كل جناتك..
أعلى

سأجمع كل تاريخي
على دفترْ
سأرضع كل فاصلةٍ
حليب الكلمة الأشقرْ
سأكتب لا يهم لمن ..
سأكتب هذه الأسطرْ
فحسبي أن أبوح هنا
لوجهِ البوح لا أكثرْ
حروفٌ لا مبالية
أبعثرها .. على دفترْ ..
بلا أمل بأن تبقى
بلا أمل بأن تنشرْ
لعل الريح تحملها
فتزرع في تنقلها
هنا حرجا من الزعترْ
هنا كرما
هنا بيـدرْ
هنا شمسا، وصيفا رائعا أخضرْ
حروف سوف أفرطها كقلب الخوخة الأحمرْ
لكل سجينة .. تحيا
معي في سجني الأكبرْ
حروف سوف أغرزها بلحم حياتنا ..خنجرْ
لتكسر في تمردها
جليدا كان لا يُكسرْ ..
لتخلع قفل تابوت
أُعد لنا لكي نُقبرْ ..
كتابات أقدمها لأية مهجة تشعرْ
سيسعدني .. إذا بقيت
غدا مجهولة المصدرْ
أعلى

أتحدّى..
من إلى عينيكِ، يا سيّدتي، قد سبقوني
يحملونَ الشمسَ في راحاتهمْ
وعقودَ الياسمينِ..
أتحدّى كلَّ من عاشترتِهمْ
من مجانينَ، ومفقودينَ في بحرِ الحنينِ
أن يحبّوكِ بأسلوبي، وطيشي، وجنوني..
أتحدّى..
كتبَ العشقِ ومخطوطاتهِ
منذُ آلافِ القرونِ..
أن ترَيْ فيها كتاباً واحداً
فيهِ، يا سيّدتي، ما ذكروني
أتحدّاكِ أنا.. أنْ تجدي
وطناً مثلَ فمي..
وسريراً دافئاً.. مثلَ عيوني
أتحدّاهُم جميعاً..
أن يخطّوا لكِ مكتوبَ هوىً
كمكاتيبِ غرامي..
أو يجيؤوكِ –على كثرتهم-
بحروفٍ كحروفي، وكلامٍ ككلامي..
أتحداكِ أنا أن تذكُري
رجلاً من بينِ من أحببتهم
أفرغَ الصيفَ بعينيكِ.. وفيروزَ البحورْ
أتحدّى..
مفرداتِ الحبِّ في شتّى العصورْ
والكتاباتِ على جدرانِ صيدونَ وصورْ
فاقرأي أقدمَ أوراقَ الهوى..
تجديني دائماً بينَ السطورْ
إنني أسكنُ في الحبّ..
فما من قبلةٍ..
أُخذتْ.. أو أُعطيتْ
ليسَ لي فيها حلولٌ أو حضورْ..
أتحدّى أشجعَ الفرسانِ.. يا سيّدتي
وبواريدَ القبيلهْ..
أتحدّى من أحبُّوكِ ومن أحببتِهمْ
منذُ ميلادكِ.. حتّى صرتِ كالنخلِ العراقيِّ.. طويلهْ
أتحدّاهم جميعاً..
أن يكونوا قطرةً صُغرى ببحري..
أو يكونوا أطفأوا أعمارَهمْ
مثلما أطفأتُ في عينيكِ عُمري..
أتحدّاكِ أنا.. أن تجدي
عاشقاً مثلي..
وعصراً ذهبياً.. مثلَ عصري
فارحلي، حيثُ تريدينَ.. ارحلي..
واضحكي،
وابكي،
وجوعي،
فأنا أعرفُ أنْ لنْ تجدي
موطناً فيهِ تنامينَ كصدري..
أعلى

جَلَسَت والخوفُ بعينيها
تتأمَّلُ فنجاني المقلوب
قالت:
يا ولدي.. لا تَحزَن
فالحُبُّ عَليكَ هوَ المكتوب
يا ولدي،
قد ماتَ شهيداً
من ماتَ على دينِ المحبوب
فنجانك دنيا مرعبةٌ
وحياتُكَ أسفارٌ وحروب..
ستُحِبُّ كثيراً يا ولدي..
وتموتُ كثيراً يا ولدي
وستعشقُ كُلَّ نساءِ الأرض..
وتَرجِعُ كالملكِ المغلوب
بحياتك يا ولدي امرأةٌ
عيناها، سبحانَ المعبود
فمُها مرسومٌ كالعنقود
ضحكتُها موسيقى وورود
لكنَّ سماءكَ ممطرةٌ..
وطريقكَ مسدودٌ.. مسدود
فحبيبةُ قلبكَ.. يا ولدي
نائمةٌ في قصرٍ مرصود
والقصرُ كبيرٌ يا ولدي
وكلابٌ تحرسُهُ.. وجنود
وأميرةُ قلبكَ نائمةٌ..
من يدخُلُ حُجرتها مفقود..
من يطلبُ يَدَها..
من يَدنو من سورِ حديقتها.. مفقود
من حاولَ فكَّ ضفائرها..
يا ولدي..
مفقودٌ.. مفقود
بصَّرتُ.. ونجَّمت كثيراً
لكنّي.. لم أقرأ أبداً
فنجاناً يشبهُ فنجانك
لم أعرف أبداً يا ولدي..
أحزاناً تشبهُ أحزانك
مقدُورُكَ.. أن تمشي أبداً
في الحُبِّ .. على حدِّ الخنجر
وتَظلَّ وحيداً كالأصداف
وتظلَّ حزيناً كالصفصاف
مقدوركَ أن تمضي أبداً..
في بحرِ الحُبِّ بغيرِ قُلوع
وتُحبُّ ملايينَ المَرَّاتِ..
وترجعُ كالملكِ المخلوع..
أعلى

إني خيرتُكِ فاختاري
ما بينَ الموتِ على صدري..
أو فوقَ دفاترِ أشعاري..
إختاري الحبَّ.. أو اللاحبَّ
فجُبنٌ ألا تختاري..
لا توجدُ منطقةٌ وسطى
ما بينَ الجنّةِ والنارِ..
إرمي أوراقكِ كاملةً..
وسأرضى عن أيِّ قرارِ..
قولي. إنفعلي. إنفجري
لا تقفي مثلَ المسمارِ..
لا يمكنُ أن أبقى أبداً
كالقشّةِ تحتَ الأمطارِ
إختاري قدراً بين اثنينِ
وما أعنفَها أقداري..
مُرهقةٌ أنتِ.. وخائفةٌ
وطويلٌ جداً.. مشواري
غوصي في البحرِ.. أو ابتعدي
لا بحرٌ من غيرِ دوارِ..
الحبُّ مواجهةٌ كبرى
إبحارٌ ضدَّ التيارِ
صَلبٌ.. وعذابٌ.. ودموعٌ
ورحيلٌ بينَ الأقمارِ..
يقتُلني جبنُكِ يا امرأةً
تتسلى من خلفِ ستارِ..
إني لا أؤمنُ في حبٍّ..
لا يحملُ نزقَ الثوارِ..
لا يكسرُ كلَّ الأسوارِ
لا يضربُ مثلَ الإعصارِ..
آهٍ.. لو حبُّكِ يبلعُني
يقلعُني.. مثلَ الإعصارِ..
إنّي خيرتك.. فاختاري
ما بينَ الموتِ على صدري
أو فوقَ دفاترِ أشعاري
لا توجدُ منطقةٌ وسطى
ما بينَ الجنّةِ والنّارِ..
أعلى

لا تسـألوني.. ما اسمهُ حبيبي
أخشى عليكمْ.. ضوعةَ الطيوبِ
زقُّ العـبيرِ.. إنْ حـطّمتموهُ
غـرقتُمُ بعاطـرٍ سـكيبِ
والله.. لو بُحـتُ بأيِّ حرفٍ
تكدَّسَ الليـلكُ في الدروبِ
لا تبحثوا عنهُ هُـنا بصدري
تركتُهُ يجـري مع الغـروبِ
ترونَهُ في ضـحكةِ السواقي
في رفَّةِ الفـراشةِ اللعوبِ
في البحرِ، في تنفّسِ المراعي
وفي غـناءِ كلِّ عندليـبِ
في أدمعِ الشتاءِ حينَ يبكي
وفي عطاءِ الديمةِ السكوبِ
لا تسألوا عن ثغرهِ.. فهلا
رأيتـمُ أناقةَ المغيـبِ
ومُـقلتاهُ شاطـئا نـقاءٍ
وخصرهُ تهزهزُ القـضيبِ
محاسنٌ.. لا ضمّها كتابٌ
ولا ادّعتها ريشةُ الأديبِ
وصدرهُ.. ونحرهُ.. كفاكمْ
فلن أبـوحَ باسمهِ حبيبي
أعلى

زيديني عِشقاً.. زيديني
يا أحلى نوباتِ جُنوني
يا سِفرَ الخَنجَرِ في أنسجتي
يا غَلغَلةَ السِّكِّينِ..
زيديني غرقاً يا سيِّدتي
إن البحرَ يناديني
زيديني موتاً..
علَّ الموت، إذا يقتلني، يحييني..
حُبُّكِ خارطتي.. ما عادت
خارطةُ العالمِ تعنيني..
أنا أقدمُ عاصمةٍ للحبّ
وجُرحي نقشٌ فرعوني
وجعي.. يمتدُّ كبقعةِ زيتٍ
من بيروتَ.. إلى الصِّينِ
وجعي قافلةٌ.. أرسلها
خلفاءُ الشامِ.. إلى الصينِ
في القرنِ السَّابعِ للميلاد
وضاعت في فم تَنّين
عصفورةَ قلبي، نيساني
يا رَمل البحرِ، ويا غاباتِ الزيتونِ
يا طعمَ الثلج، وطعمَ النار..
ونكهةَ شكي، ويقيني
أشعُرُ بالخوف من المجهولِ.. فآويني
أشعرُ بالخوفِ من الظلماء.. فضُميني
أشعرُ بالبردِ.. فغطيني
إحكي لي قصصاً للأطفال
وظلّي قربي..
غنِّيني..
فأنا من بدءِ التكوينِ
أبحثُ عن وطنٍ لجبيني..
عن حُبِّ امرأة..
يكتُبني فوقَ الجدرانِ.. ويمحوني
عن حبِّ امرأةٍ.. يأخذني
لحدودِ الشمسِ..
نوَّارةَ عُمري، مَروحتي
قنديلي، بوحَ بساتيني
مُدّي لي جسراً من رائحةِ الليمونِ..
وضعيني مشطاً عاجياً
في عُتمةِ شعركِ.. وانسيني
أنا نُقطةُ ماءٍ حائرةٌ
بقيت في دفترِ تشرينِ
زيديني عشقاً زيديني
يا أحلى نوباتِ جنوني
من أجلكِ أعتقتُ نسائي
وتركتُ التاريخَ ورائي
وشطبتُ شهادةَ ميلادي
وقطعتُ جميعَ شراييني..
أعلى

قولي "أحُبكَ" كي تزيدَ وسامتي
فبغيرِ حبّكِ لا أكـونُ جميـلا
قولي "أحبكَ" كي تصيرَ أصابعي
ذهباً... وتصبحَ جبهتي قنـديلا
قـولي "أحبكَ" كي يتمَّ تحـولي
فأصيرُ قمحاً... أو أصيرُ نخيـلا
الآنَ قوليهـا... ولا تتـردّدي
بعضُ الهوى لا يقبلُ التأجيـلا
قولي "أحبكَ" كي تزيدَ قداستي
ويصيـرَ شعري في الهوى إنجيلا
سأغيّرُ التقويمَ لـو أحببتـني
أمحو فصولاً أو أضيفُ فصولا
وسينتهي العصرُ القديمُ على يدي
وأقيـمُ مملكـةَ النسـاءِ بديـلا
قولي "أحبكَ" كي تصيرَ قصائدي
مـائيـةً... وكتابتي تنـزيـلا
مـلكٌ أنا.. لو تصبحينَ حبيبتي
أغزو الشموسَ مراكباً وخيولا
لا تخجلي مني . . فهذي فرصتي
لأكون بين العاشقين رسولا
أعلى

ألا تجلسين قليلا
ألا تجلسين ؟
فإن القضية أكبر منك . . وأكبر مني
كما تعلمين
وما كان بيني وبينك
لم يك نقشا على وجه ماء
ولكنه كان شيئا كبيرا كبيرا
كهذي السماء
فكيف بلحظة ضعف
نريد اغتيال السماء؟
ألا تجلسين لخمس دقائق أخرى ؟
ففي القلب شيء كثير
وحزن كثير
وليس من السهل قتل العواطف في لحظات
وإلقاء حبك في سلة المهملات
فإن تراثنا من الحب .. والشعر . . والحزن
والخبز . . والملح . . والتبغ . . والذكريات
يحاصرنا من جميع الجهات
فليتك تفكرين قليلا بما تفعلين
فإن القضية
أكبر منك . . وأكبر مني
كما تعلمين
أنا لا أحاول رد القضاء
ولكنني أشعر الآن أن التشنج ليس علاجا
لما نحن فيه
وأن الحماقة ليست طريق اليقين
وأن الشؤون الصغيرة بيني وبينك
ليست تموت بتلك السهولة
وأن المشاعر لا تتبدل مثل الثياب الجميلة
أنا لا أحوال تغيير رأيك
إن القرار قرارك طبعا
ولكنني أشعر الآن أن جذورك تمتد في القلب
ذات الشمال، وذا ت اليمين
فكيف نفك حصار العصافير، والبحر
والصيف .. والياسمين
وكيف نقص بثانيتين؟
شريطا غزلناه في عشرات السنين
سأسكب كأسا لنفسي
وأنت ؟
تذكرت أنك لا تشربين
أنا لست ضد رحيلك . . لكن
أكر أن السماء ملبدة بالغيوم
وأخشى عليك سقوط المطر
فماذا يضيرك لو تجلسين ؟
لحين انقطاع المطر
وماذا يضيرك ؟
لو تضعين قليلا من الكحل فوق جفونك
أنت بكيت كثيرا
ومازال وجهك رغم اختلاط دموعك بالكحل
مثل القمر
أنا لست ضد رحيلك
لكن
لدي اقتراح بأن نقرأ الآن شيئا من الشعر
علَّ قليلا من الشعر يكسر هذا الضجر
تقولين إنك لا تعجبين بشعري ..
سأقبل هذا التحدي الجديد
بكل برود . . وكل صفاء
وأذكر
كم كنت تحتفلين بشعري
وتحتضين حروفي صباح مساء
وأضحك
من نزوات النساء
فليتك سيدتي تجلسين
فإن القضية أكبر منك . .وأكبر مني
كما تعلمين
أما زلت غضبى ؟
إذا سامحيني
فأنت حبيبة قلبي على أي حال
سأفرض أني تصرفت مثل جميع الرجال
ببعض الخشونه
وبعض الغرور
فهل ذاك يكفي لقطع جميع الجسور ؟
وإحراق كل الشجر
أنا لا أحوال رد القضاء ورد القدر
ولكني أشعر الآن
أن علاقتك من عصب القلب صعب
وإعدام حبك صعب
وعشقك صعب
وكرهك صعب
وقتلك حلم بعيد المنال
فلا تعلني الحرب
إن الجميلات لا يحترفن القتال
ولا تطلقي النار ذات اليمين، وذات الشمال
ففي آخر الأمر
لن تستطيعي اغتيال جميع الرجال
أعلى

أقول أمام الناس لست حبيبتي
وأعرف في الأعماق كم كنت كاذبا
وأزعم أن لا شيء يجمع بيننا
لأبعد عن نفسي وعنك المتاعبا
وأن في إشاعات الهوى . . وهي حلوة
وأجعل تاريخي الجميل خرائبا
وأعلن في شكل غبي براءتي
وأذبح شهواتي . . وأصبح راهبا
وأقتل عطري . . عامدا متعمدا
وأخرج من جنات عينيك هاربا
أقوم بدور مضحك يا حبيبتي
وأرجع من تمثيل دوري خائبا
فلا الليل يخفي لو أراد نجومه
ولا البحر يخفي لو أراد المراكبا
أعلى

ليسَ صحيحاً أن جسَدَكِ..
لا علاقة له بالشعر..
أو بالنثر، أو بالمسرح، أو بالفنون التشكيلية..
أو بالتأليف السمفوني..
فالذين يطلقون هذه الإشاعة، هم ذكور القبيلة..
الذين احتكروا كتابة التاريخ..
و كتابة أسمائهم في لوائح المبشرين بدخول الجنة..
و مارسوا الإقطاع الزراعي، والسياسي، والاقتصادي،
و الثقافي والنسائي..
و حددوا مساحة غرف نومهم..
و مقاييس فراشهم..
و توقيت شهواتهم..
و علقوا فوق رؤوسهم
آخر صورة زيتية للمأسوف على فحولته..
أبي زيد الهلالي!!..
ليس صحيحاً..
أن جسد المرأة لا يؤسس شيئاً.
و لا ينتج شيئاً..ولا يبدع شيئاً..
فالوردة هي أنثى ..و السنبلة هي أنثى..
و الفراشة والأغنية والنحلة.
و القصيدة هي أنثى.
أما الرجل فهو الذي اخترع الحروب والأسلحة.
و اخترع مهنة الخيانة..
و زواج المتعة..
و حزام العفة..
و هو الذي اخترع ورقة الطلاق..
ليس صحيحاً أن جسدك ساذج.. ونصف أمي..
و لا يعرف شمال الرجولة.. من جنوبها..
و لا يفرق بين رائحة الرجل في شهر تموز..
و رائحة البهارات الهندية..
ليس صحيحاً أن جسدك قليل التجربة..
و قليل الثقافة..
و أن العصافير تأكل عشاءك..
فجسدك ذكي جداً..
و متطلب جداً..
و مبرمج لقراءة المجهول..
و مواجهة القرن الواحد والعشرين!!.
ليس صحيحاً..
أن جسدك لم يكمل دراسته العالية..
و أنه لا يعرف شيئاً من فقه الحب..
و أبجدية الصبابة..
و لا عن العيون وأخواتها..
و الشفاه..و أخواتها..
و القبلة .. وأخواتها..
لجسد المرأة قرون استشعارية..
تسمح لها أن تلتقط كلمات الحب
بكل لغات العالم..
و تحفظها على شريط تسجيل..
ليس هناك امرأة لا تحفظ عن ظهر قلب ..
أسماء الرجال الذين أحبوها ..
و عدد رسائل الحب التي استلمتها..
و ألوان الأزهار التي أهديت لها..
ليس هناك امرأة ليس بداخلها بوصلة..
تدلها على مرافئ الحب..
و على الشواطئ التي تتكاثر فيها الأسماك.
و تتزوج فيها العصافير..
و على الطرق الموصلة إلى جنوب إسبانيا
حيث يتصارع الرجال والثيران..
للموت تحت أقدام امرأة جميلة..
جسد المرأة ناي
لم يتوقف عن العزف منذ ملايين السنين.
ناي لا يعرف النوطة الموسيقية..
و لا يقرأ مفاتيحها..
ناي لا يحتاج إلى من يدوزنه..
لأنه يدوزن نفسه..
جسد المرأة يعمل بوقوده الذاتي
و يفرز الحب..
كما تفرز الشرنقة حريرها..
والثدي حليبه..
والبحر زرقته..
والغيمة مطرها..
و الأهداب سوادها..
جسد هذه المرأة ..مروحة..
و جسد تلك ..صيف إفريقي..
الحب في جسدك..
قديم وأزلي..
كما الملح جزء من جسد البحر..
ليس صحيحاً..
أن جسد المرأة يتلعثم عندما يرى رجلا.
انه يلتزم الصمت..
ليكون أكثر فصاحة!!..
ليس هناك جسد أنثوي لا يتكلم بطلاقة..
بل هناك رجل
يجهل أصول الكلام..
لا بد في الجنس من الخروج على النص..
وإلا تحولت أجساد النساء
إلى جرائد شعبية..
عناوينها متشابهة.
صفحاتها مكررة!!.
أعلى

الشعر يأتي دائما
مع المطر
و وجهك الجميل يأتي دائماً
مع المطر
و الحب لا يبدأ إلا عندما
تبدأ موسيقى المطر..
إذا أتى أيلول يا حبيبتي
أسأل عن عينيك كل غيمة
كأن حبي لك
مربوط بتوقيت المطر…
مشاهد الخريف تستفزني.
شحوبك الجميل يستفزني.
و الشفة المشقوقة الزرقاء.. تستفزني.
و الحلق الفضي في الأذنين ..يستفزني.
و كنزة الكشمير..
و المظلة الصفراء والخضراء..تستفزني.
جريدة الصباح..
مثل امرأة كثيرة الكلام تستفزني.
رائحة القهوة فوق الورق اليابس..
تستفزني..
فما الذي أفعله ؟
بين اشتعال البرق في أصابعي..
و بين أقوال المسيح المنتظر؟
ينتابني في أول الخريف
إحساس غريب بالأمان والخطر..
أخاف أن تقتربي..
أخاف أن تبتعدي..
أخشى على حضارة الرخام من أظافري..
أخشى على منمنمات الصدف الشامي من مشاعري..
أخاف أن يجرفني موج القضاء والقدر..
هل شهر أيلول الذي يكتبني؟
أم أن من يكتبني هو المطر؟؟
أنت جنون شتوي نادر..
يا ليتني أعرف يا سيدتي
علاقة الجنون بالمطر!!
سيدتي
التي تمر كالدهشة في أرض البشر..
حاملة في يدها قصيدة..
وفي اليد الأخرى قمر..
يا امرأة أحبها..
تفجر الشعر إذا داست على أي حجر..
يا امرأة تحمل في شحوبها
جميع أحزان الشجر..
ما أجمل المنفى إذا كنا معاً..
يا امرأة توجز تاريخي..
و تاريخ المطر!!.
أعلى

فاطمة
يمطر علي كحلك الحجازي
وأنا في وسط ساحة (الكونكورد)
فأرتـَبك ..
وترتبك معي باريس
تسقط حكومة .. وتأتي حكومة
وتطير الجرائد الفرنسية من أكشاكها
وتطير الشراشف من فوق طاولات المقاهي ..
وتطلب العصافير اللجوء السياسي
إلى عينيك العربـيـتـيـن ..
أيتها العربية الداخلة كالخنجر في صباحات باريس
يا من ترشفين القهوة بالحليب
وترتشفين معها كرياتي الحمراء والبيضاء
ما كان في حسابي أن ألاقيك في محطة الحزن
وأن تلتطقـتـيني بأهداب حنانك
وأنا في ذروة البرد، والخوف، والانكسار
لكن باريس قادرة على كل شيء
ونبيذ بوردو الأحمر، هو الذي سيلغي الفروق
بين صقيع أوروبا ..
وشموس العالم الثالث
بين حيائك الجميل ..
وبين جنوني ..
أيتها العربية التي تتكسر على أرصفة (المونمارتر) فـتافـيت ياقـوتٍ ..
وغابة سيوف ..
يامن يتصالح في عينيها الضوء .. والعتمة .. والماء .. والحرائق
ما كان في حسابي ..
وأنا أتمشى بين ( الفاندوم) .. و(المادين) ..
أن أدخل في جدلية اللون الأسود
وإشكالية العيون الواسعة
كخواتم الفضة ..
ما كان في حسابي ..
أن أدخل في تفاصيل التاريخ العربي
فلقد تخانقت مع تاريخي ..
وجئت إلى باريس ..لألغي ذاكرتي
ولكن .. ما أن نزلت من الطائرة ..
حتى نزلـتْ أثوابك .. ومعاطفك ..
وأدوات زينتك معي ..
لتسد مداخل الطرقات
من مطار (شارل دوغول )
إلى كنيسة ( نوتردام ) ..
يا فاطمة ساحة ( الكونكورد) ..
يا فاطمة الفاطمات
أيها السيف
المرصع بأجمل الآيات
أيها الخصر
الذي يقول القصائد والأغنيات
أيتها اللغة
التي ألغت جميع اللغات ..
أرحب بك في باريس ..
وأرجو لك إقامة سعيدة
فوق أعشاب صدري ..
يا ذات الشفتين الممتلئـتـيـن كحبتي فاكهة ..
كم هو استفزازيّ نوع العطر الذي تضعينه
وكم هو رائع إفـطار الصباح معك .. وأنت تـنـقريـن قطعة ( الكروا سَان )
كعصفور وتنقرين فمي كعصفور
أيتها السنجابة الآسيوية
التي تـنط من أعلى ( برج إيفل ) إلى صدري ..
ولا تخشى الــدُوار..
وتستحم بنوافـير( قصر فرساي )
ولا تخشى الغرق ..
وتـنام عارية على أعشاب حديقة (التويلري ) ..
ولا تخشى الفضيحة ..
أيتها العربية التي يُـنـقــّـُط العسل من عينيها
نقطة .. نقطه ..
وينقط الشعر من شفتها السفلى
قصيدة .. قصيدة ..
ويرن حلقها الطويل صباح يوم الأحد كناقوس كنيسة ..
ما كان في حسابي ..
أن أمر معك ذات يوم تحت قوس النصر لنضع وردة على قبر العاشق المجهول ..
ولا كان في حسابي ..
أن أرى صورتك في متحف اللوفر
مع أعمال رينوار ..
وماتيس ..
وسيزان ..
وأن أرى أعمالي الشعرية
تباع في مكتبات الضفة اليسرى
مع أعمال رامبو ..
وفيرلين ..
وجاك بريفير ..
صباح الخير ..
أيتها العصفورة القادمة من المياه الدافئة لتغتسل
بأمطار باريس
وأمطار حنيني ..
صباح الخير ..
أيتها السمكة التي تـتكلم اللغة العربية
وتـتهجى كلمات الحب باللغة الفرنسية..
وتـتهجاني بكل لغات الأنوثة ..
كلما سافرتُ إلى باريس دون حجز ..
تصيرين فندقي ..
صباح الخير ..
يا بستان الزعفران
صباح الخير ..
يا سجادة الكاشان
صباح الخير
على أصابعك النائمة بين أصابعي ..
وعلى معطف المطر الذي كنت تلبسينه معي ..
وعلى جرائد الصباح التي كنت تـتصفحينها معي ..
صباح الخير ..
على الكافيتريات التي ثرثرنا فيها ..
وعلى البوتيكات التي رافقتـُـك إليها ..
وعلى المرايا التي دخلناها معا ..
ثم سافرتِ ..
وتركتني حتى الآن .. مرسوما عليها ..
يا فاطمة :
يا ذات الشفتين المعطرتين بحَـبّ الهال
والقدمين المرسومتين بالأكواريل
لم يكن في حسابي ..
أن أدخل إلى باريس بجواز سفر عربيّ وأخرج منها ..
رئيسا لـلجمهورية الخامسة !!..
أعلى

شهر ديسمبر رائع ..
شهر ديسمبر في لندن، هذا العام، رائع
فـيهِ هاجمني الحب ..
وألقاني جريحا كمصابيح الشوارع ..
هذه فاطمة تلبس بنطالا من الجلد نبيذيا ..
وتوصيني بأن أمسكها من يدها كي لا أضيع وهي تدري جيدا ..
أنني من يوم ميلادي، ببحر الحب ضائع
فلماذا في ( هارودز) نسيتـني
ولماذا غـضِـبـت مني .. لماذا أغضبتـني ؟
وهي تدري أني من دونها ..
لا أقطع الشارع وحدي ..
لا ولا أشرب فنجاناً من القهوة وحدي ..
لا ولا أعرف أن أرجع للفندق وحدي ..
فلماذا في ( هارودز ٍ) صلبتني ؟
فوق أكداس هداياها .. لماذا .. لماذا صلبتـني؟
وهي تدري أنني أعبدها
من رأسها حتى الأصابع ..
شهر ديسمبر رائع .
شهر ديسمبر، يبقى مَـلِـكا بين الشهور
فهو أعطاني مفاتيح السماوات ..
وأعطاني مفاتيح العصور ..
ورماني كوكباً مشتعلا
حول نهديك يدور ..
سقطت في لندن، كل التواريخ،
وغابت تحت جفنيك جبال وبحور ..
شهر ديسمبر، ألغاك .. وألغاني
فنحن الآن ضوء غير مرئي ..
وعطر .. وبَـخُـور ..
شهر ديسمبر .. مجنون تعلمتِ به .. أن تثوري ..
وتعلمت به كيف أثور ..
شهر ديسمبر ..
ألغى عقدة الحب التي نحملها
فإذا بي مثل عصفور طليق ..
وإذا بك، يا فاطمة، دون جذور .
لندن .. باردة جدا ..
فيا فاطمة ..
افتحي فوقي مظلات الحنان
لندن قاسية جداً ..
وإني خائف جداً ..
فـرُدي لي شعوري بالأمان
خبئيني تحت قـفطانك، يا فاطمة مثل طفل ..
فـلـقـد ضيعت أبعادي، وأبعاد المكان
حاولي أن تصبحي أمي .. كما أنت الحبـيـبـة
من زمان .. لم أضع رأسي على صدر حنون ..
من زمان ..
لندن حبي .. وفي باراتها غنيت أحلى أغنياتي
لندن مجدي ..
فـفيها قـد تغرغرت بأولى كلماتي ..
لندن حزني ..
على كل رصيف دمعة من دمعاتي
لندن عاصمة القلب ..
وفيها قـد تلاقيت بستِّ الملكات ..
لندن، تعرف وجهي جيدا ..
فأنا جزء من اللون الرمادي ..
ومن أعمدة النور ..
وأضواء الميادين ..
وصوت القبرات ..
منذ أن جئت إليها عاشقا
أصبحت لندن إحدى المعجزات ..
لندن .. تأخذني كالطفل في أحضانها ..
وطوال الليل، تتلو من كتاب الذكريات ..
لندن صاحبة الفضل .. فـقـد علمـتـني العشق..
في كل اللغات ..
هذه فاطمة ..
تقتحم التاريخ من كل الجهات ..
إنها تدخل كالإبرة ..
في كل تفاصيل حياتي
آه .. كم تعجبني فاطمة ..
عندما تجلس كالقطة بين المفردات ..
تأكل الفتحة .. والضمة .. في شعري ..
وتـَـبـْـتـَـلُّ بأمطار دواتي
مبحر في زمن الـكحل ..
ولا أدري لأين ؟
مبحر فيك ..
ولا أدري لأين ؟
يا صباح الخير .. يا عصفورتي
أنا في أحسن حالاتي ..
فما أطيب القهوة في قربك ..
ما أرشق هاتين اليدين ..
ثم ما أروع أن يكتشف الإنسان في ذات صباح لندني ..
في مكان ما .. على ظهر الحبيبة .. شامتين ..
لم تكونا، عندما جئت مساء البارحة .. مولودتين ..
فاتركيني .. أضفر الشَـعر الذي طال في لندن،
من فرط حناني، بوصتين ..
واتركيني ..
أمسك الشمس التي تغطس بين الشفتين ..
اتركيني، أوقف التاريخ يا فاطمة
لحظة .. أو لحظتين ..
أخذوا كل عناويني .. ولم يبق أمامي غير هذا الشارع الضيق بين الناهـدين
..
لندن تمطرني ثـلجاً ..
وأبقى باشتهائي بدويا ..
لندن تمنحني كل الثـقافات ..
وابقى بجنوني عربيا ..
لندن تمطرني عقلاً ..
وابقى فوضويا ..
لندن تجهل حتى الآن ..
من أنت لديا
آهِ .. يا سنجابة الليل التي تدخل في الأعماق رمحاً وثـنيا ..
إن تاريخك قبل أن يرسلك الله إليا كان عصرا حجريا ..
فاشربي شيئا من الخمر معي ..
اشربي شيئا من الحلم معي ..
اشربي شيئا من الوهم معي ..
اشربي شيئا من الفوضى معي ..
اشربي حتى تصيري امرأة ً..
واتركي الباقي عليَّـا..
شهر ديسمبر يأتي
لابساً معطف شاعر
شهر ديسمبر يهديني دموعاً .. وشموعاً .. ودفاتر ..
هذه فاطمة تلبس كيمونو من الصين ..
موشّـى بالأزاهر ..
شاي بعد الظهر من بين يديها
مهرجانات من اللون ..
وموسيقى أساور ..
لم تكن فاطمة مشرقة الوجه كما كانت (بمارلو) ..
لم تكن صافية العين كما كانت (بمارلو ) ..
لم تكن معتزة النهدين من قبل .. كما كانت ( بمارلو ) ..
لم تكن ملفوفة الخصر .. كما كانت ( بمارلو ) ..
لم يكن يسكنها الشعر ..كما كانت ( بمارلو ) ..
إنني آمنت أن الحب ساحر ..
هذه فاطمة ..
تغسل نهديها النحاسيـين بالماء .. كطائر وأنا في الغرفة الخضراء أستلقي
سعيدا تحت أشجار الكاكاو
وهتافات المرايا والستائر ..
فاشربي شيئا من الشعر معي ..
فأنا ـ دونك يا سيدتي ـ لست بشاعر
اشربي حتى تصيري امرأة ..
إن حبي لك مجنون .. وملعون ..ووحشي الأظافر ..
ورق الأشجار في ( مارلو ) ..
نحاسيّ .. وورديّ وأصفـرْ ..
ولقائي بك في الريف البريطاني حلم لا يُـفسر ..
والعصافير ترى ثغرك في أحلامها وردة .. أو نجمة .. أو قرص سكر
وأن معتقل ما بين نهديك ..
ولا أطلب ـ يا سيدتي ـ أن أتحرر ..
آه .. يا قطة (مارلو ) ..
ليتني أقـدر أن أغرق في فـروكِ أكثر ..
ليتني أقـدر أن ابقى ..
بهذا الفندق الضائع بين الغيم أكثر
ليتني أقـدر أن أدخل في جلدك ..
في شعرك ..
في صوتك أكثر آه .. يا أيتها الأنثى التي لا تـتكرر
هل عشقـتُ امرأة قبلك .. يا فاطمة ؟
إنني لا أتذكر ..
هل سأهوى امرأة بعدك .. يا فاطمة
إنني لا أتصور ..
آهِ .. يا قطة ( مارلو ) الساحرة
علميني .. كيف تـُـلغى الذاكرة
هل سألقاك ( بمارلو ) ؟.
بعد عام ربما أو بعد شهر ..
فتـنامين على أعشاب صدري ..
وتـفـيـقـيـن على أعشاب صدري ..
قبل ( مارلو ) ليس لي عمـرٌ ..
فأنت الآن عمري ..
بعد (مارلو) سيقول الناس :
ما أجمل عينيك .. وما أعظم شِـعري ..
لم أشاهد ليلة القدر ..فهل أنت، يا فاطمة، ليلة قـدري ؟؟
أرجعي مرة أخرى إلى (مارلو )..
ففيها عشت عصري الذهبيا ..
لم ير الريف البريطاني من قبلك
عينين تقولان كلاما عربيا ..
قبل أن ألقاك في فـندق ( مارلو )
كنت إنسانا ..
وأصبحت نبـيا ..
أرجعي لي غرفـتي في ملتقى النهر، وأحلامي ..
وركني الشاعريا ..
قبل ( مارلو ) لا يساوي العمر شيا
بعد ( مارلو ) لا يساوي العمر شيا
إن عينيك هما ما كتب الله عليا
فاتركيني نائما بينهما ..
واقفلي الباب عليا ..
أعلى

ابحثي عن رجل غيري ..
إذا كنت تريدين السلامة ..
كل حُـبٍّ حارقٍ ..
هو ـ يا سيدتي ـ ضد السلامة
كل شعر خارق ..
هو ـ في تشكيله ـ ضد السلامة
فابحثي عن رجل غيري ..
إذا كنت تحسين بأصوات الندامة
ابحثي عن رجل ..
يمتلك القدرة والصبر .. لتثـقيف حمامة
فأنا من قبل .. ما حاولت تـثـقـيـف حمامة ..
إن حبي لك يا سيدتي
أشبه بيوم القيامة ..
من تـُـرى يقدر أن يهرب من يوم القيامة ؟
فاقبلي ما قسم الله عليك ..
بإيمان عميق ٍ .. وابتسامة ..
واتبعيني ..
عندما أركب في الليل قطارات الجنون ..
طالما أنت معي ..
لست مهتما بما كان ..
وما سوف يكون ..
آهِ .. يا سنبلة القمح التي تخرج من وسط الدموع
دخل السيف إلى القلب، ولا يمكننا الآن الرجوع
إننا الآن على بوابة العشق الخطيرة ..
وأنا أهواك حتى الذبح ..
حتى الموت .. حتى القشعريرة ..
نحن مشهوران جدا ..
وجريئان على التاريخ جدا ..
والإشاعات كثيرة ..
هكذا يحدث دوما في العلاقات الكبيرة ..
آه .. يا فاطمتي ..
يا التي عشت وإياها ملايـين الحماقات الصغيرة
إنني أعرف معنى أن يكون المرء في حالة عشقٍ خلف أسوار
الزمان العربي
وأنا أعرف معنى أن يبوح المرء ..
أو يهمس ..
أو ينطق ..
في هذا الزمان العربي ..
وأنا أعرف معنى أن تكوني امرأتي رغم إرهاب الزمان العربي
..
فأنا تطلبني الشرطة للتحقيق في ألوان عينيك ..
وفيما تحت قمصاني ..
وفيما تحت وجداني ..
وأسفاري .. وأفكاري .. وأشعاري الأخيرة ..
وأنا لو أمسكوني ..
أسرق الكحل الذي يمطر من عينيك ..
صادتني بواريد العشيرة ..
فافتحي شعرك عن آخره ..
إنني مضطهدٌ مثل نبيّ ..
ووحيد كجزيرة ..
افتحي شعرك عن آخره ..
وانزعي الدبابيس .. فهذي فرصة العمر الأخيرة
آه .. يا أيقونة العمر الجميلة
يا التي تأخذني كل صباح من يدي نحو ساحات الطفولة ..
وتريني تحت جفنيها شموساً مستحيلة ..
وبلاداً مستحيلة ..
أنها الكنز الخرافي الذي كان معي
في قطارات الشمال ..
إن حبر الصين في عينيك ـ يا سيدتي ـ
فوق احتمالي
يا التي تمرق من بين شرايـيني ..
كعطر البرتقال ..
يا التي تشطرني نصفين في الليل ..
وعند الفجر، تلقيني على ركبتها ..
نصف هلالِ ..
يا التي تحتلني شرقا .. وغربا .. ويمينا .. وشمالا ..
استمري في احتلالي ..
أنا مشتاق إلى أيام ( وندرمير)..
مشتاق لأن أمشي وإياك على الماء ..
وأن أمشي على الغيم ..
وأن أمشي على الوقت ..
ومشتاق لأن أبكي على صدرك حتى آخر العمر ..
وحتى آخر الشعر ..
ومشتاق لحانات الضواحي ..
وكراسينا أمام النار ..
مشتاق إلى كل الذرى البيضاء ..
حيث أختلط الكحل الحجازي مع الثلج ..
ومشتاق إلى شيءٍ من الكونياك .. في برد الليالي ..
أهِ .. يا عصفورة الماء التي تجلس قربي ..
في قطارات الشمال ..
امسكيني من ذراعي جيدا ..
فالقرارات التي يصدرها السلطان لا تشغل بالي ..
وملفاتي لدى الشرطة لا تشغل بالي ..
وحده حبك ـ يا سيدتي ـ يشغل بالي ..
نحن قامرنا كثيرا ..
وتطرفنا كثيرا ..
وتجاوزنا إشارات المرور ..
فامسكيني من ذراعي جيدا ..
لتدور الأرض ..
فالأرض بلا حبٍّ كـبـيـر .. لا تدور ..
أعلى

1
تخلع فاطمة حذاءها ..
وتـتكوم،
كقطة سِـيَـاميّـةٍ في جوف راحتي
ترمي حقيـبتها على مقعد ..
وكيس مشترياتها على مقعد
وتدخل ..
في أول شريان تصادفه .
2
تخلع فاطمة أسماءها ..
وتـقـرر في شجاعةٍ باهرة
أن تكون امرأتي ..
تـنـتـزع الحـلق من أذنيها
ترمي خواتمها ..
ودبابيس شعرها على الأرض
وذاكرتها .. وأيامها المتشابهة على الأرض وتـندس كشجرة
الكاكاو.. تحت ثيابي ..
3
تضع فاطمة صورة كبيرة لها في غرفة الجلوس
تختار لون ستائري، ولون دفاتري، وتفرض علي ذوقها في
الطعام، وفي الحب وتــُـغَـمـغِـمُ من فرحها ..
كقطة سيامية ..
4
تدخل فاطمة عليّ ..
ملتـفة بزوبعة من شعرها الأسود ..
تضع مجلاتها النسائية على مكتبي .
وثوب نومها في خزانـتي ..
وملاقط شعرها في جواريري..
تضع فـرشاة أسنانها،
قرب فـرشاة أسناني،
فأدرك أنها قـررت احتلالي ..
5
تضجر فاطمة من شكل نهديها وتحاول رسمهما من جديد ..
وتضجر من مكان سرتها الذي لا تـتغير
وتأمرها أن تـتحول إلى عصفور ..
لا شيءَ أروع من فاطمة
عندما تخرج من بيت الطاعة وتصهل كمهرةٍ ..
تحت شمس الحرية .
6
تقود فاطمــُة انقلابا تاريخيا على جسدها ..
وتستلم السلطة .
تضع وزراءها في السجن
ومستشاريها في السجن
وقيس بن الملوح، وجميل بـثـيـنـة وجميع الشعراء العذريـين
في السجن وجميع الـذين ألـفوا في فـن الحب ولم يلامسوا
إصبع امرأة ..
وجـمـيع الذين تحدثوا عن انـتـصـاراتهم النسائية دون أن
يصابوا بطعنةٍ واحدةٍ
أو بذبحةٍ قـلــبـيـةٍ واحدة..
وجميع الذين كـتـبـوا عن جحيم الجنس ولم يـنـاموا مع ذبابة
..
وتعلن فاطمة أمام الجماهـيـر التي جاءت لمبايعتها وفي لحظة
صــدقٍ لا يعرفها العرب
أنها حبيبتي ..
7
ترفض فاطمة جميع النصوص المشكوك بصحتها وتبتدئ من أول
السطر ..
تمزق جميع المخطوطات التي ألفها الذكور وتبتدئ من أبجدية
أنوثتها .
ترمي جميع كتبها المدرسية، وتقرأ في كتاب فمي .
تهاجر من مدن الغبار وتـتبعني حافـية إلى مدن الماء .
تـقـفـز من قـطار الجاهلية وتـتكلم معي لغة البحر ..
تكسر ساعتها الرملية ..
وتأخذني معها إلى خارج الوقت ..
8
تعتقد فاطمة
ـ وفاطمة دائما على حق ـ
أن حركة التاريخ تبدأ من عينيها، وأن الإنسان الأول،
عـمَّـر مغاراته ما بين نهديها ..
وأن اللغة لولاها، لا عمل لها ..
والموسيقى لا صوت لها ..
والألوان لا لون لها ..
وأن الشعر
ـ إذا هي رفعت يدها عنه ـ
سـيـقـفـل الباب على نفسه،
وينتحر ..
9
تعجبني قرارات فاطمة
عندما تـتحول من حجر مسـتـديـر
إلى نافـورة ماءٍ في بـيـتٍ أندلسي
ومن قصيدةٍ موزونةٍ ومقفاة
إلى حمامةٍ تحط على كـتـفي .
ومن جاريةٍ في بلاط هارون السادس عشر
إلى مليكةٍ في بلاط الشعر ..
10
تعجبني حماقات فاطمة ..
عندما تـتجاوز الإشارات الحمراء التي وضعها التاريخيون حول
كلامها، وحول أحلامها ..
وتذبحهم في خيمتهم
واحدا .. واحدا ..
وتعجبني مبالغات فاطمة
عندما تطرد جميع حراسها وتعينـني حارسا على نهديها بمرتبٍ
قدره عشرة آلاف قبلـةٍ في الليلة الواحدة...
11
أحب فاطمة
حين تشرب قهوتها الصباحية،
وتشربني ..
وأحبها أكثر حين تؤكد لي : أنها سوف تحتل العالم، وتحتلني
..
12
فاجأت فاطمة
وهي تصطاد السمك الأحمر على شواطئ دمي ..
13
تـعـتــقــلـنــي فاطمة تحت أهدابها فلا أعرف متى ينتهي
الليل ومتى يبدأ النهار ..
14
على يدي فاطمة
تعلمت أن أكون كاتبا جيدا
ومحاربا جيدا
كما علمـتـني أن أحبها جيدا
وعلى يدي فاطمة تعلمت أن الـليـبرالية هي امرأة .
وأن الرجل ـ مهما تـثـقـف ـ
فهو رجل مخابرات ..
15
من لم يعرف فاطمة
لم يعرف ما هي أعظم أعمال الله ولم يعرف ما هو الشعر ..
16
تحطم فاطمة
جميع قـوارير الطب العربي
وجميع معتقلات الحب العربي
وتخرجني من ثبات النص العربي
وتفتح لي باب الاجتهاد .
17
فاطمة .
هي أهم امرأةٍ بين نساء العالم .
وأنا، أهم رجـلٍ أحَـبّها
وأحمل السلاح معها ..
أعلى

بدراهمي !
لا بالحديـث النـاعـم
حطمت عـزتـك المنـيـعة كلـها ..
بـدراهمي
وبـما حملــتُ مـن النـفـائــس، والحريـر الحالــم
فـأطعـتِـني ..
وتـبـعـتـنـي ..
كالـقـطـة العـمـيـاء مـؤمـنـة بكـل
مزاعمي ..
فـإذا بـصـدرك ـ ذلـك المـغرور ـ
ضمن غنـائمي
أيـن اعــتـدادكِ ؟
أنــتِ أطـوع في يـدي من خاتمي
قـد كان ثـغـرك مـرة ..
ربي .. فأصبح خادمي
آمنت بالـحُـسن الأجير ..
وطـأتـُهُ بدراهمي ..
وركـلـته .. وذلـلـته ..
بدمىً، بأطـواقٍ كَـوَهم الواهم ..
ذهـبٌ ..وديـبـا جٌ ..وأحجار تشعّ
فــقـاومي !!
أي المواضـع منـكِ .. لم تهـطل
عـليـهِ غـنائـمي
خيـرات صـدرك كـلها ..
من بعض .. بعـض مواسمي ..
بدراهمي !
بـإنـاءٍ طـيبٍ فـاغِـمِِ
ومشيـتِ كالفـأر الجـبان
إلى المصير الحاسم
ولـهوتُ فـيكِ ..
فما انـتخت شفـتــاكِ تحت جرائمي
والأرنـبــان الأبـيـضــان ..
عــلى الـرخام الهـــاجِمِِ
جَـبُـنـا ..
فـمـا شَـعَــرا بـظـلـم الـظـالـم ..
وأنـا أ صـُـبُّ عـليـهـمـا ..
ناري .. ونار شـتـائـمـي ..
رُدّي .. فلستُ أطيقُ حُسنأ ..
لا يَرُدُّ شتائـمي ..
مسكيـنـة ..
لم يبــق شـيءٌ مـنكِ ..مـنـذ
استعـبـدَتك دراهـمي !!
أعلى

ليس الشعر نارا سماوية، ولا ذبيحة
مقدسة، ولا خارقة من خوارق الغيب.
مصادر الشعر بشرية، وكتابته عمل من أعمال البشر. وما
الحديث عن (شياطين الشعر)، وربّاته، وعن (الإلهام)
والملهمين، و(الوحي) ومن يوحى اليهم، سوى محاولة لإعطاء
الشعر صفة السحر، والشعراء صفة السحرة وأصحاب الكرامات..
والحقيقة أنني لم أؤمن في يوم من الأيام بهذه المصادر
الميتافيزيكية، ولم أتحمّس لتجريد الشعر من طبيعته
البشرية، وإلباسه مسوح الأنبياء..
وعلى افتراض أن الشعر شكل من أشكال النبوّة، فإن مفهوم
النبوّة لدى الشاعر لا يعني بصورة من الصور أنه ينطق بلسان
كائنات أخرى، أو أنه يسمع أصواتا خفيّة لا يسمعها
الآخرون..
إن الشاعر يستبطن النفسَ البشرية، ويتقمّص وجدانَ العالم،
ويقول ما يريد أن يقوله الناس قبل أن يقولوه. وعلى هذا
الضوء يمكن تفسير نبوّة المتنبي، الذي لا يزال منذ ألف سنة
مستشار العرب في كل كبيرة وصغيرة من شؤون الحياة.
إننا نلجأ إلى المتنبي، لا كرسول من رسل الله، نطلب بركاته
ونؤخذ بمعجزاته، ولكننا نلجأ إليه كفنان عظيم، استطاع
ببصيرته ورؤياه الخارقتين، أن يحوّل تجربته الشخصية إلى
تجربة بحجم الكون، ويخرج من حدود الزمن العربي.. إلى براري
الزمن المطلق..
إن نظرية الشعر السماوي، كنظرية الحق الإلهي للملوك، نكتة
تجاوزها الزمن.
إن السماء لا تكتب شعرا، لأنها بصراحة لا تعرف الكتابة.
ولم يتحدث التاريخ عن ديوان شعر أصدره الملائكة..
إذن، فالشعر إفراز إنساني. ولم نسمع أن شجرة صفصاف كتبت
قصيدة.. أو أن بلبلا نشر ديون شعر..
الإنسان يقول شعرا، لأنه لو لم يفعل، لاختنق بفيضاناته
الداخلية.
إن للنفس البشرية، كما للجلد البشري، مسامات تتنفس من
خلالها، والشعر هو مجموعة المسامات النفسية التي تساعد
الإنسان على التخلص من انفجارات أفكاره ومشاعره، وارتفاع
منسوب المياه الجوفية في أعماقه.
كلما غاص الإنسان في لحم الحياة، واشتبك بتفاصيلها
اليومية، كلما شعر بالحاجة إلى تسجيل ما حدث معه. فالإنسان
ذو ولع غريب في كتابة يومياته. وليست كتابة المذكرات سوى
نوع من أنواع غريزة حفظ البقاء.. سوى محاولة لإطالة
العمر.. ولو على الورق..
إن للإنسان لذّتين. لذة في أن يعيش التجرية، ولذة في أن
يكتب عنها، ويمنحها شكلا.
فالتجربة إذن شرط أساسي من شروط الكتابة، والكاتب الذي لا
يعاني، لا يستطيع أن ينقل معاناته للآخرين، كالمرأة التي
تريد أن تصل إلى الأمومة، دون المرور بمراحل الحمل
والمخاض.
وانني لتستبد بي الدهشة، كلما سألني سائل: "هل نستطيع أن
نقول إن ما كتبته في الحب، كان حصيلة تجارب حقيقية، أم أنه
تأليف وأضغاث أحلام؟".
الواقع أن الحلم وحده عاقر. والحالمون لا يملكون القدرة
على إنجاب الأطفال.
صحيح، أن الشعر العذري يشغل مساحة من ديون الشعر العربي،
إلا أن هذا الشعر كان جسما غريبا عن الطبع العربي،
ومتنافيا مع البيئة الصحراوية وشبه الصحراوية التي تتعامل
مع المرأة تحت أشعة الشمس، وتنظر إلى الأشياء من زواياها
الحادة.
وإذا لجأ الشعر العربي إلى الوهم، فبسبب الحواجز الدينية
والأخلاقية والقبلية التي كانت تقف بين الشاعر وبين الوصول
إلى حبيبته، أو النطق باسمها.
ومن هنا يمكن اعتبار شعر جميل بثينة، وقيس بن الملّوح،
شعرا يمثّل حالة طارئة أو استثنائية، أملتها ظروف اجتماعية
خارجة عن إرادة الشاعر.
وبكلمة أخرى، لو أن ليلى وبثينة كانتا في وضع اجتماعي أكثر
تسامحا وتحررا، لاختلفت الصيغة التي كتب بها الشاعران
قصائدهما الغزلية، ولتبدّل موقفها تبدلا أساسيا.
إنني أميل إلى الاعتقاد أن شعر عمر بن أبي ربيعة كان أقرب
إلى الواقعية العربية من نظرة زميليه، فهو رغم وجوده في
أزهى أيام الإسلام، بقي منسجما مع طبيعته كشاعر، ومخلصا
لموقفه الوجودي.
إذن لكي نكتب عن العشق، لا بد لنا أن نموت عشقا. ولكي نكتب
عن النساء.. لا بد أن نعرف امرأة واحدة، على الأقل..
صحيح أن هناك كتّابا يتفرّجون على الحب.. ويكتبون عنه ألوف
الصفحات.. وصحيح أن هناك شعراء يقومون بتركيب المرأة
تركيبا ذهنيا في مختبرات أحلامهم، غير أن تجربة هؤلاء تبقى
تجربة مخبرية باردة، محرومة من زخم الحياة وحرارتها.
وطبعا، لا يجد القارئ أية صعوبة في التفريق بين امرأة من
ورق.. وامرأة تشطرنا كالسيف إلى ألف قطعة.. وتحوّل عمرنا
إلى قوس قزح..
إنني في كل ما كتبته كنت جزءا من الرواية، لا مشاهدا في
مقاعد المتفرجين. فأنا لا أؤمن بوجود النار إذا لم أحترق
بها، ولا أحترم بحرا لا يمنحني الإحساس بالغرق. وعلى نفس
المقياس أقول انه من المستحيل عليّ أن أكتب عن شعر حبيبتي
الطويل، إذا لم يتكسّر بين يديّ كأعواد الزنبق..
لا يمكنني أن أشتغل بغير مواد أولية، تماما كما لا يستطيع
المهندس أن يشتغل بغير الحجر، والنسّاج بغير خيوط،
والحدائقي بغير بذور وأغراس.
إن المواد الأولية شيء أساسي في كل إنتاج يدوي أو ذهني،
وإلا تحوّل الكاتب إلى حاوٍ يصنع الوجود من العدم.
غير أن ثمة كتّابا يستعيضون عن التجربة الحياتية، بالتجربة
الثقافية، فيتحدثون عن الأسفار دون أن يسافروا، ويصوّرون
العشق دون أن يعشقوا، ويصفون تفاصيل الجنس دون أن يلامسوا
ظفر امرأة..
ما أكثر كتّابنا الذين يعيشون على تجارب غير تجاربهم،
وبأجساد غير أجسادهم، فيستعيرون أفكار ماركوز، وعبثية
كافكا، ولا معقول بيكيت، وساديّة ميللر، وشهوات الليدي
شاترلي الانكليزية، ونَهَم مدام بوفاري الفرنسية.
إن استعارة المواقف الحضارية بهذا الشكل المجاني
والاعتباطي يحرم أعمالنا الأدبية والفنية من الشرط الأساسي
لكل عمل إبداعي، ألا وهو الصدق. وحين يغيب الصدق، يتشابه
صوت الشاعر المولود في الجزيرة البريطانية، والشاعر
المولود في البصرة، أو ريف مصر. ويصبح سان جون برس مواطنا
عربي الوجه والفم واللسان.. يقطن في حي من أحياء بيروت.
ومع إعجابي بالشعر العربي الحديث، أحس أنه لا يزال واقعا
في حالة تعدد الجنسيات.. وازدواج الشخصية، فهو مكتوب بلغة
عربية لا غبار عليها، إلا أن مناخه العام لا يشبه مناخ
دمشق، أو الكويت، أو امارات الشاطئ المتصالح..
هذا الكلام لا يعني بالطبع أنني أريد أن أعزل الشعر العربي
عن تأثيرات الفكر العالمي، ولكنني أريد أن يحتفظ هذا الشعر
بشخصيته العربية، وأن تكون التجربة التي يعبر عنها تجربة
عربية نابعة من واقع الإنسان العربي ومعاناته..
إن النكهة القومية في الأدب والفن شيء جميل، ولذا نتحمس
لموسيقى الجاز ذات المصادر الافريقية، وللرسومات الصينية
التي تنبض على البارفانات السوداء، ولموسيقى الفادو التي
تحمل حزن نساء البرتغال على الضائعين في البحر، ولشعور
طاغور المسكون بروح الهند، ولرباعيات الخيام التي تفوح
منها روائح تبريز وشيراز..
وليس من باب التبجّح والغرور القومي أن أقول إن تجاربي،
وأبطالي، وخلفية شعري، كانت عربية مئة بالمئة. والنساء
اللواتي يتحركن على دفاتري هن عربيات، وهمومهن، وأزماتهن،
وأحزانهن، وصرخاتهن، هي هموم، وأزمات، وصرخات الأنوثة
العربية.
ليت الذين يتهمونني باستعباد المرأة وإذلالها واستعمالها
كدمية، يعرفون أنني نقلت الواقع العربي في تعامله مع
المرأة، ولم أخترعه من عندي.
إذا كان في شعري نماذج لرجال يمتلكون المرأة كأنها عمارة،
أو سجادة، أو كيس طحين، ولنساء يقبلن أن يدخلن في مثل هذه
الصفقة البشعة، فلأن هذه النماذج تصادفك في أكثر من مدينة
عربية.
إن قصيدتي (الحب والبترول) مثلا، هي صورة للإقطاع العاطفي،
وللعلاقة اللاأخلاقية، التي تقوم بين رجل يَستملك بدفتر
شيكاته.. وامرأة تُستملك بسنابل شعرها الذهبي، وطفولة
نهديها..
وقصيدتي (حبلى) هي صورة عنيفة بالأسود والرمادي، للظلم
الواقع على جسد امرأة قليلة التجربة.. سيئة الحظ..
وقصائدي (أوعية الصديد) و(إلى أجيرة) و(رسالة إلى رجل ما)
و(صوت من الحريم) و(رسالة سيدة حاقدة) و(البغي)، أليست
كلها تشهيرا واحتجاجا على شريعة الاحتكار والأنانية
والإقطاع التي تتحكم بالمجتمع العربي في علاقاته العاطفية
والجسدية.
كان بوسعي بالطبع أن أكتب عن (مدينة فاضلة) يحب فيها
الرجال النساءَ على طريقة الملائكة.. ويغازلونهم على طريقة
العصافير، وكان بوسعي أن أغمض عينيّ عن متسلسل الرعب،
والجرائم العاطفية، التي تبرزها الصحف العربية في صفحاتها
الأولى، وكان بوسعي أن أعتبر سقوط رأس امرأة هربت مع من
تحبه.. طبيعيا كسقوط تفاحة..
لكنني رجل لا أتقن فن الخديعة، ولا أستعمل العدسات الملونة
في النظر إلى موضوعاتي، ولا أقبل أن أكون شاهد زور في
المحاكم العرفية التي تحاكم الحب في بلادي..
ولأنني شاهد رئيسي على كل الجرائم العلنية التي يرتكبها
الرجل، وتنـزل عقوبتها على جسد المرأة.. يسمونني (شاعر
الفضيحة).
والحقيقة أنني لا أضيق بهذه التسمية، ولا أفكر في دفعها،
لأن كل عمل خارق واستثنائي هو فضيحة. الوردة الحمراء في
شعر المرأة الإسبانية فضيحة، وصوتها المبحوح فضيحة،
والقصيدة الجيدة فضيحة، واللوحة الناجحة فضية، والعطر
الدافئ فضيحة، ويدي النائمة على يد حبيبتي.. أجمل فضيحة.
ولماذا نذهب بعيدا، أليس القمر هو فضيحة السماء الكبرى؟..
وحدها القصائد الرديئة هي التي تشيح وتموت دون أن ينال أحد
من شرفها.
ما هو شرف القصيدة؟
نحن نتصوّر شرف القصيدة جزءا من الشرف العام، والمعادل
الحسابي له. وهذا التصوّر ساذج، ومن شأنه أن يحوّل الشعر
إلى نص من نصوص الفقه، والشاعر إلى شمّاس في أبرشية
القرية.
فالشرف العام موقف اتّباعي تحدده ظروف مكانية، وتاريخية،
واجتماعية، ودينية، تتميز بالثبات. أما الشرف الفني، فموقف
إبداعي ينتقد التاريخ، ويصحّحه، ويغيّر مجراه. وبتعبير آخر
إن الشرف العام والشرف الفني يسيران في خطّين متقاطعين لا
متوازيين.
والشعراء المجيدون في الأدب العربي هم أولئك الذين كانوا
أكثر ولاءً لشرفهم الفني، من ولائهم للشرف العام. والأفذاذ
منهم كأبي نواس، وأبي تمام، والمتنبي كانوا في حالة تناقض
وطلاق مع مفهوم الشرف العام.. لأنه يتنافى والطبيعة
الانقلابية للشعر.
وفي الغرب، لم يستطع الفكر البريطاني المحافظ، ووارثي
الرصانة عن العهد الفيكتوري، أن يقهروا أوسكار وايلد، ود.
هـ. لورنس، لأن شرفهما الفني كان كافيا لتكريسهما كاتبين
من أكبر كتّاب العالم. واستطاعت (الليدي شاترلي) أن تسترد
جنسيتها البريطانية، وحقوقها المدنية كاملة.
إذن، فكل مبدع، هو بالضرورة صوت معارض. ولا قيمة لكاتب
يجلس في صفوف الموالين، ويصوّت مع الأكثرية، ويرفع يده
الخشبية بالموافقة على مشاريع القوانين التي وضعها أبو
سفيان..
وفي المجتمعات المتخلفة، تأخذ المعركة بين الشرف العام
والشرف الفني، شكلَ المذبحة، ولا يبقى أمام الشاعر سوى
خيارين: أن يصبح حيوانا داجنا في المزرعة الجماعية.. يأكل،
ويشرب، ويتناسل.. أو أن يخالف نظام المزرعة، فيخسر شرفه،
ويربح شعره.
والحقيقة أنني لست نادما على الخروج من المزرعة، لأن
نهاراتها متشابهة، ولياليها متشابهة، وأحاديث رجالها
متشابهة.. وفضائحها متشابهة..
ولقد اخترت الخروج، لأنني كنت أعرف أن البقاء في طروادة
كان يعني زيادة نسبة الكولسترول في دمي ودم قصائدي..
أنت تمارس فعل الكتابة. إذن فأنت متهم..
وأنت تمارس الكتابة في العالم العربي بالذات، فتهمتك أخطر،
وعقوبتك مضاعفة.
أنت تحاول أن تخرج على غريزة القطيع، وأفكار القطيع،
وقناعات القطيع، وتنفرد عن بقية حبّات الفاصولياء
المتشابهة حجما وشكلا، إذن فأنت متهم..
أنت تحاول أن تغير بالكلمات ملامح عصرك، وإيقاع أيام
مواطنيك، وجغرافية النفس البشرية.. إذن فأنت متهم.
أنت تحاول أن تغير اتجاهات الطرق في مدينتك، وتغير أسماء
الشوارع، والساحات العامة، وأسماء الناس.. إذن فأنت متهم..
وأنت تحاول أن تمزّق كل الفرمانات التي تحمل تواقيع
أجدادك، وتعترض على تدخل الأموات في شؤونك الشخصية، ورسم
خارطة عواطفك، وكلامك، ومعتقداتك، إذن فأنت تركب حصان
الفضيحة..
وحصان الفضيحة حصان متعب وشرس.. لكنه يبقى دائما أجملَ
الخيل..
أعود إلى المصادر. مصادري.
وأول ملاحظة أسجلها هي أنني لا أحفظ شعر غيري، ولا شعري..
إنني أجد صعوبة كبيرة في تذكّر شعري وروايته. وفي الجلسات
الحميمة التي يُطلب مني، أن أقرأ شعري، أشعر بعقدة الذنب،
ويشعر أصدقائي بأنني أتعالى عليهم.. ويبتلعون أعذاري على
مضض.
الواقع أنني لا ألعب لعبة النسيان، ولكنني بالفعل عاجز عن
استحضار قصيدة كتبتها قبل خمس دقائق.
وإنني لأشعر بغيرة حقيقية من الشعراء الذين يكفي أن تضغط
زرا من أزرار ذاكرتهم.. حتى يبدأوا بالغناء بدقة شريط
مسجّل..
لذلك أحمل جميع أوراقي إلى الأماسي الشعرية التي أعطيها،
وأتلمّسها على الطريق ورقة.. ورقة.. حتى لا أتورّط.
والسؤال الذي ما زال يلاحقني ويعذبني هو التالي:
هل نسيان الشاعر شعرّه، هو ظاهرة عافية أم ظاهرة مرض،
وبالتالي هل الذاكرة الشعرية شرط أساسي في اللعبة الشعرية؟
أنا أتصوّر أن كتابة القصيدة شيء.. وتلاوتها أو استحضارها
شيء آخر. فالكتابة برق لا عمر له، والحفظ ملكة مكتسبة،
ورياضة ككل الرياضات التي تكتمل بالممارسة.
والذاكرة، بكل أنواعها، هي نوع من الارتباط بالماضي،
والعودة إليه. اننا نتذكّر أحبائنا لأنهم ذهبوا. ونتذكّر
أمواتنا لأنهم ماتوا.. وعلى هذا الأساس لا أحد يتذكّر
مستقبله.
التذكّر التصاق. والنسيان انعتاق. وكل قصيدة نكتبها هي
اشارة مرور تجاوزناها، بحثا عن إشارات جديدة..
والبقاء عند الإشارات القديمة هو في تصوّري، نوع من الوقوف
على الأطلال.. يعيق الرحلة، وينحر الطموح، ويجعل عينيْ
الشاعر في مؤخرة رأسه..
وأعترف لكم هنا، أنني قليل الوفاء لقصائدي القديمة. فأنا
لا أزورها، ولا أراسلها، ولا أسأل عنها الا في الحالات
الاضطرارية، لأنني أعتقد أن كثرة زيارات الشاعر لقصائده
القديمة يعطي هذه القصائد شكل الضريح..
ولا أدري، لماذا يتملّكني الإحساس وأنا أقرأ قصيدة قديمة
لي، أنني ألبس قميصا مستعملا، أو أسكن فندقا غير مريح.
إن رواية الشعر، هي استعادة حالة، واسترجاع مناخ نفسي من
الصعب استعادته. لذلك يصعب عليّ استدعاء زمن خرج من يدي.
طبعا، هذا لا يعني أنني أتنكّر لأعمالي القديمة، وأتبرّأ
منها. كل ما في الموضوع أنني أعتبر أن هذه الأعمال قد لعبت
دورها الذي كان مقررا أن تلعبه وانتهى الأمر..
والملاحظة الثانية التي أريد أن أسجّلها في سياق الحديث عن
مصادري، هي غياب الطبيعة، كموضوع قائم بذاته، عن شعري.
وزيادة في الإيضاح أقول انني لم أكنْ واحدا من الوصّافين
العربي، كابن الرومي، والبحتري، وابن المعتز، الذين نقلوا
الطبيعة إلينا نقلا زيتيا رصينا، وبمنتهى الحرْفيّة
والحياد.
إن الطبيعة، كعالم منفصل، لم تلعب في شعري دورا هاما. كان
الإنسان أهم منها وأقوى حضورا، صحيح أنني كتبت عن النجوم،
والغيوم، والينابيع والبحار، والغابات، ولكنني كنت دائما
أربطها بعلاقة إنسانية ما.. وبتعبير أوضح كنت أضع كل هذه
الأشياء الجميلة تحت تصرف المرأة التي أحبها، وفي خدمتها.
إنني لم أكتب عن القمر لأنه قمر.. ولكنني كتبت عنه كقطعة
ديكور جميلة في حضرة العشق، وزهرة الغاردينيا البيضاء لم
تكن تعنيني إلا لأنها تستوطن شعر حبيبتي. وأمطار تشرين
وغيومه لم تكن لتسترعي انتباهي إلا لأنها تشكل خلفية
رمادية اللون لمواعيدي..
أما الكحول، كمصدر مزعوم من مصادر الإبداع، فقد كنت أرى
فيها عامل إعاقة وهبوط لا عامل توهج وصعود.
إن الكتابة تحت المؤثرات الاصطناعية هي مغامرة غير مضمونة
النتائج. ولا أتذكر أنني جمعت القلم والكأس في أية لحظة من
لحظات العمل. فالكتابة تتطلب من الكاتب أن يكون في أعلى
مراحل المسؤولية، والبصيرة، والمعرفة بما يفعل.. والا
أصبحت القصيدة عملا تتحكم به الصدفة.. ودواليب الحظ..
والشعر العظيم لا يعتمد أبدا على الحظ والصدفة..
وإذا كانت الخمرة تفك عقدة لساني كعاشق، فانها تربطه
كشاعر.. وتجعل أصابع يدي اليمنى أسلاكا من الزجاج سريعة
الانكسار.
حتى في الأمسيات التي أقرأ فيها شعري، لا أستعين لأواجه
الناس، بأي عقار من العقاقير المنبهة التي يستعملها بعض
الشعراء بحثا عن شجاعة كيميائية، وبطولة غير واثقة من
نفسها..
إن السُكْر لم يكن في يوم من الأيام وسيلة إقناع بالشعر..
ولكن السُكْر بالشعر يأتي بعد ذلك..
أعلى

1
غيري الموضوع يا سيدتي .
ليس عندي الوقت والأعصاب
كي أمضي في هذا الحوار ..
إنـني في ورطة كبـرى مع الدنـيا،
وإحساسي بعيـنـيـكِ كإحساس الجدار ..
قهوتي فيها غبار .
لغتي فيها غبار .
شهوتي للحب يكسوها الغبـار ..
أنا آت من زمان الوجع القومي
آت من زمان الانكسار .
إنني أكتـب مثـل الطائر المذعور،
ما بين انـفجارٍ .. وانفجار ..
هل تظنـيـن بأنا وحدنا ؟
إن هذا الوطن المذبوح يا سيدتي
واقف خلف الستار .
فاشرحي لي :
كيف أستـنـشـقُ عطر امرأةٍ ؟
وأنا تحت الدمار .
اشرحي لي :
كيف آتـيـك بوردٍ أحمر ؟
بعد أن مات زمان الجلنـار ..
2
غيري الموضوع، يا سيدتي .
غيّـري هذا الحديث اللااُباليّ ..
فما يقـتـلـني إلا الغـبـاء .
سقط العالم من حولك أجزاءً ..
وما زلت تعيـديـن مواويلك مثل البـبـغاء
سقط التاريخُ . والإنسان . والعقل ..
ومازلت تظـنـيـن بأن الشمس
قد تـشرق من ثوبٍ جميـل ٍ
أو حذاء ..
3
أجّـلي الحلم لوقـتٍ آخرٍ ..
فأنا منكسـرٌ في داخلي مثـل الإناء .
أجلي الشعر لوقت آخر ٍ ..
ليس عندي من قماش الشعر
ما يكفي لإرضاء ملايـين النساء ..
أجلي الحب ليوم أو ليومين ..
لشهر ٍ أو لشهرين ..
لعام أو لعامين ..
فلن تـنخسف الأرض،
ولن تـنهار أبراج السماء ..
هل من السهل احتضان امرأةٍ ؟
عندما الغرفة تكتـظّ بأجساد الضحايا
وعيون الفقراء ؟
ـ4
اقلبي الصفحة يا سيدتي
علّـني أعثـر في أوراق عيـنـيـكِ
على نص جديد .
إن مأساة حياتي، ربما
هي أني دائما أبحث عن نص جديد ..
5
آهِ .. يا سيدتي الكسلى
التي ليس لديها مشكلة ..
يالتي ترتـشف القهوة ..
من خلف السُـتــُور المقفلة .
حاولي ..
أن تطرحي يوما من الأيام بعض الأسئلة
حاولي أن تعرفي الحزن الذي يذبحني حتى الوريد ..
حاولي .. أن تدخلي العصر معي .
حاولي أن تصرخي ..
أن تغـضبي ..
أن تـكـــُفري ..
حاولي ..أن تـقـلعي أعمـدة الأرض مـعي .
حاولي أن تـفعلي شيـئا
لكي نخرج من تحـت الجليـد ..
6
غيّري صوتــَك..
أو عمرك ..
أو اسمك .. يا سيدتي
لا تكوني امرأة مخزونة في الذاكرة
وادخلي سيـفـا د مشقيا بلحم الخاصرة
غيّري جِلدك أحيـانا ..
لكي يشتعل الورد،
وكي يرتـفع البحر،
وكي يأتي النشيـد ..
7
أسكتي يا شهرزاد .
أسكتي يا شهرزاد .
أنـت في واد .. وأحزاني بواد
فالذي يـبحث عن قصة حبٍ ..
غيرُ من يـبحث عن موطنه تحت الرماد.
أنت ..ما ضيعت، يا سيدتي، شيئا كثيرا
وأنا ضيعت تاريخاً ..
وأهلا ً ..
وبلاد ..
أعلى

جميلة بوحيرد
الإسم: جميلةُ بوحَيرَدْ
رقمُ الزنزانةِ: تِسعُونا
في السجن الحربيَّ بوَهران
والعمرُ اثنانِ وعشرُونا
عينانِ كقنديلي معبَدْ
والشعرُ العربيُّ الأسوَدْ
كالصيفِ ..
كشلاَّلِ الأحزان
إبريقٌ للماءِ .. وسجَّان
ويدٌ تنضمُّ على القُرآن
وامرأةٌ في ضوء الصبحِ
تسترجع في مثل البوحِ
آياتٍ مُحزنة الإرنان
من سُورةِ (مَريمَ) و(الفتَحِ)
الإسمُ: جميلةُ بوحيَردْ
إسمٌ مكتوبٌ باللهَبِ ..
مغموسٌ في جُرح السُحُبِ
في أدَب بلادي. في أدَبي ..
العُمرُ اثنانِ وعشروُنا
في الصدر استوطن زوجُ حَمام
والثغرُ الراقدُ غصنُ سَلام
إمراةٌ من قُسطنطينه
لم تعرف شفتاها الزينه
لم تدخُل حجرتَها الأحلام
لم تلعبْ أبداً كالأطفالْ
لم تُغرم في عقدٍ أو شال
لم تعرف كنساءِ فرنسا
أقبيةَ اللذَّةِ في (بيغال)
الإسمُ: جميلةُ بوحَيَردْ
أجملُ أغنيةٍ في المغرب
أطولُ نَخلَهْ
لمحتها واحاتُ المغرِب
أجملُ طفلَهْ
أتعبتِ الشمسَ ولم تتعب
يا ربّي . هل تحتَ الكوكَب ؟
يوجدُ إنسانْ
يرضى ان يأكُلَ .. أن يشرَب
من لحم مُجاهِدةٍ تُصلب ..
أضواءُ ( الباستيلِ) ضئيله
وسُعالُ امرأةٍ مُسلُوله ..
أكلتْ من نهديها الأغلال
أكلَ الأندالْ
( لاكوستُ) وآلافُ الأنذال
من جيش فرنسا المغلوبه
إنتصروا الآن على أنثى
أنثى .. كالشمعة مصلوبه
القيد يعضُّ على القَدمَين
وسجائرُ تُطفأ في النهدين
ودمٌ في الأنفِ .. وفي الشفتين
وجراحُ جميلةُ بوحيرد
هيَ والتحريرُ على موعِد
مقصلةٌ تنصبُ .. والأشرار
يلهونَ بأنثى دون إزار
وجميلةُ بين بنادقِهم
عصفورٌ في وسط الأمطار
الجسدُ الخمريَّ الأسمر
تنفضُهُ لمساتُ التيَّار
وحروقٌ في الثدي الأيسَر
في الحلمةِ ..
في .. في .. ياللعار ..
الإسمُ: جميلةُ بوحَيردَ
تاريخٌ: ترويه بلادي
يحفظُهُ بعدي أولادي
تاريخ امراة من وطني
جلدت مقصلةَ الجلاَّدِ ..
إمرأةٌ دوَّختِ الشمسا
جرحت أبعادَ الأبعادِ ..
ثاثرةٌ من جبل الأطلَس
يذكرها الليلكُ والنرجس
يذكرُها .. زهرُ الكبَّاد ..
ما أصغرَ ( جان داركَ ) فرنسا
في جانب ( جان داركَ ) بلادي..
أعلى

مايا
الركبةُ الملساءُ.. والشفةُ الغليظه..
والسراويلُ الطويلةُ والقصيرةُ..
إنِّي تعبتُ من التفاصيل الصغيره..
ومن الخطوطِ المستقيمةِ والخطوطِ المستديره..
وتعبتُ من هذا النفير العسكري إلى مطارحة الغرام..
النهدُ.. مثل القائدِ العربي يأمرني:
تقدّم للأمام !
والفلفلُ الهنديُّ في الشفتين يهتفُ بي:
تقدّم للأمام !
والأحمرُ العنبيُّ فوق أصابع القدمين،
يصرخُ بي:
تقدّم للأمام !
إنّي رفعتُ الراية البيضاء سيدتي..
بلا قيدٍ ولا شرط..
ومفتاح المدينة تحت أمرك..
فادخليها في سلام..
جسدي المدينةُ..
فادخلي من أي بابٍ شئتِ أيتها الجميله..
وتصرّفي بجميع ما فيها ومن فيها..
وخليني أنام !
الركبةُ البيضاءُ.. والحمراءُ.. والخضراءُ..
كيف أميّزُ الألوان؟!
إنّ زجاجةَ الفودكا تحيلُ ثقافتي صفراً..
وترجعني إلى جهل العشيره..
وتضخمُ الإحساسَ بالأشياء..
ترميني عليكِ كأنكِ الأنثى الاخيره !
مايا.. تغنّي.. وهي تحت الدوش..
أغنيةً من اليونان رائعةً..
وتضحكُ دونما سببٍ..
وتغضبُ دونما سببٍ..
وترضى دونما سببٍ..
ويدخلُ نهدُها الذهبيُّ في لحم المرايا !
مايا.. تناديني..
لأعطيها مناشفها..
وأعطيها مكاحلها..
وأعطيها خواتمها الملونة المثيره..
مايا.. تقول بأنها لم تبلغ العشرينَ بعدْ..
وأنها ما قاربتْ أحداً سوايا..
وأنا أصدّقُ كلّ ما قال النبيذ..
وكلّ ما قالتهُ مايا !
مايا على الموكيت حافيةٌ..
وتطلبُ أن أساعدَها على ربطِ الضفيره..
وأنا.. أواجهُ ظهرها العاري..
كطفلٍ ضائعٍ بينَ آلافِ الهدايا !
الشمسُ تشرقُ دائماً مِنْ ظهر مايا !
مِنْ أينَ أبدأُ رحلتي؟!
والبحرُ مِنْ ذهبٍ ومِنْ زغبٍ..
وحولَ عمودِها الفِقريِّ أكثرُ مِنْ جزيره..
مَنْ يا تُرى اخترعَ القصيدةَ والنبيذَ وخصرَ مايا ؟!
مايا لها إبطان.. يخترعانِ عطرَهُما..
ويكتشفانِ رائحةَ الطريده !
مايا تُسافرُ في انحنائاتِ النبيذِ.،
وفي انحنائاتِ الشعورِ.،
وفي إضائاتِ القصيده !
وأنا.. أسافرُ في أنوثتها..
وضحكتها..
وأرسو كلّ ثانيةٍ..
على أرضٍ جديده !
مايا تقولُ بأنّني الذكرُ الوحيدْ..
وأنَّها الأنثى الوحيده !
وأنا أصدّقُ كلّ ما قال النبيذ..
وكلّ ما قالتهُ مايا !
مايا لها نهدان شيطانان..
همُّهُمَا مُخالفه الوصايا !
مايا مخرّبةٌ وطيّبةٌ..
وماكرةٌ وطاهرةٌ..
وتحلو حين ترتكبُ الخطايا !
مايا وراء ستارة الحمام واقفةٌ كسنبلةٍ..
وتروي لي النوادرَ والحكايا..
وأنا.. أرى الأشياء ثابتةً.. ومائلةً..
وحاضرةً وغائبةً..
وواضحةً وغامضةً.. فتخذلني يدايا !
مايا مبللةٌ وطازجةٌ كتفاح الجبال..
وعند تقاطع الخلجان قد سالتْ دمايا !
مايا تكرّرُ أنها ما لامست أحداً سوايا.،
وأنا أصدّق كلّ ما قال النبيذ..
ونصفَ ما قالتهُ مايا !
مايا مهيأةٌ كطاووسٍ ملوكيٍّ.،
وزهرةِ جلنارْ..
مايا تفتّش عن فريستها كأسماكِ البحار !
فمتى سأتّخذُ القرار؟؟!
هذي شواطئُ حضرَ موت.،
وبعدها تأتى طريقُ الهندْ..
إنّ مراكبي داختْ..
وبينَ الطحلبِ البحريِّ والمرجان.،
تنفتحُ احتمالاتٌ كثيره !
ماذا اعتراني؟؟
إن إفريقيا على مرمى يدي.،
ومَجاهلُ البنغال أخطرُ من خطيره !
مايا تناديني..
فتنفجرُ المعادن.،
والفواكهُ والتوابلُ والبهارْ.،
هذا النبيذ أساءَ لي جدّاً..
وأنساني بداياتِ الحوارْ !
فمتى سأتّخذُ القرارْ ؟؟!
مايا تغنّي من مكانٍ ما..
ولا أدري على التحديدِ أين مكانُ مايا ؟!
كانتْ وراءَ ستارةِ الحمّام ساطعةً كلؤلؤةٍ..
وحوَّلها النبيذُ إلى شظايا !
مايا تقولُ بأنها امرأتي.،
ومالِكتي.. ومَمْلكتي..
وتحلفُ أنها ما ضاجعتْ أحداً سوايا !
وأنا أصدّقُ كلَّ ما قالَ النبيذ..
وربعَ ما قالتهُ مايا !!!
أعلى

وبر
الكشمير
لا وقت َ لدينا للتفكيرْ.
أعصابي ليستْ من خشَبٍ…
وشفاهُكِ ليست من قصديرْ…
يدُكِ المطمورة ُ تحت يدي.
منديلٌ مشغولٌ بحريرْ…
و مفاتنُ جسمكِ لا تُحصَى …
و العمرُ قصيرْ..
* * *
لا وقت َ لدينا للتفكيرْ.
فأنا أتعاطى الشِعرَ ..ولا أتعاطى – سيِّدتي – التفكيرْ…
عارية ٌ أنتِ .. كنَصْل السيف.
و نهدُكِ يحملني.. و يطيرْ.
و أنا أتقلَّبُ فوقَ الريش.
و أغرقُ في وبَرَ الكشميرْ.
فأمانا ً.. يا أمطارَ الفُلِّ.
أمانا ً .. يا وبَرَ الكشميرْ.
و اقتربي.. يا جُزُرَ البللور.
فإنَّ الموتَ عَلَيكِ مُثيرْ.
* * *
عيناكِ .. بحالةِ تعتيم ٍ…
و الجوُّ مطيرْ.
و أنا لا أطلبُ تفسيرا ً…
ما قَتَلَ الحبَّ سوى التفسيرْ…
إني أهواكِ .. و ذاكرتي…
في أقصى حالاتِ التخديرْ…
أهواكِ .. وأجهلُُ ماذا كنتُ.
و من سأكونُ.
و أينَ أصيرْ.
أهواكِ .. الى حدِّ التدميرْ…
و أسيرُ اليكِ كما البوذيُّ…
إلى أعماق النار يسيرْ.
* * *
سيِّدتي !…
هذا عصرُ العُنف.
و عصرُ الجنس ِ.
و عصرُ الدهشةِ و التغييرْ.
فلنهرُبْ من سيف السيّافِ ،
و قِصّةِ عنترة ٍ و الزيرْ.
مدفونٌ جسمكِ ، تحت الرمل ِ الساخن ِ ، من أيام ِ جريرْ…
مهروسٌ نهدُكِ ، مثلَ شريحةِ لحم ٍ ، في أسنان ِ أميرْ.
لا وقتَ لدينا للتاريخ..
فنصفُ حوادثه تزويرْ..
إقتربي.
إقتربي مني .
و لنكسِرْ آلافَ الأشياء.
فلا تعميرَ.. بلا تكسيرْ…
من جسمكِ تنطلق ُ الغَزَواتُ.
و منهُ .. سيبتدئُ التحريرْ.
أعلى

تناقضات
ن.ق الرائعة
1
وما بين حُبٍّ وحُبٍّ.. أُحبُّكِ أنتِ..
وما بين واحدةٍ ودَّعَتْني..
وواحدةٍ سوف تأتي..
أُفتِّشُ عنكِ هنا.. وهناكْ..
كأنَّ الزمانَ الوحيدَ زمانُكِ أنتِ..
كأنَّ جميعَ الوعود تصبُّ بعينيكِ أنتِ..
فكيف أُفسِّرُ هذا الشعورَ الذي يعتريني
صباحَ مساءْ..
وكيف تمرّينَ بالبالِ، مثل الحمامةِ..
حينَ أكونُ بحَضْرة أحلى النساءْ؟.
2
وما بينَ وعديْنِ.. وامرأتينِ..
وبينَ قطارٍ يجيء وآخرَ يمضي..
هنالكَ خمسُ دقائقَ..
أدعوك ِ فيها لفنجان شايٍ قُبيلَ السَفَرْ..
هنالكَ خمسُ دقائقْ..
بها أطمئنُّ عليكِ قليلا..
وأشكو إليكِ همومي قليلا..
وأشتُمُ فيها الزمانَ قليلا..
هنالكَ خمسُ دقائقْ..
بها تقلبينَ حياتي قليلا..
فماذا تسمّينَ هذا التشتُّتَ..
هذا التمزُّقَ..
هذا العذابَ الطويلا الطويلا..
وكيف تكونُ الخيانةُ حلاًّ؟
وكيف يكونُ النفاقُ جميلا؟...
3
وبين كلام الهوي في جميع اللّغاتْ
هناكَ كلامٌ يقالُ لأجلكِ أنتِ..
وشِعْرٌ.. سيربطه الدارسونَ بعصركِ أنتِ..
وما بين وقتِ النبيذ ووقتِ الكتابة.. يوجد وقتٌ
يكونُ به البحرُ ممتلئاً بالسنابلْ
وما بين نُقْطَة حِبْرٍ..
ونُقْطَة حِبْرٍ..
هنالكَ وقتٌ..
ننامُ معاً فيه، بين الفواصلْ..
4
وما بين فصل الخريف، وفصل الشتاءْ
هنالكَ فَصْلُ أُسَمِّيهِ فصلَ البكاءْ
تكون به النفسُ أقربَ من أيِّ وقتٍ مضى للسماءْ..
وفي اللحظات التي تتشابهُ فيها جميعُ النساءْ
كما تتشابهُ كلُّ الحروف على الآلة الكاتبهْ
وتصبحُ فيها ممارسةُ الجنسِ..
ضرباً سريعاً على الآلة الكاتبَهْ
وفي اللحظاتِ التي لا مواقفَ فيها..
ولا عشقَ، لا كرهَ، لا برقَ، لا رعدَ، لا شعرَ، لا
نثرَ،
لا شيءَ فيها..
أُسافرْ خلفكِ، أدخلُ كلَّ المطاراتِ، أسألُ كلَّ
الفنادق
عنكِ، فقد يتصادفُ أنَّكِ فيها...
5
وفي لحظاتِ القنوطِ، الهبوطِ، السقوطِ، الفراغ،
الخِواءْ.
وفي لحظات انتحار الأماني، وموتِ الرجاءْ
وفي لحظات التناقضِ،
حين تصير الحبيباتُ، والحبُّ ضدّي..
وتصبحُ فيها القصائدُ ضدّي..
وتصبحُ – حتى النهودُ التي بايعتْني على العرش- ضدّي
وفي اللحظات التي أتسكَّعُ فيها على طُرُق الحزن وحدي..
أُفكِّر فيكِ لبضع ثوانٍ..
فتغدو حياتي حديقةَ وردِ..
6
وفي اللحظاتِ القليلةِ..
حين يفاجئني الشعرُ دونَ انتظارْ
وتصبحُ فيها الدقائقُ حُبْلى بألفِ انفجارْ
وتصبحُ فيها الكتابةُ فِعْلَ انتحارْ..
تطيرينَ مثل الفراشة بين الدفاتر والإصْبَعَيْنْْ
فكيف أقاتلُ خمسينَ عاماً على جبهتينْ؟
وكيفَ أبعثر لحمي على قارَّتين؟
وكيفَ أُجَاملُ غيركِ؟
كيفَ أجالسُ غيركِ؟
كيفَ أُضاجعُ غيركِ؟ كيفْ..
وأنتِ مسافرةٌ في عُرُوق اليدينْ...
7
وبين الجميلات من كل جنْسٍ ولونِ.
وبين مئات الوجوه التي أقنعتْني .. وما أقنعتْني
وما بين جرحٍ أُفتّشُ عنهُ، وجرحٍ يُفتّشُ عنِّي..
أفكّرُ في عصرك الذهبيِّ..
وعصرِ المانوليا، وعصرِ الشموع، وعصرِ البَخُورْ
وأحلم في عصرِكِ الكانَ أعظمَ كلّ العصورْ
فماذا تسمّينَ هذا الشعور؟
وكيفَ أفسِّرُ هذا الحُضُورَ الغيابَ، وهذا الغيابَ
الحُضُورْ
وكيفَ أكونُ هنا.. وأكونً هناكْ؟
وكيف يريدونني أن أراهُمْ..
وليس على الأرض أنثى سواكْ
8
أُحبُّكِ.. حين أكونُ حبيبَ سواكِ..
وأشربُ نَخْبَكِ حين تصاحبني امرأةٌ للعشاءْ
ويعثر دوماً لساني..
فأهتُفُ باسمكِ حين أنادي عليها..
وأُشغِلُ نفسي خلال الطعامْ..
بدرس التشابه بين خطوط يديْكِ..
وبينَ خطوط يديها..
وأشعرُ أني أقومُ بِدَوْر المهرِجِ...
حين أُركّزُ شالَ الحرير على كتِفَيْها..
وأشعرُ أني أخونُ الحقيقةَ..
حين أقارنُ بين حنيني إليكِ، وبين حنيني إليها..
فماذا تسمّينَ هذا؟
ازدواجاً.. سقوطاً.. هروباً.. شذوذاً.. جنوناً..
وكيف أكونُ لديكِ؟
وأزعُمُ أنّي لديها..
أعلى
|